بخليط من مشاعر الفرح والفخر يعيش السعوديون هذه الأيام ذكرى اليوم الوطني الـ91 لتوحيد بلادهم على يد المغفور له -بإذن الله- الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود الذي قاد جيشًا من المخلصين من أبناء هذه البلاد، واستطاع أن يجمع شتاتها تحت راية التوحيد؛ ليعلن يوم الحادي والعشرين من جمادى الأولى عام 1351هـ قيام المملكة العربية السعودية، التي استطاعت بعد سنوات قلائل أن تبدأ رحلتها المباركة نحو التنمية والازدهار.
كانت الأجواء في الجزيرة العربية في ذلك الوقت تشير إلى تردي الأحوال المعيشية، وانعدام الأمن، وكان الجميع يتطلعون في انتظار مَن يستطيع تخليصهم من ذلك الواقع المؤلم، فانبرى الملك عبدالعزيز لهذا الدور التاريخي، ونادى بتوحيد الصفوف ولَمّ الشمل؛ فاجتمع حوله المخلصون الذين كانوا يريدون تخليص بلادهم مما تعانيه من فُرقة وتشرذم وتناحر، وعاهدوا قائدهم بعد أن عرفوا صدق نواياه ونبيل مقاصده على تحقيق ذلك الهدف السامي النبيل.
كانت الأحوال الاقتصادية في ذلك الوقت بالغة الصعوبة بسبب الطبيعة البيئية الصحراوية، وقلة مصادر الدخل، وانتشار الفوضى والحروب، وانعدام الأمن.. لكن بمجرد اكتمال ملحمة التوحيد بدأت مسيرة التنمية تنتظم في أرجائها كافة بعد استتباب الأمن الذي حرص الملك المؤسس على توفيره باعتباره أول مداخل التنمية، وأهم الشروط الواجب توافرها لإنشاء دولة حديثة؛ ليعيش وينعم أبناؤها بعد الشتات والخوف بالوحدة والأمن والرخاء. ومع أن الظروف كانت شديدة التعقيد، وبالغة القسوة، إلا أن عزيمة الرجال الصادقين المخلصين قهرت الصعاب، وحطمت الصخور، وجعلت من المستحيل واقعًا ملموسًا.
بعد رحيل الملك المؤسس تولى أبناؤه الأبرار مقاليد الحكم، وبذلوا جهودًا مخلصة ومضنية للسير على خطى والدهم، وطرقوا كل باب يؤدي إلى زيادة معدلات التنمية والازدهار حتى تحقق لهم ما أرادوا، فانتشرت مؤسسات الدولة في كل أرجاء السعودية، وتم إنشاء البنية التحتية الحديثة، وتم افتتاح المدارس ومؤسسات التعليم العالي في كل المناطق والمدن، وتطورت التجارة والصناعة ومناحي الحياة كافة.
في العهد الزاهر الذي نعيشه هذه الأيام تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان – حفظهما الله – ارتفعت معدلات التنمية بشكل ملحوظ على هدي رؤية السعودية 2030 التي نادت بتنويع مصادر الدخل، وعدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد، وتحديث المجتمع، وتطوير التعليم، وتحقيق النهضة الثقافية، حتى شملت جهود التطوير والتحسين المجالات كافة؛ فانتقلت السعودية إلى مكانة جديدة تستحقها بجدارة، وانضمت إلى مجموعة العشرين التي تضم كبرى دول العالم من حيث قوة الاقتصاد، وارتفاع معدلات الدخل.
هذه المناسبة الغالية العزيزة أصبحت محفورة في وجدان كل مواطن سعودي، ولاسيما بعد أن بدأت الدولة الوليدة بمجرد إعلانها في رحلة النماء والتطور، وقطعت أشواطًا بعيدة في زمن قياسي وجيز؛ فعمت النهضة أرجاء هذه البلاد كافة التي أعزها الله بالإسلام، وشرفها بأن تكون حاضنة الحرمين الشريفين ومهد رسالة دينه الحنيف، ومنطلق النور الذي عم الأرض جميعًا.
وتأتي ذكرى التوحيد هذا العام وبلادنا تسارع خطاها نحو التحديث، وتحقق في كل يوم إنجازًا فريدًا، حتى أصبحت واحة للأمن، وعنوانًا للتقدم، ورمزًا للحضارة والمدنية.. كل ذلك بفضل الله أولاً، ثم بفعل السياسات الحكيمة التي اتبعتها قيادتها الرشيدة؛ لتتحول إلى رقم يصعب على جميع دول العالم تجاوزه، ومقصدًا تُسارع إليه كبرى شركات العالم ومؤسساته المالية للاستثمار فيه. وما كان لذلك أن يتحقق في هذه الفترة القصيرة لولا السياسات الحكيمة الصائبة التي اتبعتها قيادتها.
هذه الإنجازات الضخمة تستحق منا أن نتولى حراستها، وأن نتحول إلى معاول للبناء، ترفد جهود القيادة الرشيدة، وتحقق أهدافها في مواصلة التنمية، ورفعة المواطن، وزيادة معدلات رفاهيته.. وأن يكون كلٌّ منا عينًا ساهرة، تحمي مكتسبات بلاده وتصونها، وتحرس حدودها، وترد عنها كيد الأعادي الذين لا يريدون لبلاد الحرمين أن تنهض وأن تواصل مسيرتها نحو مرافئ التطور والنماء.
التهنئة نسوقها في هذه المناسبة المباركة إلى مقام سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان – حفظهما الله –، وللأسرة المالكة الكريمة، والشعب السعودي النبيل، مجددين العهد والولاء والسمع والطاعة بأن نظل على العهد جنودًا لهذه الأرض المباركة. والدعوات لله رب العالمين أن يحفظ هذه الأرض التي اختارها منطلقًا لرسالة الإسلام، ومهبطًا لوحيه الكريم ورسالته الخالدة.