مثل عام 2018 تحولاً تاريخياً في المملكة، بإنشاء الهيئة السعودية للفضاء؛ والتي تهدف لتنظيم كل ما له صلة بقطاع الفضاء، وتشجيع الأنشطة البحثية والصناعية المتصلة بالفضاء، وتنمية الكوادر الوطنية المتخصصة في المجال، وذلك في مسعى سعودي طموح نحو سبر أغوار الفضاء، واكتشاف مكنوناته.
ولم يكن عام 2018 هو بداية السعودية الحقيقية مع الفضاء على وجه الدقة، فقبل ذلك التاريخ بنحو 33 عاماً، صعد الأمير سلطان بن سلمان على متن المكوك الفضائي الأمريكي "ديسكفري"؛ ليجوب الفضاء في رحلة تاريخية بوصفه أول رائد فضاء عربي مسلم.
بعد نحو 5 سنوات من إنشاء هيئة الفضاء، و38 عاماً من رحلة الأمير سلطان التاريخية، ينطلق السعوديون مجدداً نحو آفاق الفضاء الرحبة؛ وذلك بانطلاق المهمة العلمية للمملكة إلى محطة الفضاء الدولية، وعلى متنها أول رائدة فضاء سعودية وعربية مسلمة ريانة برناوي، وعلي القرني، الذي يُعد أيضاً أول رائد فضاء سعودي يصل إلى محطة الفضاء الدولية في الرحلة المزمع انطلاقها شهر مايو المقبل.
وتأتي الرحلة الطموحة كجزء من برنامج المملكة لرواد الفضاء، الذي أطلقته الهيئة العامة للفضاء، ويهدف لتأهيل كوادر سعودية متمرسة؛ لخوض رحلات فضائية طويلة وقصيرة المدى، والمشاركة في التجارب العلمية، والأبحاث الدولية، والمهام المستقبلية المتعلقة بالفضاء، والاستفادة من الفرص الواعدة التي يقدمها قطاع الفضاء وصناعاته عالمياً، والإسهام في الأبحاث التي تصبّ في صالح خدمة البشرية في عدد من المجالات ذات الأولية مثل الصحة والاستدامة وتكنولوجيا الفضاء.
وتحظى تلك الرحلة الفضائية التاريخية بدعم واسع من القيادة السعودية، ما عكسه استقبال سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان، أمس الأحد، لرواد الفضاء السعوديين الذين سينطلقوا من خلال هذه الرحلة إلى الفضاء؛ لإجراء التجارب العلمية، وحرص سموه على مكافأة أصحاب الموهبة من المواطنين والمواطنات، وتمكينهم في جميع المجالات؛ لخلق نماذج سعودية خالصة منافسة عالمياً.
ويحظى القطاع الفضائي ككل بعناية ورعاية ولي العهد، واهتمام الدولة السعودية، فقبل نحو عام وقعت المملكة اتفاقية "أرتميس" مع وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا"، للانضمام للتحالف الدولي في مجال الاستكشاف المدني واستخدام القمر والمريخ والمذنبات والكويكبات للأغراض السلمية، التي تتضمن أيضاً الانضمام إلى التحالف العالمي لعودة الإنسان مجدداً إلى القمر، وذلك على هامش زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لجدة.
كما نجحت الرياض خلال السنوات القليلة الماضية في تصميم وتصنيع ثلاثة عشر قمراً صناعياً بواسطة قدرات وطنية ذات كفاءة عالية، إضافة إلى إنشاء مركز تميز في أبحاث القمر والأجرام القريبة من الأرض مع "ناسا"، ومركز تميز أبحاث الفضاء والطيران المشترك مع جامعة ستانفورد الأمريكية الشهيرة؛ ما يعكس حجم الاهتمام بهذا القطاع المستقبلي.
ويستمد الطموح الفضائي السعودي زخمه من رؤية 2030 ومستهدفاتها، حيث يولي الأمير محمد بن سلمان أولوية قصوى للفضاء بوصفه اقتصاد المُستقبل، إضافة إلى دوره الكبير في تحقيق مُستهدفات الرؤية، في القطاعات الواعدة وتقنيات المُستقبل والفضاء لجعل المملكة وجهة عالمية في كافة المجالات.
ويُعد المجال الفضائي أحد أبرز المجالات التي تضمنتها الرؤية، من خلال تدشين برنامج فضائي سعودي، تحددت أهدافه الإستراتيجية في:
1- توطين صناعة الفضاء ومواكبة رؤية 2030.
2- تلبية الاحتياج المحلي لمختلف الأغراض.
3- تطوير وتصنيع أحدث الأنظمة لمراقبة الأرض.
4- تعزيز خدمات المعلومات الجغرافية.
5- إشراك القطاع التجاري المحلي.
6- تشجيع تعزيز التعاون الدولي في استكشاف الفضاء.
7- المساهمة في تعزيز سلامة وأمن الفضاء، وتنفيذ معاهدات الفضاء وقانون الفضاء الدولي عبر برنامج علوم واستكشاف الفضاء وبرنامج استكشاف القمر، وبرنامج الاتصالات الفضائية ونقل البيانات، وبرنامج تكنولوجيا الاستشعار عن بُعد.
من المنتظر أن تنطلق الرحلة في شهر مايو القادم، وسيجري رواد الفضاء 11 تجربة علمية رائدة في الجاذبية الصغرى، وثلاث تجارب توعوية تعليمية يشارك فيها 12 ألف طالب في 42 موقعاً بالمملكة عبر الأقمار الاصطناعية.
وتستهدف التجارب السعودية القيام بالأبحاث البشرية وعلوم الخلايا، وعمل الأمطار الصناعية في الجاذبية الصغرى، لتعزيز فهم باحثي تكنولوجيا الاستمطار، مما سيسهم في زيادة معدلات الأمطار في العديد من الدول.
كما ستجرى أيضاً ست تجارب لشركة سديم للبحث والتطوير لمعرفة مدى التكيف البشري في رحلات الفضاء، وفهم تأثيرات التواجد في الفضاء على صحة الإنسان، وتحديد ما إذا كانت رحلات الفضاء آمنة على الدماغ.
إضافة إلى ذلك، سيجرى اختبار وظائف الأعضاء والأجهزة الحيوية للإنسان في الجاذبية الصغرى، مثل قياس تدفق الدم إلى الدماغ، وتقييم الضغط داخل الجمجمة، والنشاط الكهربائي للدماغ، ومراقبة التغيرات في العصب البصري، وأخذ عينات الدم والعينات البيولوجية لفحص المؤشرات الحيوية المرتبطة برحلات الفضاء، ورسم خريطة التغيرات في الطول والبنية والتخلق الوراثي للجينات.
وبحسب المعلومات، فستجرى كذلك تجارب علوم الخلية للتحقيق في الاستجابة الالتهابية للخلايا المناعية البشرية في الجاذبية الصغرى، ودراسة التغيرات في عمر الحمض الريبونووي المراسل خلال عملية الالتهاب، وباستخدام نموذج خلايا مناعية لمحاكاة استجابة الالتهاب للعلاج الدوائي، حيث سيأخذ طاقم المهمة عينات من الحمض الريبونووي لتحليلها على الأرض، للمساهمة في فهم أفضل لصحة الإنسان خلال وجوده في الفضاء.