أصبحت قمم جبال الهدا والشفا، ومزارعها في وادي محرم، والطلحات، وأودية الأعمق البني، وبلاد طويرق والمخاضة، والمثناة ووج بالطائف، منذ رحلة الشتاء والصيف أول المصادر الرئيسية، والمدونة التاريخية للفاكهة وبستان يغذي مكة المكرمة وشعابها، ومنبعًا هامًا للورد الطائفي؛ والدهن الذي تدوم ذكرياته مدى الحياة، حتى أضحى أيقونة تراثية وتاريخًا عريقًا للزينة والتطيب في المملكة العربية السعودية والجزيرة العربية وعلى المستوى العالمي.
وعُرف عن الطائف منذ زمن طويل أنه البيئة الأنسب وأصل ملائم لشجيرة الورد الطائفي، الذي اهتمت به الأجيال وتوارثت منذ القدم العناية به، في قطفه وتقطيره واستخراج الدهن والماء منه، مستمتعين بتاريخ عبقه في أجواء البرودة المعتدلة والطبيعة الجبلية الخلابة على قمة جبل غزوان الشهير، حتى أصبح مصدر استخدام لغسيل الكعبة المشرفة في كل عام، اعتادت عليه حكومة خادم الحرمين الشريفين في ظل اهتمامها المتزايد بحجاج بيت الله وزوار مسجد رسوله، وللعديد من شرائح المجتمع وعلى رأسهم الملوك، وأشهر العائلات في الخليج.
ولم يكن ورد الطائف منذ نشأته غائبًا عن مجريات التاريخ لما له من عراقة، وحضارة مكان، وارتبط بعلاقة وثيقة بين أبنائه، ليسهم بذلك في إضفاء الرونق والبهاء، لما تحمل أزهاره من ألفة ولغة في معاني الطبيعة الهامسة والجاذبة، وأصبح بصمة وعنوانًا رئيسيًا للرهافة على مساحات الشعور، وحكاية دون في سماء المخيلة وفضاء الشعر، وعكس علاقه وثيقة بأهل وأرض الطائف منذ الأزل.
وأثناء حضور الورد الطائفي ونشأته في أعالي قمم الجبال لم تتجاوز شجيراته ومزارعه إلا القليل، وخلال مجريات تطوره عبر القرون الماضية أصبح علامة فارقة، إذ يبلغ حجم استثماراته في السوق السعودية أكثر من (64) مليون ريال، وتجني وتقطف مزارعه في جبال السروات نحو (550) مليون وردة سنويًّا، وتنتشر مزارعه بأكثر من (910) مزارع للورد الطائفي في العديد من الأماكن بمحافظة الطائف، ويعمل نحو (70) مصنعًا ومعملًا على استخراج وتصنيع أكثر من (80) منتجًا من مشتقاته، التي تجد رواجًا واسعًا في الأسواق.
وتحدث الخبير الزراعي والمهتم في ورد الطائف خالد آل كمال الذي توارث مهنة تطوير منتجات الورد الطائفي وزراعته وتصنيع منتجاته جيلاً بعد آخر قائلاً: "إنه من الجيل السابع الذي لازمت أسرته الاهتمام في شجيرة الورد الطائفي"، فمنذ تاريخ قديم يحمل الورد الطائفي خطوات أساسية في تصنيعه وتقطيره، فهو يعتمد على آلية ثابتة ودقيقة، يكون في أولها الورد الذي يتم تسلمه من المزارعين، حيث يوضع في قدور نحاسية مختارة لبدء عملية التقطير، لما تسببه هذه القدور النحاسية بالتحديد من ارتفاع جليّ لدرجات الحرارة أكثر من غيرها من المعادن، وهو ما يوفر الوقت والجهد ويحقق مكسبًا أكثر، فمعظم ما يستخلص منه من مشتقات بسبب الحرارة العالية التي توفرها قدور النحاس.
وأوضح أن الورد يبقى في القدور النحاسية من 10 ساعات إلى 12 ساعة، بعد أن تُغطى بإحكام مع وجود قبة في الأعلى، لتنسيم البخار الذي يمر عبر أنابيب تكثف داخل برادات من السيراميك تحتوي على ماء بارد، وعند مرور بخار الورد يتكثف لينزل على شكل قطرات على مدار 12 ساعة، مشيرًا إلى أن في هذه الخطوات يستخرج منها ماء الورد المقطر من مرحلة الغلي الأولى وأصبح مركزاً بدهنه، يضاف إلى قدر ثاني به مجموعة جديدة، لتبدأ العملية السابقة نفسها من جديد، من تسخين وغليان ثم تكثيف حتى ينتج ماءً أكثر تركيزاً، يطلق عليه "ماء العروس" ومن هنا تتكون ثلاث منتجات من عملية غلي الورد، الأول ماء ورد عادي غير مركز، والثاني ماء ورد مركز، أي ماء العروس، والثالث دهن الورد الأغلى عالميًا.
وأضاف الخبير الزراعي في ورد الطائف آل كمال أن موسم الورد الطائفي يبدأ في الإزهار لمدة تتراوح من 40 إلى 50 يوماً، فتكون شُجيرة الورد محملة بالأقماع، وفي كل يوم تتفتح وتزهر بكميات محدودة، و يُجنى الورد المتفتح يومياً في ساعات الصباح الباكر؛ إلى أن يبلغ أعلى مستوى له، ثم يبدأ بالتناقص تدريجياً إلى أن ينقطع، حيث لا تُزهر هذه الوردة إلا مرة واحدة في كل عام، وهذه حالة ينفرد بها الورد الطائفي.