
نوه عضو الجمعية العلمية القضائية السعودية "قضاء" الشيخ صالح بن عطية بن صالح الحارثي، بمكانة وأهمية قرارات هيئة كبار العلماء التي تحظى بالقبول والثقة لدى المسلمين والمسلمات في مختلف أرجاء العالم؛ ومن ذلك قرارها رقم (246) بخصوص وجوب التقيد بالتعليمات والتوجيهات والتنظيمات التي تصدرها جهات الاختصاص في الدولة -أيدها الله-، في إطار جهودها وحرصها على سلامة المواطنين والمقيمين، وبذلها كافة الأسباب للحد من انتشار فيروس كورونا بإذن الله جل وعلا.
وقال "الحارثي" لـ"سبق": "قرار هيئة كبار العلماء المؤيد باستقراء نصوص الشريعة الإسلامية ومقاصدها وقواعدها وكلام أهل العلم في هذه المسألة، دُرَّةٌ- في تاج جهود الدولة -حفظها الله- تجاه فيروس كورونا -عجَّل الله بفرج منه وعافية-"، لافتًا إلى أن الشريعة مبناها وأساسها على مصالح العباد في دنياهم وآخرتهم، والشريعة رحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها، وكل مسألة خرجت عن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة، ولا خلاف بين العقلاء أن شرائع الأنبياء جميعًا قُصد بها مصالح الخلق الدينية والدنيوية، والأمة الإسلامية قاطبة مجمعة على أن الشريعة في أحكامها كلها حكمة ورحمة ومصلحة للعباد في دنياهم وآخرتهم. قال تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}.
وتابع: "إن الشريعة تحرص كل الحرص، وهي معنية أيما عناية بنفي الضرر ورفعه وقطعه، فلا ضرر ولا ضرار"، مشيرًا إلى كلمة ذائعة سائرة للعلامة الأصولي شيخ المقاصديين أبي إسحاق الشاطبي، قال: "اتفقت الأمة - بل سائر الملل- على أن الشريعة وضعت للمحافظة على الضروريات الخمس - وهي: الدين، والنفس, والنسل، والمال، والعقل-. وعلمها عند الأمة كالضروري".
ولفت في هذا الصدد إلى قاعدة "تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة"، وهي قاعدة فقهية مبنية على قول الرسول -صلى الله عليه و سلم-: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته فالإمام راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته" والمراد بهذه القاعدة: أنّه يجب على من تولى شيئاً من أمور المسلمين، أن تكون تصرفاته مبنية على حفظ مصالحهم، منوهًا إلى أن كافة الإجراءات والقرارات والتدابير التي اتخذتها الدولة -أيدها الله– تجاه فيروس كورونا متوافقة ومتماشية بجلاء واتساق مع ما قررته الشريعةُ الغراءُ نصوصًا وقواعدَ وأصولاً.
وأشاد "الحارثي" بالدور الإيجابي الرصين من قبل الدولة -وفقها الله- قيادةً وحكومة، قائلاً: "إن دورها تجاه فيروس الكورونا نموذج عالٍ من نماذج القيام بالمسؤولية تجاه رعيتها وجميع المقيمين على أراضيها وتجاه العالم أجمع".
وأردف: "إن الدولة تطبق مواد نظمها المتوافقة مع أصول الشريعة وقواعدها وكلياتها"، لافتًا إلى المواد: (24)، و(31) و(62) من النظام الأساسي للحكم، وإلى المواد: (12)، و(17)، (25) من نظام المراقبة الصحية في منافذ الدخول. جاء في المادة الحادية والثلاثين من النظام الأساسي للحكم: "تعنى الدولة بالصحة العامة، وتوفر الرعاية الصحية لكل مواطن"، وجاء في المادة الثانية والستين من النظام الأساسي للحكم: "للملك إذا نشأ خطر يهدد سلامة المملكة، أو وحدة أراضيها، أو أمن شعبها ومصالحه، أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء مهامها، أن يتخذ من الإجراءات السريعة ما يكفل مواجهة هذا الخطر. وإذا رأى الملك أن يكون لهذه الإجراءات صفة الاستمرار فيتخذ بشأنها ما يلزم نظامًا".
واستطرد: "ورد في المادة السابعة عشرة من نظام المراقبة الصحية في منافذ الدخول: "للسلطة المختصة في منافذ الدخول المختلفة - عند حدوث حالة طارئة صحية عامة تسبب قلقاً دولياً أو لأغراض الصحة العامة المتمثلة في الحيلولة دون انتشار المرض دولياً - أن تجري الفحص الطبي على أي شخص مسافر في رحلة دولية مشتبه في إصابته أو متضرر، ويجوز لها منع سفر أي شخص مريض أو يشتبه في مرضه".
وأزجى "الحارثي" جملة نصائح في مثل هذه الظروف والحالات وهي: "وجوب الاعتصام بالله -تبارك وتعالى- والاعتماد والتوكل عليه، واعتقاد أن الأمور كلها بيده -جل وعز- وطوع تسخيره وأمره، والمحافظة على أوامر الله بامتثال الأمر واجتناب النهي، ومعرفة أن التداوي والاستشفاء وقايةً وعلاجًا لا ينافي التوكل، وضرورة الحذر من الشائعات والأراجيف فإنها تكثر في مثل هذه الظروف"، وحضَّ على سؤال الله -جل وعلا- العافية والسلامة، والاستعاذة به -جل ثناؤه- من سيئ الأسقام والأدواء والأمراض.
واختتم ببيان أن الحج والعمرة منوطان بالاستطاعة، وهما راجعان إلى الوسع والطاقة، فلو فرض -لا قدَّر الله- استمرار الأمر، ورأت الدولة المنع من الحج فليس ثمة محظور ولا حرج، وإنه لمن نافلة القول في هذا المقام أن أذكِّر بأن الدولة -كما في المادة الرابعة والعشرين من النظام الأساسي للحكم- تقوم على إعمار الحرمين الشريفين وخدمتهما، وتوفير الأمن والرعاية لقاصديهما، بما يمكن من أداء الحج والعمرة والزيارة بيسر وطمأنينة، والله نسأل السلامة والعافية، والأمن والأمان، والتوفيق والسداد.