ليس كل تراجع تراجعًا في أصله؛ ألا نرى بعض الأشخاص عندما يريدون أن يقفزوا من على حاجز، أو فوق حفرة، أو غيرهما.. تأمَّلوا وهم يتراجعون للخلف؟! تراجُع لتكون وثبة نحو أُفق رحب.. فليس كل تراجع تراجعًا.
وفي سياق آخر، هي دعوة للتراجع، وقد ذكرتها في جزء من تغريدة (ثمة ذنوب منسية، نقترفها ولا نبالي). فهي دعوة صادقة للتراجع؛ لنتراجع عن الخطأ، لنتراجع عن التقصير، عن التسويف، عن الذنوب، عن المعاصي، عن الاهتمامات الدنيئة، عن العنصرية والفساد، عن كل إثم وخطأ.. لنتراجع وننطلق في رحب الإيجابية والأهداف السامية إلى رؤى راقية.
لنتراجع عن وحل التفرقة، عن مستنقع البُعد. نعم، ليس كل تراجع تراجعًا، بل يُعد إقدامًا للأرقى.
ليكن لدينا تراجع للخلف خطوات؛ لننطلق في سباقات التميز، ومنصات الإبداع، وبصمات الخير.
يُقال: كل شيء يصبح جميلاً عندما نراه جميلاً.. نحن أسياد أفكارنا.. فأرى جمالاً في عودتنا للخلف بعدها لننطلق بوثبات متلألئة فخرًا وإثباتًا للتميز.
كنت أشاهد في موقع اليوتيوب لقطة البطل الأمريكي "مايك باويل" صاحب الرقم القياسي العالمي في الوثب الطويل. وقد سُجلت قفزته 8.95م بطوكيو في اليابان في 30 أغسطس 1991م. لكم أن تتخيلوا كيف كان هذا البطل يعود للوراء خطوات وخطوات حتى جاءت وثبته التاريخية، التي ما زالت مسجَّلة باسمه إلى يومنا هذا! فليس كل تراجع تراجعًا في ذاته، بل قد يكون بعد هذا التراجع وثبة نحو التميز.
تأمل بعض الأطفال ببراءتهم عندما يرون الخطر أو الخطأ، حتمًا يتراجعون خطوات للخلف خوفًا من الخطر أو اقتراف الخطأ. هذه الفطرة التي نريدها، هي التراجع للخلف.
ولأني مؤمن بأن ليس كل تراجع تراجعًا فقد يكون الانسحاب للخلف أحيانًا هو النصر بعينه عند التأكد أن الساحة ليست ساحتك، والمعركة ليست معركتك.. فالخروج منها والتراجع أولى؛ لذا فليس كل تراجع تراجعًا. وكما يقال: مع الغروب يتجدد الأمل. وما غربت إلا لتشرق.
أهمس: أدعوكم للتراجع عن التقصير في حق من أُمرنا بالمسارعة لنيل ثوابه، وأُمرنا بالفرار ليس منه، بل الفرار إليه - سبحانه وتعالى -. هي أيام قلائل، نعيشها الآن، فلنستغلها في التراجع عن كل بغيض وإثم. وبعدها يتلوها وثبة نحو كل خير، والأهم أن نستمر عليها.
فلا تتردد، وانطلق؛ فرب خبيئة بينك وبين الله تكون سببًا لنيل مغفرته. وتذكر دائمًا "ليس كل تراجع تراجعًا ".