الأقارب عمق وقوة للإنسان، ومنبع لسعادته وراحته؛ فالإنسان بلا أقارب كالشجرة بلا جذور، تقتلعها هبة هواء، وكالشجرة بلا أغصان وأوراق؛ فلا جمال ولا ظل.
ومما يزيد مجتمعنا بريقًا وبهاء وجمالاً وجود اللقاءات العائلية اليومية أو الأسبوعية أو الشهرية، ونحوها، التي تجمع الأقارب صلة ومودة وبرًّا، خلافًا للمجتمعات المتفككة والمتناحرة والمشتتة.
والأقارب أقران، والأقران غالبًا لا يرضخ بعضهم لبعض، ولا يتغافرون بينهم من الخطأ إلا قليلاً؛ لأن الخطأ من أحدهم على الآخر كبير، كوصف طرفة بن العبد أن الظلم من ذوي القربى أشد من وقع الحسام المهند.. من هنا يخترق لقاءات الأقارب عقارب تلدغ سمًّا مؤلمًا ومميتًا أحيانًا، من أهم أسبابه عشرة حالات:
أولها: اجترار مواقف ماضية من النزاع والشقاق فاتت وماتت.
فبعض النكديين يعيد في حديثه مع أقاربه مشاكل حصلت وانتهت في وقتها على ما كانت عليه، وإحياؤها إذكاء لنزاعات جديدة، تكون أشد فتكًا وأكثر شراسة.
ثانيها: "التشره" من "الشرهة"، وتعني شدة اللوم والعتب. وغالبًا تأتي من أسباب غير مبررة، ولمواقف تافهة أحيانًا.
ثالثها: السؤال والتقصي عن الأحوال الشخصية والخاصة.
فأسئلة بعضهم: كم وصل عمرك؟ كم تملك؟ لماذا اعتلَّت صحتك! كيف وظائف أولادك؟ ماذا فعلت بعد التقاعد؟ ما سبب غيابك المتكرر!..
رابعها: العناد.
هناك من يتأصل ويتجذر العناد في فكره وعقله، سواء بالحوار أو النقاش، حتى في الحديث الودي، تتجافى منه القلوب، وتصد عنه الوجوه، وتختفي منه وعنه الابتسامات، ويجف الود والمحبة تجاهه.
خامسها: الانتقاد.
فالبعض ما إن تقدَّم القهوة أو الشاي أو الطعام أو غيره إلا وينفلت لسانه نقدًا وتنقصًا وطعنًا، تقدَّم أو تأخَّر!! كَثُر أو قَلَّ، حتى تغشى من كلامه غمامة نكد وغمّ وتكدر خواطر؛ فيضيق المجلس والنفوس به.
سادسها: الغيرة.
عندما تغلب النفس صاحبها يضعف الإيمان بما وهب الله تعالى لأحدهم دون الآخر، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء؛ فتضطرم نار التعالي والتكبر؛ فينشأ الحسد في قلب الحاسد؛ فيبدأ بالاحتقار والازدراء والتقزيم و"تكسير المجاديف" كما يقولون.
سابعها: الحساسية المفرطة في تفسير الأقوال والأفعال.
فالبعض تغلبه الوسوسة بما يفسره مما يسمع ويرى، كأن يفسِّر كلمة عابرة أو جملة تحتمل أوجهًا عدة بسوء على نفسه أو غيره؛ الأمر الذي يؤدي إلى ضعف السيطرة على المشاعر والانفعال؛ ومن ثم ينفلت اللسان بالسب والطعن بجهالة.
ثامنها: دخول المصالح بين الأقارب.
من أشد الوقود إحراقًا للمحبة والمودة بين الأقارب المصالح إذا اخترقت العلاقات بينهم؛ فالنفوس غالبا يغلبها حب المال والمصلحة عمومًا.
تاسعها: تكرار المحاسبة.
فالبعض يحاسب قريبه ويكررها بصلافة وجلافة. لم تزُرْني! لم تُجب دعوتي! وتستجيب لفلان! تجتمعون بدوني! رحبت بفلان وسكت عني!.. وهكذا.
عاشرها: الاستئثار بالحديث والمكان.
فالقلة تستلم المجلس ثرثرة وزعيقًا بحديث عقيم سقيم؛ فيحلل المواقف، ويفسر الأقوال بجهل وسلبية، حتى يجتمع فيه وصف النمام، المغتاب، الفتان، الآمر الناهي!
ويزاحم على رأس المجلس متناسيًا فعل النبي - عليه الصلاة والسلام - عندما كان يجلس حيث انتهى به المجلس.
تلك اللدغات ليست إلا قليلاً في كثير من الفوائد من اجتماعات الأقارب، آتي عليها لاحقًا -بإذن الله-.