لم تَغفل الأمثال القرآنية حال أولئك الذين يُقدّمون الصدقات والعطاء ويُتبعونه بالمنّ والأذى، بل حذّر الله من أفعالهم في كتابه الكريم، وعن كونها تلحق الأذى الحسي والمعنوي بالفقير، وتتنافى مع سلامة القلب واستفادته من هذا البذل والخير، وألّا يكون عمله "هباءً منثورًا"!.
وأوضح الباحث الشرعي في الدراسات القرآنية "محمد الذكري" لـ"سبق" عبر برنامجها الرمضاني "هدايات قرآنية"؛ أن الله حثّ عباده على النفقة ورغّبهم بأجرها وفضلها، ضرب لهم مِثالين لحالين مختلفتين؛ حال من أتبع صدقته بالمنّ والأذى، وحال من كان سلّم قصده لله رغبةً برضاه وفضله.
وأضاف: قال، تعالى، مُحذرًا من المنّ والأذى بعد العطاء: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ۖ لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ"، ويلفت انتباهك هنا اهتمام القرآن بشأن قبول العمل وسلامته حتى بعد انتهائه، وظهر هذا في ابتداء الخطاب في الآية، فقد بُدأت بالنداء والتنبيه: "يا أيها"، وتوجيهه للمؤمنين: "الذين ءامنوا"، ليشحذ همته للامتثال، وأن الابتعاد عن المنّ والأذى من صفات عباد الله المؤمنين، ثم ضرب مثالًا من يتّصف بهذا الخُلق المشين -المن والأذى- فقال: "فمثله كمثل صفوان" أي حجر أملس، "عليه تُراب فأصابه وابل" أي مطر غزيز، "فتركه صلدًا" أي لا تراب عليه، "لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين".
وتابع "الذكري" قائلًا: يظهر في المثل السابق أن العمل الذي لا يثبت فيه الإخلاص يضمحلّ ويزول سريعًا! كما يجب التنبيه على سلامة الأعمال أثناء فعلها وبعده؛ لأنها رأس حياة المسلم ونجاته يوم لقاء الله "ليبلوكم أيكم أحسن عملًا".
واستعراض "الذكري" بعضًا من وقفات المثل القرآني، قائلًا: إنّ المنّ والأذى يبطل الصدقة، وفيه التحذير من إبطال العمل "ولا تبطلوا أعمالكم". ودعا إلى مراعاة دين الإسلام للمشاعر، فحذّر المُتصدق من أن يُلحق الأذى الحسي والمعنوي بالفقير بسبب بذله له وصدقته عليه. وأكّد: حاجة الأمة المسلمة إلى انتفاع أفرادها بمالها وجريانه بينهم؛ ففتح الله باب البذل والعطاء ورغب فيه.
وختم الباحث الشرعي في الدراسات الإسلامية، حديثه عبر "سبق": نُلخّص هذه الفوائد بضرورة التركيز على قضية سلامة القلب وعمله لله من كل الوجوه، وأن الإخلاص أساس متين في قبول الأعمال، ولا يجتمع حظ نفس وإخلاص! فمن أراد أن يقدم على الله سالمًا ناجيًا فليحقق الإخلاص اعتقادًا وقولًا وعملًا، ومن لم يخلص فلا يتعب نفسه "وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورًا".
وأضاف "الذكري" في خاتمته: الصدقة برهان صدق العبد؛ ففي الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم: "والصدقة برهان"؛ إذ هي دليل ساطع على صدق المتصدق وصفاء قصده عبودية لله وإيمانه بما عند الله ويقينه بالعوض والقبول، وهي برهان له كذلك يوم لقاء الله نجاة وثوابًا.