وصفت الأمثال القرآنية بيان حال المشركين مع عبادة الأصنام والأوثان وتفاهة تسويغ عبادتهم لها، وأنهم في ضلال مُبين، حيث تعدّدت عباداتهم على أكثر من آلهة؛ في دلالة كبيرة على الجهل الذي يُسيّطر على عقولهم، رغم تعدّد الأساليب الإلهية في التحذير منه وبيان خطره وحكمه وعقوبته في الآخرة، وضرب الأمثلة القرآنية التي تدعوهم للتفكّر ومراجعة النفس قبل يوم الحساب.
"سبق" وعبر برنامجها الرمضاني "هدايات قرآنية"، تستضيف طوال الشهر الكريم، الباحث الشرعي في الدراسات القرآنية "محمد الذكري"، وتستنبط منه بعضاً من أسرار ومعجزات القرآن الكريم، وتُقدّمها للقارئ عبر سلسلة ومضات يومية لمختارات من بلاغات الإعجاز الإلهي في الأمثال القرآنية.
بدأ ضيفُ الحلقة "الذكري" حديثه، بقوله تعالى: "ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لَّا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِراً وَجَهْراً ۖ هَلْ يَسْتَوُونَ ۚ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ*وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ ۖ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ۙ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ".
وأضاف: جاءت الآية وما بعدها في سياق بيان ضلال المشركين وعباداتهم "وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلَا يَسْتَطِيعُونَ"، فجاء هذا المثل لبيان استحقاق الله للعبادة دون غيره، قال السعدي - رحمه الله - في توضيح هذا المثل، "ضرب تعالى مثلين له ولمن يعبد من دونه، أحدهما عبد مملوك أي: رقيق لا يملك نفسه ولا يملك من المال والدنيا شيئا، والثاني حرٌّ غنيٌّ قد رزقه الله منه رزقا حسنا من جميع أصناف المال وهو كريم محب للإحسان، فهو ينفق منه سراً وجهراً، هل يستوي هذا وذاك؟! لا يستويان مع أنهما مخلوقان، غير محال استواؤهما. فإذا كانا لا يستويان، فكيف يستوي المخلوق العبد الذي ليس له ملك ولا قدرة ولا استطاعة، بل هو فقير من جميع الوجوه بالرب الخالق المالك لجميع الممالك القادر على كل شيء؟"، وكذلك الذي هو عاجز عن الكلام وبيان مراده فهو عاجز عن كل شيء له ولغيره، هل مثله كمثل الذي يقوم بالخير ويدعو إليه.
وعن الفوائد منها، قال الباحث الشرعي في الدراسات القرآنية: من دلائل إثبات أن لا معبود حق إلا الله هو، بيان كماله في تدبيره وملكه لخلقه وأنه "الصمد"، و"قيّوم السماوات والأرضين"، "ومن يدبر الأمر"، بخلاف الأصنام والأوثان فهي عاجزة بذاتها فكيف تنفع غيرها، قال ابن القيم رحمه الله - تعالى - عن المثل الأول-: "فالمثل ضربه اللَّه سبحانه لنفسه وللأوثان، فاللَّه سبحانه هو المالك لكل شيء ينفق كيف يشاء على عبيده، سراً وجهراً، وليلاً ونهاراً، يمينه ملأى لا يغيظها نفقة، سحَّاء الليل والنهار، والأوثان مملوكة عاجزة لا تقدر على شيء، فكيف تجعلونها شركاء لي، وتعبدونها من دوني، مع هذا التفاوت العظيم والفرق المبين؟".
وأتبع في حديثه عن الفوائد القرآنية: من الأدلة العقلية على تهافت الشرك وأهله هو أنهم لم يثبتوا على عبادة إله واحد؟! بل معبوداتهم كثيرة ومتجددة حسب الهوى وتمكَّنَ الضلال فيهم!
وواصل "الذكري" بقوله: لله الحمد كله، والحمد: هو "وصف المحمود بالكمال محبة وتعظيماً" والله يحمد لأمرين: لكماله في أسمائه وصفاته وأفعاله. ولعظيم إفضاله وإنعامه. وأردف: لا تساوي بين سبيل المؤمنين الداعين إلى الصراط المستقيم وبين الضّالين المنحرفين على الهدى.
وختم الباحث الشرعي في الدراسات القرآنية، حديثه عبر "سبق"، بقوله: القرآن في طريق إثبات التوحيد لله والبراءة من الشرك سلك طرقاً من أعظمها: بيان كمال الله وعظمته وأنه المستحق للعبادة. وكذلك التركيز على تحريك العقول بمعرفة هوان الأصنام وسخافة اللجوء إليها وأن لا تنفع ولا تضر.