أكد الدكتور حمزة بن فهم السلمي، أستاذ القانون الدولي المشارك، رئيس قسم القانون العام ووكيل الكلية للتطوير والتنمية المستدامة سابقًا، أن الخطاب الملكي السنوي في افتتاح مجلس الشورى يؤكد أحد أهم مناهج القيادة في المملكة العربية السعودية، وهو الشورى الذي يستمد مشروعيته من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة لتحقيق تطلعات ولاة الأمر -حفظهم الله- ومصالح البلاد وتقديم كل ما من شأنه خدمة الوطن والمواطنين وتحقيق التنمية الشاملة في جميع المجالات، وليرسم السياسة الداخلية والخارجية للدولة، وليحدد الملامح الأساسية للجوانب الاقتصادية والاجتماعية والتنموية.
وأضاف "السلمي": بمناسبة افتتاح أعمال السنة الأولى من الدورة التاسعة لمجلس الشورى ألقى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز-حفظهما الله- الخطاب الملكي السنوي؛ وهو ما مثل نهجًا راسخًا يعكس دعم القيادة الرشيدة للمجلس وإيمانها بدوره التشريعي والرقابي في تنفيذ خطط واستراتيجيات البناء والتنمية وتطوير البنية التشريعية للجهاز الحكومي والإداري للدولة، بما يواكب متطلبات رؤية السعودية 2030، ويلبي تطلعاتها المستقبلية ومستهدفاتها الوطنية، بالإضافة إلى دوره البرلماني والدبلوماسي الفاعل في توطيد ودعم العلاقات البرلمانية وتعزيزها مع برلمانات دول العالم المختلفة، وتوضيح مواقف المملكة، وتعزيز مكانتها وثقلها الدولي؛ مما يدعم سياستها الخارجية ويحقق أهدافها.
وأكمل أن خطاب ولي العهد تضمن سياسات واستراتيجيات داخلية وخارجية رسم خلالها ملامح الازدهار لمستقبل المملكة التنموي وإمكاناتها ومكانتها، من خلال مضامينه المهمة ورسائله السامية ودلالاته العميقة.
وأضاف "السلمي": جاء الخطاب الملكي شاملًا وافيًا وتميز في الوقت نفسه بالتفاؤل والطموح والوضوح والحزم؛ حيث استعرض النجاحات والإنجازات العظيمة التي حققتها المملكة على جميع الأصعدة، وبين سياسة السعودية الداخلية والخارجية، ووجّه عدة رسائل فيما يتعلق بمواقف الدولة تجاه أهم القضايا الإقليمية والدولية في المنطقة والعالم.
وتابع: تمثلت المضامين والمواقف والرسائل السامية التي اشتمل عليها الخطاب فيما يلي:
أكد سمو الأمير محمد بن سلمان في بداية خطابه أن المواطن السعودي في قلب اهتمامات الدولة وأحد أهم أولوياتها؛ بوصفه عماد رؤية السعودية 2030 وغايتها حيث بنيت منذ انطلاقها في 25 أبريل 2016، على ثلاثة محاور وهي: (المجتمع الحيوي، والاقتصاد المزدهر، والوطن الطموح)، ويمثل المواطن ركيزتها الأساسية وهدفها الأسمى. ومن هذا المنطلق فقد رسمت الرؤية منهجًا واعدًا يلامس حياة المواطنين بنظرة استشرافية لتوفير كافة أساليب جودة الحياة من برامج ومبادرات تتسم بالحوكمة، والإجراءات التي تضمن العدالة الاجتماعية والرفاهية والعناية باحتياجات المواطنين وتحقيق مستهدفات التنمية المستدامة وبناء وطن مزدهر ومتطور، ينعم فيه كل من يعيش على أرضه بالرفاهية والرخاء والاستقرار.
ولفت إلى أن هذه المستهدفات تحققت نسبة كبيرة منها على أرض الواقع خلال سنوات قليلة وفي تقدم كبير كما يبرز من جملة المؤشرات المهمة التي استعرضها سمو ولي العهد وتمثلت أساسًا في ارتفاع نسبة تملك المواطنين للمساكن من (47%) عام 2016م إلى ما يزيد على (63%)، وفي انخفاض معدل البطالة بين المواطنين والمواطنات إلى أدنى مستوى لها تاريخيًّا في الربع الأول من عام 2024م؛ حيث بلغ (7.6%)، بعد أن كانت نسبته (12.8%) في عام 2018م، ليقترب بذلك من تحقيق مستهدف رؤية السعودية 2030 والبالغ (7.0%).
وقال "السلمي": وفي نفس السياق عبّر ولي العهد -حفظه الله- عن فخره بمنجزات المواطنين والمواطنات في مجالات الابتكار والعلوم، وشدد على ما توليه القيادة من اهتمام بالغ بالتعليم ليكون نوعيًّا، يعزز المعرفة والابتكار، ويسهم في بناء أجيال تتمتع بالتميز العلمي والمهارات العالية، وتحظى بكل الفرص لنيل تعليم رفيع، بما يتماشى مع متطلبات التنافس العالمي وتعزيز مكانة المملكة على الساحة الدولية، وتحقيق رؤيتها الطموحة نحو الريادة في مختلف الميادين؛ وهو ما يبرز اهتمام القيادة بالوطن والمواطن، ويعكس امتدادًا ثابتًا والتزامًا راسخًا لإيمان ولي العهد بدور المواطن وحرصه على تحقيق أعلى درجات جودة الحياة لعموم المواطنين، واستمرار التطور والإصلاح والتنوع والتحديث الشامل للمجتمع السعودي مع المحافظة على هويتنا وقيمنا التي هي امتداد لمسيرة الآباء والأجداد.
وأضاف: جاء الخطاب الملكي، في وقت تشهد فيه المملكة نهضةً تنموية شاملة ومرحلة استثنائية من مشاريع التحديث والتطوير والتقدم في كل المجالات على المستويين الوطني والدولي؛ ليشيد بما تحقق من مستهدفات الرؤية الطموحة التي يقودها سمو ولي العهد. وفي هذا الإطار استعرض سمو الأمير المشاريع الكبرى والمبادرات النوعية والنجاحات والإنجازات العظيمة التي حققتها المملكة على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والتنموية والأمنية والاجتماعية والثقافية والتطلعات التي تسعى إليها؛ للمحافظة على أمنها واستقرارها وتطورها في كل الميادين، والتي تجسد حرص القيادة الرشيدة على ترسيخ مكانة المملكة لتكون ليس فقط عنصرًا أساسيًّا في الاقتصاد العالمي؛ بل قوة استثمارية في قلب الاقتصاد العالمي؛ وهو ما ساهم في تطوير الاقتصاد السعودي والارتقاء بمستوى الخدمات وجودة الحياة، والتقدم في التصنيفات والمؤشرات التنافسية العالمية؛ إذ سجلت المملكة أعلى إسهام لها في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بـ(50%) في العام الماضي؛ بما يجعلها أكبر الاقتصادات في مجموعة العشرين نموًّا وما صاحبها من الاستثمارات المستدامة في الموارد غير النفطية والسياحية التي سبقت فيها المنجزات التاريخ المستهدف؛ وذلك بالوصول إلى مائة وتسعة ملايين سائح خلال عام 2023م في تجاوز للمستهدف الذي حددته استراتيجية السياحة الوطنية لعام 2019م بمائة مليون سائح في 2030م. كما حققت المملكة مكانة متقدمة في مجال الطاقة المتجددة والمرتبة السادسة عشرة بين الدول الأكثر تنافسية؛ مما ساهم في ترسيخ مكانتها العالمية وتعزيز دورها الريادي والمحوري والثقة الدولية التي تحظى بها، والتي جعلت منها وجهةً مثاليةً لاستضافة أبرز المحافل الدولية وتنظيم أهم الأحداث العالمية لعل أهمها معرض إكسبو الدولي في عام 2030 وكأس العالم عام 2034م.
وأوضح أنه من جهة أخرى وفيما يتعلق بالسياسة الداخلية والخارجية للمملكة واستراتيجياتها في إدارة الملفات المهمة؛ تَضَمن الخطاب الملكي رسائل واضحة وحاسمة وحازمة في الوقت نفسه، توضح -بشكل مباشر- منطلقات المملكة ومواقفها وثوابتها الراسخة تجاه أهم القضايا الإقليمية والدولية في المنطقة والعالم؛ لا سيما القضية الفلسطينية؛ حيث جدد سمو ولي العهد "رفض المملكة وإدانتها الشديدة لجرائم سلطة الاحتلال الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني"، كما أكد مبادئ المملكة تجاه هذه القضية المصيرية الرافضة لأي اتفاق سلام دون تحقيق العدالة التامة للشعب الفلسطيني ولأي علاقات دبلوماسية مع إسرائيل دون قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
وفي نفس السياق شدد ولي العهد على أن تحقيق وتعزيز الأمن والسلم الإقليمي والدولي هدف استراتيجي للمملكة؛ حيث تعمل جاهدة على التوصل إلى حلول سياسية للأزمات في اليمن والسودان وليبيا وغيرها، وتدعم كذلك الحلول في الأزمات الدولية مثل الأزمة الروسية الأوكرانية، وأن وخيارها الأساسي هو التوصل للحلول السلمية وتعزيز جسور التواصل والتعاون والحوار مع جميع الدول نحو المزيد من الاستقرار والازدهار والتقدم لكل الشعوب وفقًا للمواثيق والمعاهدات الـدوليـة والإقليميـة والقانون الدولي؛ ذلك أن استتباب السلم والأمن الدوليين لا يتحقق باللجوء إلى القوة والصراعات، بل بالتعاون ودعم الحلول السلمية التفاوضية ورفض التدخلات الخارجية.
ويعكس الخطاب في هذا الجانب -وفق السلمي- رؤية وحنكة قائد عظيم وحكيم للأمتين العربية والإسلامية وللعالم، منشغل بأوضاعها وبالبحث عن حلول لاحتواء ما تواجهه من أزمات وتحقيق الاستقرار في جميع دول المنطقة والعالم.
وعلى هذا الأساس فإن المضامين والرسائل التي جاءت في خطاب سمو الأمير تشكل خارطة طريق، تحث جهود مجلس الشورى وأعضاءه على مزيد من العطاء؛ لا سيما في المجالات التي تندرج ضمن صلاحياته واختصاصاته وصولًا إلى القرارات الرشيدة التي تسهم في الارتقاء بأداء الأجهزة الحكومية ومؤسساتها، وتطوير الأنظمة وتحديثها. كما يعد الخطاب الملكي منهج عمل أيضًا للأجهزة الحكومية في الدولة، بما يحتويه من مضامين حكيمة يسترشد بها حول توجهات الدولة في الداخل والخارج ورؤيتها في الحاضر والمستقبل؛ فضلًا عما تضمنه من بشائر خير وطمأنينة محفزة، وأبرزه من اهتمام قيادة الدولة وسعيها الدؤوب لدعم ولتعزيز جهود التنمية الشاملة والمستدامة التي تشهدها المملكة منذ إطلاق رؤية المملكة 2030.
وعلى المستوى الخارجي، يبرز الخطاب المكانة والدور الإنساني والسياسي والاقتصادي الريادي للمملكة على الصعيدين الإقليمي والدولي، ويرسم خارطة طريق للتعامل مع كل القضايا على الساحتين الإقليمية والدولية. كما يقدم رؤيةً واضحةً للمشكلات التي يواجهها المجتمع الدولي والتحديات التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط، تحمل رسالة سامية إلى العالم تدعو إلى التعايش والسلام والتعاون وتعكس حرص قادة مملكة الإنسانية -على مر تاريخها المشرف- على زرع الخير، والوقوف الثابت لا فقط إلى جانب الشعوب العربية والإسلامية؛ بل إلى جانب شعوب العالم أجمع في المحن والابتلاءات ودعمها الدائم والثابت للقضايا العادلة؛ حيث تستأثر المملكة بموقف الريادة، وتأخذ زمام المبادرة في الدعم السياسي والاقتصادي والمعنوي والإغاثي.
وفي الختام سأل الله تعالى أن يحفظ المملكة العربية السعودية وقيادتها الرشيدة، وأن يديم عليها نعمة الأمن والاستقرار والعز والازدهار.