في رحلة ممتعة تبتعد عن المسارين التاريخي والسياسي وما ضَمَّاه من غزوات ومعارك في صدر قيام الدولة السعودية، نغوص ونبحر لاستخراج رسم تقريبي لمعالم الممارسات الترويحية في المجتمع السعودي في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه، والتي تتباين بحسب جغرافيا كل منطقة والمستوى التعليمي والديني لها؛ حيث يشدنا في هذه الرحلة كتاب "الترويح في المجتمع السعودي في عهد الملك عبدالعزيز" لمؤلفه عبدالله بن ناصر السدحان الذي حرصت "دارة الملك عبدالعزيز" على نشره وتوثيقه؛ لتُبرز علامات في تفاصيل الرحلة عنوانها التشويق.
مع تدفق النفط في المنطقة الشرقية بكميات تجارية عام ١٣٥٧هـ؛ أصبح للمملكة مورد مالي ثابت يتنامى بازدياد، وساعد في تغيير أنماط الحياة بإنشاء التجمعات المدنية في القرى والبلدان وتطور التجارة والزراعة والصناعة وإحداث طفرات في الثقافة والتعليم؛ مما دفع السعوديين إلى محاولة مواكبة هذا الزمان بوسائل تخصهم في الترويح والترفيه تنوعت بأشكال عدة.
ففي المنطقة الغربية من المملكة كان هناك توسع في الممارسات الترويحية للكبار من الرجال؛ فالحجاز أكثر انفتاحًا على الخارج من أي إقليم من أقاليم الجزيرة العربية الأخرى، وقد كان الاحتكاك بالأجناس الأخرى في المواسم الدينية خير وسيلة لانفتاح المجتمع على ثقافات الشعوب الأخرى وعاداتها وتقاليدها.
ومن الممارسات الترويحية التي شاعت في المنطقة الغربية ألعاب التسلية الخفيفة أو وسائل التسلية الصامتة وهي تتم غالبًا في البيوت أو المقاهي مثل النرد والشطرنج والبشيش والكنجفة والكيرم والكوتشينه؛ وبخاصة لعبة البالوت. وتعد لعبة "التنس" أول لعبة رياضية عُرفت بالمنطقة، وكان الفضل في ذلك للخبير الجيولوجي "توتشيل" الذي جلبها معه. أما كرة القدم فأول من نقلها إلى الحجاز بعض المَلَّوِيِّين والإندونيسيين عام ١٣٤٤هـ، وكان هناك احتفاء كبير بهذه اللعبة؛ وفِرَق في مكة وجدة والطائف تجاوز عددها ٣٠ فريقًا في ذلك الزمان.
من هنا نجد أن السمر في البيوت والجلوس في المقاهي للتسلية كان من عادات أهل جدة، فكانوا يلعبون في المقاهي بمختلف الألعاب التي تسليهم مثل "الدومينو والطاولة"، إضافة إلى ممارسة الغناء والإنشاد وسماعهما؛ وإن كانوا لا يستعملون فيها الآلات الموسيقية؛ بل كان المغني أو المنشد يعتمد على صوته فقط.
وكان ما يشبه مثل هذه المقاهي موجود في مكة؛ إلا أنها كانت لسماع حكايات كتاب ألف ليلة وليلة أو سيرة عنترة ونحو ذلك مقابل بعض المال، وكانت هناك مجالس يؤمها بعض المثقفين لتدارس الشعر العربي والكتب، وكانت الأغاني والأناشيد التي يقدّمها المغني والمنشد دون آلات موسيقية؛ حيث كان ذلك ممنوعًا بصورة صارمة.
كما وُجدت أنواع أخرى من الممارسات الترويجية في مكة، كلعبة المزمار وما يصاحبها من الطبول، وغالبًا ما تكون ليلًا في الساحات العامة بين الحارات، بالإضافة إلى ما يقوم به بعض الأفارقة من ألعاب الطنبورة التي تجمع بين ضرب الطبول والرقص بعد ربط الوصل بعقود من أظفار الأغنام وأظلافها؛ فإذا رقص بها سُمِعَ لها خشخشة يَطرَب لها جميعهم.
وفي مجال المتنزهات، يذكر الرحالة "مهر" مكانًا يقع شمال مكة على طريق المدينة يقال له "الشهداء"، ويعد متنزهًا لأهل مكة في عام ١٣٤٨هـ، ومن الممارسات الترويحية في المنطقة أيضًا سماع المذياع بغرض الترفيه والتسلية.
خلت المصادر التاريخية من ذكر الحدائق والمزارع في جدة إلا بعض أشجار النخيل المحيطة ببعض المساجد؛ لذلك نجد بعض الرحالة يذكرون أن المقتدر ماديًّا من سكان مكة كان يقضي أيام الصيف الحارة في الطائف؛ حيث يوجد منازل لبعض الأسر هناك؛ إلا أن الغالبية من أهل مكة يذهبون إلى جدة فهي المكان الوحيد للترفيه بعد الطائف، ومما يثير الانتباه عدم إشارة المصادر إلى منشط ترويحي مهم لمدينة جدة وهو الرحلات البحرية.
ومن الممارسات الترويحية التي كانت شائعة بشكل كبير في منطقة مكة وبخاصة مدينة الطائف سباق الخيول العربية وسباق الجمال وهذه الرياضة تكثر بين أهل نجد الذين قَدِموا إلى مكة وأقاموا فيها.
أما فيما يتعلق بالأطفال، فساد في مكة لعبة الكرة والبلجوة والغمميمة والكبت والمرصاع، كما أن الأطفال يلهون في الشوارع العريضة بما يسمى المراجيح أو المدارية؛ فضلًا عن عظام الكلبة والمجرعة والنباطة والعسيب والتمرة في مناطق أخرى، بخلاف الألعاب الشعبية كالهول وعظيم لاح والخضراء والكعاب والحالوسة والبلبول والدوامة وغيرها.
أما في المنطقة الوسطى، فنجد أن عملية الترفيه والترويح عن النفس لدى سكان مدينة الرياض تبدأ عادة بعد عناء العمل؛ خاصة لدى المزارعين بعد تناول العشاء من بعد صلاة المغرب؛ حيث يبدأ عندهم الاجتماع ويسمى العتمة وتكون عند شخص معروف أو تكون دورية بينهم كل ليلة عند شخص يتبادلون فيها الأحاديث العامة.
وكانت الأعياد من أهم مجالات الترفيه عند الأهالي، ومن مظاهرها التزاور بين العائلات، وتبادل الهدايا، وتقديم المساعدات للأسر الفقيرة لإشاعة البهجة.. ومن المجالات الترويحية المميزة إقامة سباقات الخيل والهجن في مزمار طوله ٥ كيلو مترات، وبمشاركة متسابقين مدرَّبين، وبحضور الملك والأمراء وحشود كبيرة من الأهالي.
كما يمكن عد رحلات الصيد التي كان يقوم بها بعض أفراد المجتمع، من جوانب التسلية والترفيه؛ حيث يخرج الأفراد في رحلات جماعية لصيد بعض الحيوانات كالغزلان والأرانب والطيور البرية، وغالبًا ما تستغرق الرحلة أكثر من يوم ويستعدون لها بما يحتاجونه من مأكل ومشرب وخيام.
ومن وسائل الترويح الشائعة آنذاك -وما زالت- العرضة؛ حيث يصطفّ الرجال ويرددون بعض الأبيات الشعرية الحماسية أو الحربية مع قرع الطبول بترنيمات معينة، وكان الملك عبدالعزيز يقيم هذه العرضة في مختلف المناسبات وكذلك أبناؤه، ويشاركون فيها بأنفسهم مع أفراد الشعب في عرض شعبي؛ حيث يكون للمناسبة فرحة.
وإذا انتقلنا إلى المنطقة الشرقية ومنطقة الأحساء والقطيف ذات الواحات والمياه الوفيرة؛ سنجد اختلافًا يسيرًا في نوعية الممارسات الترويحية؛ حيث شيوع رياضة السباحة لوقوع معظم المنطقة على ساحل الخليج العربي، كما انتشرت بين السكان هوايات صيد الأسماك، واعتاد السكان على الاستحمام والاستجمام في العيون المتدفقة الشهيرة والبحيرات، كما كان سكان الأحساء -وخاصة الشباب- يمارسون أثناء تنزهاتهم هواية الصيد بالبندقية أو الفخاخ أو النوبيطة.
أما ممارسة الرياضة البدنية -وخاصة كرة القدم- فلم تظهر إلا بعد اكتشاف النفط والاختلاط بالجنسيات الأخرى، وهناك من يؤرخ بداية ظهور كرة القدم بالمنطقة الشرقية في عام ١٣٥٨هـ، حينما شرع عمال شركة أرامكو والصوماليون في ممارسة هذه اللعبة ومن ثم أخذَها عنهم سكان المنطقة.
وفيما يتعلق بالممارسات الترويحية النسوية؛ فقد خُصصت غرف مقفلة عند منابع العيون الكبيرة تمر المياه من تحتها عبر قنوات خاصة وتستأجرها بعض العائلات باليوم وخاصة أيام الجمعة، ويتخللها إعداد وجبات غذائية وتسامر ونحوه.
ومن الممارسات الترويحية في المنطقة الجنوبية سباقات الحمير والإبل أو الأقدام، ومن الألعاب الرياضية المعروفة وقتها الرماية بالرصاص؛ حيث كانت تُحَدَّد علامة أو قطعة حجر معينة على مسافة معلومة، ثم يتبارى بعض الرماة في إصابة تلك العلامة. وهناك من الألعاب ما يسمى "النفت والمجاحزة"، وهاتان اللعبتان لهما علاقة بالقفز؛ فالنفت عبارة عن محاولة للقفز من جانب جدار إلى جانب آخر اعتمادًا على عضلات الساقين وقوة الجسم، أما المجاحزة فتكون بالتنافس بين مجموعة من الشباب على القفز لأطول مسافة ممكنة.
ومن الممارسات الرياضية أيضًا في المنطقة الجنوبية، المصارعة التي كانت تمارَس إما داخل البيوت أو خارجها، ولا يشترك فيها أكثر من اثنين، وهدفها اختبار القوة عند المتصارعين. أما الفنون الشعبية في بلاد عسير فهي إحدى وسائل التسلية التي عُرفت من قديم الزمان، ولا تزال حتى وقتنا الحاضر؛ ومنها العرضة التي تمارس في الحفلات والأعياد.
يُذكر أن دارة الملك عبدالعزيز تعمل على إنتاج وتحقيق الكتب التي تخدم تاريخ المملكة العربية السعودية وجغرافيتها وآدابها وآثارها الفكرية والعمرانية، وطباعتها وترجمتها، وما يتصل بذلك من تاريخ الجزيرة العربية وتاريخ العالمين العربي والإسلامي، ورافدًا حضاريًّا يربط أجيالها.