السياسة السعودية المتوازنة والوصول لقمة هرم ميزان القوى العالمية في المستقبل القريب

في وقت شكّل فيه المنطاد الصيني أزمة عالمية بين واشنطن وبكين
السياسة السعودية المتوازنة والوصول لقمة هرم ميزان القوى العالمية في المستقبل القريب

يومًا بعد يوم تؤكد السياسة المتوازنة والحكيمة للمملكة العربية السعودية وحسن حساباتها الدقيقة حيال الوضع الدولي أهمية ومحورية وقوة في أوراقها السياسية والدبلوماسية، والاقتصادية، والأمنية، والإنسانية.

فما يحدث في منطقة الشرق الأوسط من تحركات على الساحة الدولية، أكبر دليل على أن بعض قادة المنطقة المستنيرين قد قرأوا المشهد منذ فترة طويلة، وأقاموا اتفاقيات مختلفة لم يكن أحد يتخيل من قبلُ أن تتم، وأصبحت بعض الدول أكثر جرأةً واستقلالًا وقوةً في اختيار طريقها بلا وصاية، وهذا يدل على الإدارة الواعية لهؤلاء القادة، فهم يعرفون متى ومع من يتحالفون، ويعرفون الطريق إلى القمة بعد أن حاولت القوى المهيمنة التقليدية أن تجعلهم بعيدًا عن القمة دومًا، وأن تجعل دول المنطقة دائمًا في صراعات ونزاعات وحروب؛ للتربح من وراء هذه النزاعات.

فها هي المملكة العربية السعودية كانت سباقة، واستشرفت كل ما يحدث على الساحة الدولية قبل حدوثه بعدة سنوات، واستطاع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله- أن يواجه التحديات مبكرًا، وأن يسارع في تطوير المملكة على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية والخدمية والاجتماعية والسياحية، وأن يحجز مقعدًا على قمة الهرم الذي يشكّل ميزان القوى العالمية في المستقبل القريب بتحالفاته واتفاقياته المعلنة للعالم أجمع.

يأتي هذا في الوقت الذي أثارت فيه قضية المنطاد الصيني الذي كان يُستخدم لأغراض أبحاث الطقس وانحرف مساره وفقًا للرواية الصينية وبغض النظر عن الأسباب، فبمجرد ظهوره في أجواء أمريكا أثار ذلك قلق الأمريكان قيادةً وحكومةً وشعبًا، بشكل لا يتناسب مع الحجم والقوة المرسومة في الأذهان عن الولايات المتحدة الأمريكية، مما أثار تعجّب الكثير من المراقبين للأوضاع على الساحة الدولية، من مدى الذعر والقلق الذي أصاب الأمريكان وطريقة تعاملهم مع منطاد بدائي.

وتساءل البعض: هل عجزت التكنولوجيا الأمريكية الرائدة والمتقدمة في التعامل مع منطاد بدائي بشكل احترافي؟ هل التقدم العلمي في أمريكا لم يمنع خوفها من منطاد بدائي بهذا الشكل؟ هل وصل الأمر بين الحزبين الرئيسيين في أمريكا إلى هذا الحد للقفز على أزمة بحجم منطاد بدائي لاستغلالها سياسيًا؟ وفي المقابل هل تحتاج الصين إلى منطاد بدائي للتجسس على أمريكا رغم ما توصلت إليه من تقدّم يضاهى التقدم العلمي والتكنولوجي الأمريكي في مجال الأقمار الصناعية؟ كل هذه التساؤلات أثارت شهية المراقبين الدوليين للقراءة في دوافع التصعيد الذي لجأت له واشنطن في أزمة بهذا الشكل.

فالبعض يفسر ذلك بأن أمريكا تحاول أن تثبت للعالم أنها لا تزال على القمة بعد أن اهتزّت صورتها في السنوات الأخيرة بعد أزمات داخلية كثيرة؛ مثل: أزمة الهجوم على الكونجرس من قبل أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب، مما أعاد للأذهان ذكرى الحرب الأهلية الأمريكية بشكل مخيف، فضلًا عن الأزمات الأخيرة من ارتفاع في التضخم، وانهيار بعض البنوك الأمريكية، بالإضافة إلى الأزمات الخارجية؛ مثل: انسحابها من أفغانستان بشكل مهين بعد أن تكبّدت خسائر قُدّرت بتريليونات الدولارات، وفشلت أن تهزم طالبان، بل تسلمت طالبان الحكم، وكذلك أزمة الحرب الروسية- الأوكرانية الدائرة رحاها؛ حيث كانت تراهن أمريكا على انهيار روسيا اقتصاديًا وهزيمتها من قبل الناتو في الشهور الأولى للحرب، وهو ما لم يحدث حتى الآن، وكذلك فشلها في إدارة أزمتها مع إيران، في وقت تم فيه إعلان الاتفاق على عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران برعاية الصين.

وأصحاب هذه المدرسة يرون أن تصعيد أمريكا ضد الصين في هذه الأزمة أولًا هو نوع من العدوانية، وثانيًا هو مؤشر ضعف وعدم ثقة بقدرتها أمام الصين، وأن مثل هذا التصعيد يُعتبر اعترافًا ضمنيًا من قبل الولايات المتحدة بالتفوق الصيني للدرجة التي جعلت أمريكا تتخوف من منطاد بدائي، وتشكّل له فريق عمل ضخمًا، ويتم مناقشة الأمر في محيط الدوائر البرلمانية والإعلامية والحزبية والعسكرية.

أما البعض الآخر فيرى أن ما حدث من تصعيد من قبل واشنطن أمام الصين يأتي في إطار الصراع الذي يشهده العالم بين القوتين؛ من أجل منع الصين من الوصول إلى القمة -التي لا يستطيع أحد الآن أن يمنعها من بلوغها- وأن التصعيد الأمريكي يأتي في الإطار الطبيعي لهذا الصراع، وأشار أصحاب هذه المدرسة إلى أن الأزمة كان من الممكن أن تُحَل بشكل دبلوماسي، ولكن هم يعتقدون أن أمريكا دائمًا تتربح من الصراعات، وأنه من مصلحة أمريكا خلق صراع لكى تجني الأرباح، سواء السياسية كما استغلها الحزب الجمهوري أو الرئيس بايدن كنوع من البطولة؛ تمهيدًا للانتخابات الرئاسية أو التربح عسكريًا وماديًا.

أما أصحاب الرأي الثالث فهم يرون أن التصعيد الأمريكي يأتي من منطلق الهيمنة وفرض القوة، ويرون أن تبادل المواقع بين القوى العالمية محل شك، وأن أمريكا لا تزال مستقرة ومهيمنة على العالم، فهل تستمر الهيمنة الأمريكية رغم ما يحدث من أحداث عالمية، ورغم التحالفات التي تتشكّل، ورغم صعود بعض القوى عسكريًا، وتراجع البعض الآخر، ورغم تراجع الوضع الاقتصادي لبعض القوى العالمية التقليدية وانهيار بعض البنوك الكبرى لديها، ورغم انحسار نفوذ أوروبا وأمريكا في إفريقيا؟

وهنا نتساءل: هل بات تبادل مراكز القوى العالمية أمرًا واقعًا ووشيكًا؟ لقد عاصرنا انهيار الاتحاد السوفيتي وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى منذ نهاية الثمانينيات وحتى الآن، فهل تتراجع أمريكا للخلف مثلها مثل أي قوة أخرى على مدار التاريخ؟ في الوقت الذي بدأت فيه الترتيبات اللازمة لكثير من دول العالم لأخذ مقعد في التشكيل الجديد للعالم، والجميع يرى الاتفاقيات الدولية والتحالفات التي تتم حول العالم.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org