المقصودي لـ"سبق": "نظام المعاملات المدنيّة" يؤكّد حفظ حقوق الإنسان وحرص القيادة على العدل

أكّد أنه المرجع الأساس لتنظيم العلاقة بين الأفراد في تعاملاتهم المدنية
محمد المقصودي
محمد المقصودي
تم النشر في

أكّد أستاذ القانون بمعهد الإدارة العامة بالرياض، والمحكم القضائي الدولي المعتمد، الدكتور محمد بن أحمد المقصودي؛ أن نظام المعاملات المدنية السعودي الحديث يأتي من حرص قيادة بلادنا على حقوق المواطنين والمقيمين، وعلى رأسهم الرجل الإصلاحي الكبير الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، وولي العهد القانوني الرصين محمد بن سلمان، وفقه الله؛ استكمالًا لوتيرة التطوّر التدريجي المدروس بعناية وعمق، وبما يتوافق مع طبيعة ومرتكزات وثوابت الدين الإسلامي العظيم وطبيعة ومسارات المجتمع، ولعل سرعة البتّ في إصدار ما يسمى بقانون الشعوب في كافة الأنظمة العالمية، والذي يعدّ المرجع الأساسي لتنظيم العلاقة بين الأفراد في تعاملاتهم المدنية في حالات المنازعة والخلاف بين الأفراد؛ يؤكد على نشر ثقافة حقوق الإنسان وحرص القيادة والشعب على تجسيد العدل كأساس للحكم، وكما أعلن وليُّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، عن صدور موافقة مجلس الوزراء في 14 يونيو 2023 على نظام المعاملات المدنية بعد استكمال الإجراءات النظامية لدراسته في مجلس الشورى، وفقًا لما يقضي به نظامه، وهو ثالث مشروعات منظومة التشريعات المتخصصة صدورًا، التي جرى الإعلان عنها بتاريخ 26 جمادى الآخرة 1442هـ الموافق 8 فبراير 2021م، وبقي منها مشروع نظام العقوبات.

وقال المقصودي: "تضمّن النظام 762 مادة، شملت مجمل التعاملات المدنية المتصوّرة بين الناس، ويشتمل نظام المعاملات المدنية على أحكام تحدّد جميع ما يتعلّق بالعقود؛ مثل: أركان العقد، وحجّيّته، وآثاره بين المتعاقدين، والأحكام المتعلّقة ببطلانه وفسخه، وأحكام الفعل الضارّ وقواعد التعويض عنه، وتطرّقت نصوصه النظامية كذلك إلى جميع صور الملكية وأحكامها، وهو بحقّ يمثّل نقلة كبرى منتظرة ضمن منظومة التشريعات المتخصصة، وقد روعي في إعداده الاستفادة من أحدث الاتجاهات القانونية وأفضل الممارسات القضائية الدولية في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها، وأتى منسجمًا مع التزامات المملكة الدولية في ضوء الاتفاقيات التي صدقت عليها، بما يحقق مواكبة مستجدات الحياة المعاصرة".

وأضاف: ومن أهداف النظام تحقيق مبادئ كبرى تتمثّل في: حماية الملكية، واستقرار العقود وحجيتها، وتحديد مصادر الحقوق والالتزامات وآثارها، ووضوح المراكز القانونية؛ مما ينعكس إيجابًا على بيئة الأعمال ويزيد من جاذبيتها، ويسهم أيضًا في تنظيم الحركة الاقتصادية واستقرار الحقوق المالية، وفي تسهيل اتخاذ القرارات الاستثمارية، إضافة إلى تعزيز الشفافية وزيادة القدرة على التنبُّؤ بالأحكام في مجال المعاملات المدنية والحدّ من التباين في الاجتهاد القضائي، وصولًا إلى العدالة الناجزة، والإسهام كذلك في الحدّ من المنازعات؛ فترتيب إجراءات الدعاوى المدنية في شكل نصوص واضحة وصريحة بداية من تحريك الدعوى وحتى صدور الحكم القطعي الباتّ؛ كل ذلك من شأنه كفالة حقوق الأفراد وحرياتهم؛ لعلمهم المسبق بالإجراءات الواجب اتباعها عند صدور مظلمة ضدهم أو حكم يرونه متعسّفًا، ويجب أن نشير هنا إلى أنه قبل صدور هذا النظام كان العمل القضائي في بلادنا يسير بشكل منتظم ودقيق وفق الأحكام الفقهية التي أتقنها الفقهاء المسلمون في كتبهم المتفرقة، والتي كان القضاة الأفاضل يبذلون الجهد الكبير في استخلاص الأحكام العادلة منها؛ ولذلك أتمنى من المحلّلين القانونيين ألا يصادروا على المطلوب ويصوروا للمتلقي أن هناك فراغًا تشريعيًّا قبل ذلك النظام، وهو كما ذكرنا جاء مكملًا لمنظومة مبدأ الشرعية والعلم السابق بالنصوص قبل تطبيقها وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية.

وقال: "إن الاهتمام بوضع حقوق الإنسان وتطبيق مبدأ الشرعية المدنية والجزائية في بلادنا من قبل المهتمين في الحكومة ومن رجال القانون والفقهاء؛ أمر جادّ ومستمرّ بهدف الوصول لوضوح القوانين والإجراءات وتجديدها في كافة المجالات القانونية، والتي هي هاجس كافة أفراد المجتمع؛ حيث إن الهدف الجوهري من وضوح القوانين ووضعها في نصوص واضحة ومدونات؛ هو صيانة وحماية جملة الحقوق التي تعترف بها القوانين الوطنية والمواثيق الدولية للإنسان من حيث كونه إنسانًا؛ فمنذ أن حرم الأفراد سلطة إقامة قضاء خاص، وحرم المجني عليه من حقه في الانتقام الفردي، أخذت الدولة على عاتقها الالتزام بإقامة العدالة في المجتمع وحسن توزيعها على المواطنين، وهو التزام ليس للدولة الوفاء به إذا لم تعمل على إعطاء الحقوق المقررة قانونًا للأفراد له الفاعلية والنفاذ عملًا وليس بمجرد صياغة القوانين دون تطبيق على أرض الواقع، وإن مبدأ الشرعية القانونية أصبح دوليًّا بالنصّ عليه في كافة الاتفاقيات الدولية، وقبلها في شريعتنا الإسلامية؛ لأنها ملزمة لكافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، كما أنه لضمان تطبيق مضمون مبدأ الشرعية في المجال المدني والتجاري ومجال التجريم والعقاب ونتائجه في المملكة؛ فإن الأمر يقتضي لإكمال العمل الإجرائي والموضوعي المبدع المتجدد أن يتم التفكير والعمل لإصدار قانون عقوبات موضوعي يوافق واقعنا؛ وذلك لكفالة حقوق الأفراد وحرياتهم، وذلك عند المسبق بما هو مباح من الأفعال وما هو محظور عليهم، وبذلك يمارسون حقوقهم وحرياتهم دون خوف أو رهبة، كما أن المبدأ يحقّق المصلحة العامة؛ لأنه يؤدي إلى وحدة الأحكام الجنائية وتحقيق العدل والمساواة بين أفراد المجتمع، كما أنه يعدّ ضمانة للمجرمين؛ إذ يمنع تعسف القاضي من إنزال عقوبة أشدّ من العقوبة المقررة وقت ارتكاب الجريمة، وهو ما سيتم في القريب؛ كما أشار لذلك ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، وذلك بإصدار قانون العقوبات المرتقب".

وأوضح المقصودي أن ما يحدث في بلادنا من قفزات نوعية في مجال الإجراءات العدلية وحقوق الإنسان، وما يحفظ مقدرات المجتمع والأجيال القادمة؛ منبعها داخلي بحت هدفه سيادة الحق والقانون للجميع، ولا مكان لدولة بحجم بلدنا العظيم أن يكون تطورها في أي مجال كان ردات فعل لما يحدث من انتقاد غير منصف ومسيس من بعض الكتاب الغربيين المعاصرين والمنظمات الحقوقية، وعلى من أراد الحق منهم، وهم كثر كما رأيت في بعض المؤتمرات العالمية، الفهم الدقيق للمستجدات الواقعة في المملكة، والعلم بحقيقة وجوهر وأهداف ومنطلقات فقه الواقع الإسلامي في التجريم والعقاب، وصلاحيته لكل زمان ومكان، وكذلك التمعّن في اختلاف الفلسفات الفكرية حول مبدأ الشرعية بمفهومه الحياتي الواسع وعبر مختلف الثقافات، أما من انطلق منهم من توجهات سياسية وتحكم فليس مجالنا الاهتمام بهم؛ فالعلم والحق وتطور مجتمعنا هو هدفنا ومقصدنا الذي ندين الله به في الدنيا والآخرة، وفق الله بلدنا العزيز وأهله لكل خير، وأدام وحدتنا وعزّتنا.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org