تضرّ الممارسات الاحتكارية في الأسواق بعملية الاستثمار، وتنفّر المستثمرين من خوض غمار المنافسة، وتشكّل عقبة أمام تحقيق النموّ الاقتصادي؛ ما يضعف الاقتصاد الوطني، كما تنسحب آثارها السلبية على المستهلكين؛ ومنها ارتفاع الأسعار، وانخفاض حجم المعروض في السوق من السلع والخدمات، وانخفاض جودة المنتجات، وتقييد الرغبة والقدرة على الابتكار.
وعلى العكس تمامًا: فإن المنافسة العادلة غير الاحتكارية تعود على المستهلك بعددٍ من الإيجابيات؛ ومنها تنوع السلع والخدمات المتاحة في السوق، وارتفاع جودة السلع والخدمات وانخفاض أسعارها، وكذلك تطوير السلع والخدمات وزيادة فرص الابتكار، وارتفاع القدرة الإنتاجية للشركات.
فيما يمكن إيجاز الفوائد التي تعود على السوق في: جذب عدد أكبر من المستثمرين، وإتاحة الفرصة لصغار المستثمرين للدخول إلى السوق، وعدم اقتصاره على الشركات الكبرى فقط، وتوليد المزيد من فرص العمل؛ ما يستتبع ذلك ارتفاع معدل النمو الاقتصادي.
وسنّت المملكة من أجل ذلك القوانينَ والتشريعات التي تحمي المنافسة، وتجرم الممارسات الاحتكارية، وتوقع بمرتكبيها الغرامات والعقوبات الرادعة، والتي من منطلقها شهّرت الهيئة العامة للمنافسة بعددٍ من شركات الأسمنت بعد ثبوت إخلالها ومخالفتها لنظام المنافسة عبر اتفاقها على رفع أسعار الأسمنت بشكل متزامن.
وانتهكت تلك الشركات الفقرة الأولى من المادة الرابعة من نظام المنافسة الصادر بالمرسوم الملكي رقم "م/25"، التي تنصّ على أنه: "تحظر الممارسات أو الاتفاقيات أو العقود بين المنشآت المتنافسة، أو تلك التي من المحتمل أن تكون متنافسة، سواء أكانت العقود مكتوبة أو شفهية، وصريحة كانت أم ضمنية، إن كان الهدف من هذه الممارسات والاتفاقيات أو المنشآت التي تتمتّع بوضع مهيمن، أي ممارسة تحدّ من المنافسة بين المنشآت، وفقًا للشروط والضوابط المبينة في اللائحة، وبخاصة ما يأتي: التحكم في أسعار السلع والخدمات المعدّة للبيع بالزيادة أو الخفض، أو التثبيت، أو بأي صورة أخرى تضرّ المنافسة المشروعة".
وتضمّنت القرارات: إيقاع غراماتٍ ماليةٍ قدرها "10,000,000" عشرة ملايين ريال، على كل منشأة مع نشر القرارات على نفقتها؛ وذلك كعقوبة على مخالفتها لنظام المنافسة.
تُشرف الهيئة العامة للمنافسة على تطبيق نظام المنافسة ولائحته التنفيذية؛ بهدف تعزيز المنافسة العادلة وتشجيعها ومكافحة الممارسات الاحتكارية غير المشروعة، وضمان الوفرة والتنوع في السلع والخدمات ذات الجودة العالية والأسعار التنافسية، وتشجيع الابتكار. وتتجلّى مهامّ الهيئة العامة للمنافسة في ثلاث وظائف رئيسية؛ هي: حماية المنافسة العادلة، وإنفاذ النظام، ومراقبة الأسواق.
وتجري الهيئة بصفة مستمرّة الدراسات اللازمة لتقييم الأثر على المنافسة عند الموافقة على الطلبات في مختلف القطاعات والأنشطة؛ حيث سجّلت أكثر من 950 طلبًا لعملية تركز اقتصادي؛ للإسهام في مزيد من ضبط السوق المحلية وتعزيز المنافسة العادلة بين الجهات العاملة في مجالات الإنتاج والتجارة المختلفة، وتحقيق مصلحة جميع المواطنين.
وجاء تشهير الهيئة بالشركات الممارسة للاحتكار بمثابة إنذار شديد اللهجة لمن تسوّل له نفسه ارتكاب الممارسات التي تخلّ بنظام المنافسة، ومن شأنها إضعاف المنافسين، ورفع أسعار السلع، ووضع الأعباء على كاهل المستهلكين.
وللمملكة باعٌ كبير في اجتثاث الاحتكار، وممارسته غير المشروعة؛ وذلك بفضل التشريعات المعزّزة لمبدأ المنافسة المشروعة؛ ما مكّن السعودية من تبوّأ المرتبة 23 عالميًّا في ترتيب كفاءة تشريعات المُنافسة، مقارنةً بالمرتبة 36 في عام 2017م، وبتقدم بلغ 13 مرتبة.