تقضي أسرة محافظ محايل عسير السابق، محمد بن سعود المتحمي "شهيد الوطن في حادثة سقوط طائرة عسير" شهر رمضان الأول بعد أن غيّبه الموت عنهم، وذكرياته العملية والشخصية لا تزال عالقةً بأذهانهم.
وتستعرض "سبق" في زاوية #كانوا_معنا، بعضاً من ماضي وذكريات "المتحمي"، وكيف تعيش أسرته فقده من مائدة الإفطار الرمضانية، بعدما استُشهد في حادثة تحطّم طائرة عسير الشهيرة برفقة نائب أمير المنطقة وعدد من المسؤولين - رحمهم الله جميعاً - قبل أشهر عِدة.
وُلِدَ "المتحمي" في مركز "طبب" بمنطقة عسير، في غرة رجب لعام ١٣٨٥هـ، وتلقى تعليمه الأوليّ بمدارس أبنا، ثم التحق بكلية الإعلام - العلاقات العامة - بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة وتخرّج فيها عام ١٤٠٨هـ، قبل أن يلتحق بالعمل في العلاقات العامة بإمارة منطقة عسير، ويبدأ رحلة انطلاقته متجوّلاً بين جبال وسهول عسير، وعُيِّن وكيلاً لإمارة العرين، ثم محافظاً لإمارة بللحمر، وتولّى رئاسة مركز "طبب" ثم "السودة"، قبل أن يصدر قرار تعيينه محافظاً لمحافظة بيشة مكلّفاً، واختتم حياته العملية محافظاً لمحافظة محايل عسير.
وسَرَد النقيب سعود محمد أبو نقطة المتحمي لـ "سبق" بعضاً من سيرة والده الذي قضى حياته لخدمة دينه ووطنه في إمارة عسير منتقلاً من بين سهولها وجبالها، كاشفاً موقفاً لن ينساه طوال حياته قبل وفاة والده بأربع أيام.
وقال: برنامج والدي - رحمه الله - الرمضاني عادةً كان يتفرّغ فيه للعبادة والإكثار من الصدقة وقراءة القرآن، كما هي عادته في بقية أشهر السنة، كما كان حريصاً على أن يكون أول إفطار لنا عند جدتي (والدته) أول يوم في رمضان دائماً، ويحرص على ملازمة المسجد منذ أداء صلاة العصر حتى قُبيل المغرب، ونتناول وجبة الإفطار سوياً.
وأضاف: كان والدي - رحمه الله - يسألنا كثيراً عن برنامجنا مع القرآن، ويحرص كثيراً على أداء صلاة التراويح والمواظبة عليها؛ بل يعتاد قيام الليل في غرفة نومه، ويُكثر من قول: "اللهم أصلح ذريتي".
وتابع: في رمضان كان والدي - رحمه الله - يحرص كثيراً على توزيع الصدقة بنفسه، وصلة الأرحام؛ بل كان يصطحب جدّتي ووالدتي لزيارة الأهل والأقارب، وزرع هذه الخصلة الحميدة في نفوسنا جميعاً.
وعن أعماله الخيرية، قال النقيب "محمد": لم تقتصر أعماله على رمضان فحسب؛ بل كانت طوال أوقات العام، وكان حريصاً على إخفائها حتى عن أبنائه احتساباً للأجر، ولم نعلم عنها إلا بعد وفاته - رحمه الله -، ويُكثر من صدقة مياه الشرب، والعناية والاهتمام بالمساجد، خصوصاً مسجد الحي، ومسجد مركز قريتنا بطبب، كما فُوجئنا بأعداد الأيتام الذين كفلهم احتساباً للأجر من الله، ويتفقّد حاجات الفقراء والمساكين ويعطف عليهم، حتى زرع في أهل بيته حب الصدقة - جعلها الله في ميزان حسناته -.
وتحدّث عن أول رمضان يجمعهم وسط غياب والدهم، بقوله: "شعور فقد الأب شيء عظيم لا يعرف مرارته إلا مَن جرّبه، ذهب الحامي لي - بعد الله - ومَن كان يتعب على مستقبلنا وسعادتنا وتأمين حياتنا، ولا أتخيّل أنني أصوم الآن رمضان بلا رؤيته بيننا أو حتى سماع صوته، شعور يغلب عليه الحزن كثيراً، ولكن هذه هي الحياة، فكل مَن عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.
وأتبع "المتحمي"؛ حديثه عن والده، قائلاً: "كلنا سنموت.. ولكن ثقتي بربي بأن والدي ومَن معه من شهداء في تحطّم مروحية عسير أنهم في خير وهناء وينعمون في جنّات عدن، وما يزيدنا يقيناً بالله هم شهداء الله في أرضه، فحديث الناس عنه؛ حتى مِمّن لا يعرفه والدعاء له ومَن معه خفّف كثيراً من حزننا عليه، - تقبّله الله ومن معه في عليين-.
وعن حياة والده العملية والأسرية وكيف كان يجمع ويوفّق بينهما، قال ابنه: كان والدي - رحمه الله - محافظاً لبيشة لمدة ٧ سنوات تقريباً، وكان يسكن بقرب عمله ويأتي لنا في إجازة نهاية الأسبوع، ولم نشعر بفقده وغيابه، بل كان حاضراً بهيبته وتوجيهاته واتصالاته المستمرة رغم كثرة مشاغله وارتباطاته العملية، وفرحنا عندما صدر قرار نقله إلى محايل عسير وتعيينه محافظاً لها، ورغم وجوده بيننا إلا أنه يقطع يومياً ١٣٠ كم من بيته بأبها إلى مقر عمله، ورغم مشقّة الطريق إلا أنه لا يكِلُ من الذهاب إلى جدتي (والدته) ويهنأ بقربها حتى صلاة العشاء، ثم يعود لأبنائه ويستمع لهم ويوجّههم ويشجعهم على التفوق والعمل وفعل الخير، ورغم ذلك فهاجس العمل لا يفارقه؛ بل إن اتصالاته قد تمتد إلى ساعات متأخرة من الليل، ونحمد الله أنه كان يُوفّق بين عمله وبيته، وهذا ما انعكس على نجاحه العملي وصلاح ذريته - جعلها الله شاهدةً وشفيعةً له -.
وختم "المتحمي"؛ حديثه لـ"سبق"، بقوله: رغم عملي بالرياض وبُعدي عن والدي، إلا أن توفيق الله جعلني أسعد برؤيته قبل وفاته بثلاثة أيام عندما زارني وأسعدني بزيارته، وتُعد من أجمل ما يؤنس فراقه وما أسرح به قبل نومي.
وأضاف: اتصلت على والدي قبل وفاته وطلبت منه زيارتي في الرياض، إذ كانت الأجواء جميلة آنذاك، فأبدى موافقته إلا أنه قال بعد ذلك بأنه أنهى حجوزات الفنادق والإقامة رافضاً أن أتكفّل بها، وقابلت والدي وكان وجهه يشعُ بالنور والبياض، وأمضى ثلاثة أيام ضيفاً عزيزاً علينا، وبعد عودته إلى عمله بالجنوب، وصلنا نبأ استشهاده مع الأمير منصور وعدد من المسؤولين بالمنطقة - رحمهم الله جميعاً.