منذ أسبوع والعنوان الأبرز في الصحافة الموريتانية هو زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الزيارة تاريخية وليست بالعادية، فولي العهد السعودي هو أول ولي عهد سعودي يزور موريتانيا، فمنذ السبعينيات الماضية لم تشهد موريتانيا زيارة عقب زيارة الملك الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز، فالعاصمة الموريتانية على موعد مع ضيف كبير واستثنائي فزيارته سوف تزيد من الترابط بين البلدين وتقوي أواصر الأخوة وتدعم موريتانيا، ولاسيما أن العلاقة السعودية الموريتانية تعد علاقات أخوية وطيدة وأصيلة ضاربة في جذور التاريخ وظلت هذه العلاقات تتعزز باستمرار بفضل جهود خادم الحرمين الشريفين المتواصلة والإرادة المشتركة لدى حكومتي البلدين في توطيد وترسيخ هذه العلاقات، وتبرز يومًا بعد آخر العلاقات السعودية الموريتانية، حيث تتشابه بينهما التوجهات في مجمل قضايا المنطقة العربية، وتتكاملان تحقيقًا للآمال العربية والإسلامية بفضل تنسيق دائم بينهما.
وتعود العلاقات الموريتانية السعودية لما قبل نشأة الدولة الموريتانية الحديثة، حيث فتحت الدولة السعودية أبوابها أمام سفراء بلاد شنقيط ، الذين شدوا الرحال من حواضر الإشعاع الثقافي والعلمي، آمين البيت الحرام والمسجد النبوي الشريف.
وقد اكتشف علماء الحرمين الشريفين غزارة وتدفق المادة العلمية لدى الحجاج القادمين من صحراء شنقيط بالمغرب الأقصى، عبر رحلات طويلة وشاقة، فأنزلوهم المنازل اللائقة بهم ، وتحلق حولهم طلاب العلم في مكة المكرمة والمدينة المنورة، ومع الوقت بدأت هجرة (المجاورين) المعروفة لدى الموريتانيين حيث كان الواحد يودع أهله وعشيرته عندما ينوي الحج بنية أنه سيقطن في المدينة المنورة أو مكة المكرمة مجاورًا للبيت الحرام أو للحرم النبوي الشريف حتى يكتب الله له الموت في تلك البقاع الطاهرة.
ومع نشأة الدولة الموريتانية الحديثة خصوصًا بعد الاستقلال عن المستعمر الفرنسي سنة 1960 م ، كانت المملكة العربية السعودية من أوائل البلدان العربية والإسلامية التي ارتبطت بعلاقات أخوية وتنموية مع موريتانيا، وقدمت المملكة لموريتانيا الدعم المادي والمعنوي على مدى العقود الماضية بسخاء تام.
الزيارة الأولى في السبعينيات
وكانت زيارة الملك فيصل رحمه الله لموريتانيا عام 1972 نقطة تحول مهمة وانطلاقة فعلية قوية للعلاقات والتعاون الثنائي على شتى الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية، ويجسد شارع الملك فيصل في العاصمة نواكشوط اليوم الحضور القوي للمملكة في وجدان الدولة والشعب في موريتانيا.
الدعم السعودي
قدمت المملكة الدعم المادي بسخاء لمشروعات التنمية في موريتانيا من خلال هيئاتها الإنمائية المختلفة خصوصًا الصندوق السعودي للتنمية، كما أسهم - ولا يزال - البنك الإسلامي للتنمية في دعم الاقتصاد والتنمية في موريتانيا.
نقطة تحول في العلاقات
وشهدت العلاقات الموريتانية السعودية لحظة تحول مهمة في عهد الرئيس الموريتاني الحالي محمد ولد عبد العزيز الذي أوفد وزيرة خارجيته السابقة وزيرة التجارة حاليًا السيدة الناها بنت مكناس للمملكة في بداية سنة 2012، حيث كانت محل حفاوة وترحيب بالغين من وزير الخارجية السابق الأمير سعود الفيصل رحمه الله.
وعقدت بنت مكناس في الرياض جلسات عمل مكثفة مع وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل رحمه الله وتطرقت لجميع مجالات التعاون الثنائي بين البلدين الشقيقين والتي أعقب تلك الاجتماعات إعلان وزير الخارجية السعودي رحمه الله الأمير سعود الفيصل "التزام المملكة العربية السعودية بدعم موريتانيا في كل المحافل وخصوصًا في اجتماعات شركاء التنمية.
جامعة موريتانية جديدة بكلفة قدرها 30 مليون دولار
شهدت العلاقات الموريتانية السعودية تطورًا كبيرًا تجسد في وضع حجر الأساس لجامعة جديدة شمال العاصمة نواكشوط، يشمل مبنى كلية العلوم القانونية والاقتصادية، ويتسع لأكثر من 50 في المائة من طلبة جامعة نواكشوط وملحقات، بالإضافة إلى مسجد ومطعم جامعي وحي سكني خاص بالبنات، وتبلغ التكلفة النهائية لهذا المشروع ثلاثين مليون دولار أمريكي.
وتعد المملكة العربية السعودية أكبر ممول عربي للمشروعات التنموية في موريتانيا، وتتطور العلاقات السعودية الموريتانية باستمرار منذ أن رفعت المملكة في نهاية العام ٢٠٠٧ بأمر من الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز مستوى تمثيلها الدبلوماسي في موريتانيا لدرجة سفير، وذلك لأول مرة منذ حرب الخليج في العام١٩٩٠م.
ودفعت السعودية بثقلها لإنجاح منتدى للاستثمار في موريتانيا، وتم الإعلان عن استثمارات سعودية ضخمة في موريتانيا، كونها تشكل أرضًا بكرًا للفرص الاستثمارية، وقبل سنوات أعلن البنك الإسلامي للتنمية خلال اجتماعات شركاء موريتانيا في بروكسل عن تقديم تمويلات لموريتانيا تصل إلى 700 مليون دولار لدعم جهود التنمية، وقدم صندوق التنمية السعودي دعمه لحزمة مشروعات إنمائية بلغت 16 مشروعًا في مختلف مجالات التنمية في البلاد بإجمال مالي قدره 447 مليون دولار أمريكي.
ويسجل الصندوق السعودي للتنمية حضورًا قويًا وفاعلاً في المجال التنموي الموريتاني، حيث يقدر حجم تدخله111 مليار أوقية موزعة على ما يربو على 16مشروعًا تنمويًا في صيغة قروض مريحة لدعم مختلف مجالات التنمية في البلاد، خصوصًا البنى التحتية والكهرباء والمياه والمناجم والأمن، ومن بين المشروعات الإنمائية التي يمولها الصندوق السعودي للتنمية شبكة الطرق المعبدة ومنها الطريق الرابط بين "كيفة" و"النعمة" وكذلك طريق "تجكجة" و "إطار" بتكلفة مالية قدرت بـ 325 مليون ريال.
وفي مجال المناجم والتعدين قدم الصندوق السعودي للتنمية قرضًا بمبلغ 226 مليون ريال سعودي لتمويل استغلال مناجم "القلب"، كما قدم قرضًا لدعم قطاع الصناعة والمعادن بمبلغ 12 مليون ريال سعودي، وفي مجال المياه الحضرية أسهم الصندوق السعودي للتنمية في تزويد نواكشوط بمياه الشرب من خلال قرض بمبلغ 169 مليون ريال، كما مول مقاطع من شبكة توزيع المياه في أحياء نواكشوط من خلال قيمة القرض البالغ 95 مليون ريال سعودي.
وفي مجالي التعليم والطاقة قدم الصندوق السعودي قرضًا بقيمة 487 مليون ريال سعودي، مخصصًا لعملية ربط شبكة الكهرباء بين مدينتي نواكشوط ونواذيبو، إضافة إلى بناء جامعة جديدة تضم سكنًا للطالبات ومرافق عامة جامعية ضمن مشروع جامعة نواكشوط الجديدة.
وفي المجال الزراعي قدم الصندوق السعودي للتنمية لموريتانيا قرضًا ماليًا بقيمة 127 مليون ريال سعودي أي 38 مليون دولار أمريكي لاستصلاح بحيرة أركيز الزراعية بالجنوب الموريتاني.
ويهدف تمويل مشروع "أركيز" الزراعي إلى استصلاح3500 هكتار من الأراضي الزراعية في الحوض الشرقي من سهل "أركيز" واستصلاح 2200 هكتار وإعادة تأهيل 1000هكتار من الحوض الغربي للسهل.
ويُسهم هذا المشروع في الحد من الفقر عن طريق رفع الطاقة الإنتاجية الزراعية بصفة مستدامة، مما يُساعد على توفير آلاف فرص العمل في المنطقة وبالتالي زيادة دخل المزارعين ورفع كفاءة استغلال المنشآت والأراضي الزراعية وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين، ويبلغ إجمالي القروض التي قدمها الصندوق لموريتانيا أكثر من 447 مليون دولار أمريكي.