تبدو العلاقة التي تربط خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود بمدينة الرياض فريدة من نوعها، فهي ليست مجرد علاقة إنسان عاش في مدينة، ولا مسؤول تولى إدارة شؤونها، بل أعمق من ذلك بكثير، بعدما تجاوز عمر تلك العلاقة خمسة عقود.
وقاد الملك سلمان بن عبد العزيز، عندما كان حاكمًا للرياض، التحول الذي طرأ على المدينة، التي تعد اليوم أسرع مدن العالم نموًا، ووصل عدد سكانها إلى أكثر من ستة ملايين نسمة بحسب تصنيف قديم، وتحولت الرياض خلال أكثر من نصف قرن من بلدة صغيرة تحيطها الأسوار إلى مدينة عصرية، وأضحت إحدى الحواضر ذات التأثير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي خلال العصر الحالي، ليس على المستوى المحلي فحسب، بل على المستويين الإقليمي والدولي.
وتحتل إمارة منطقة الرياض مكانة عظيمة في نفس خادم الحرمين الشريفين، فمنها خدم مقامه الكريم تلك المنطقة مكانًا وإنسانًا، وأرسى قواعد نهضتها الشاملة، حتى باتت الرياض العاصمة تُضاهي في بنيتها التحتية ونهضتها العمرانية وتخطيطها الفريد كبريات العواصم العالمية.
وتأتي زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- إلى إمارة منطقة الرياض اليوم، ليستذكر معها التاريخ الزاخر والحاضر الباهر، الذي انطلق من مكتب مقامه الكريم في الإمارة، وامتد ليلامس كل بيتٍ في المنطقة، حيث شهدت الرياض في عهده العديد من المشروعات الكبرى، التي لا يزال إنسان المنطقة يقطف ثمارها.
وجاء حرص خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز على زيارة قصر المصمك، انعكاسًا لعنايته واهتمامه بالمواقع التاريخية التي كان لها دور بارز في توحيد وقيام الدولة السعودية، إذ يُعد من أبرز معالم الدولة السعودية السياسية والتاريخية والاجتماعية؛ حيث أُسِّس في بداية الدولة السعودية الثانية، وانطلقت من أبوابه مسيرة تأسيس الدولة السعودية الثالثة عام 1319هـ.
مما سبق، يمكن تأكيد أن علاقة خادم الحرمين الشريفين بإمارة الرياض ومنطقة قصر الحكم، علاقة أزلية مُسطرة في مداد من ذهب في تاريخ المملكة الحديث، علاقة ارتكزت على تنمية الإنسان والنهوض بالمكان، أدارها ـ يحفظه الله ـ بالفكر والإدارة والحكمة والحُلم والحزم، حتى باتت الإمارة في عهده مضربًا لإرساء العدل وقضاء الحاجات ورفع المظلمات.
وتعد زيارة خادم الحرمين الشريفين لإمارة الرياض اليوم، الثانية بعد الزيارة الأولى في العام 2019، والتي دشّن خلالها ووضع حجر الأساس لـ1281 مشروعًا في حزمة تنموية كبرى، شملت 22 محافظة من محافظات منطقة الرياض في امتدادٍ لحرص واهتمام مقامه الكريم بالمنطقة كحال بقية المناطق الأخرى من المملكة.
وفي الزيارة الأولى، رسم سكان الرياض لوحة تجلت فيها أسمى معاني الولاء والحب والوفاء لقائد مسيرتهم الذي كان حاكمًا للمدينة، واستذكر الحضور في الاحتفاء بالملك السابع للدولة السعودية ذكرياتهم مع «سلمان بن عبد العزيز»، الذي طالما تردد اسمه بين السكان وهم يتوجهون إلى مقر قصر الحكم للقائه وعرض مطالبهم وشكاواهم، أو السلام عليه، والاستماع إلى توجيهاته لطالبي الحاجات.
ولخادم الحرمين الشريفين، كلمات تؤكد الارتباط العميق بكل ذرة من تراب الوطن، متجسدة في الرياض، إذ قال ـ يحفظه الله ـ قبل ثلاثة عقود: «لا أتخيل نفسي بعيدًا عن مدينة الرياض حتى لو لم أكن موجودًا فيها، فالرياض بالنسبة لي الوطن والتاريخ الماضي والحاضر والمستقبل والأمل، منها قام والدي المغفور له الملك عبد العزيز بوثبته العملاقة الكبرى التي غيّرت مجرى تاريخ الجزيرة العربية حينما وحّد شتات هذه الأقاليم التي لعب الجهل والتخلف والإقليمية أدوارًا كبيرة في تمزيقها وتفريقها حتى جاء البطل، ليضع من هذه الأقاليم أعظم وأقوى وحدة في تاريخ العرب الحديث، فيها ولدت وترعرعت وتربيت على يد الملك العظيم، الذي غرس في قلبي وقلوب أبنائه حب الوطن والتفاني من أجله، عشت زهرة الشباب وأنا أرى وألمس حكمة القائد وحسن أدائه وعلو مكانته محليًا ودوليًا حتى أثر ذلك في نفسي، وتعلمت من سيرته الكثير".
وأردف حفظه الله: "تسلمت مسؤولية إمارتها منذ أكثر من ثلاثين عامًا، وشهدت خطواتها خطوة خطوة، وتسلمت مسؤولية تطويرها، وخلال هذه المدة الطويلة تابعت سياسة التطوير، وكان لي شرف الوقوف على تنفيذها، وشهدت كل خطوة حضارية خطتها مدينة الرياض، ومن هنا يصعب علي أن أفكر أن أكون بعيدًا عنها، حتى لو كنت خارجها، عندما أكون خارج المدينة داخل المملكة أو خارجها فأنا أعيش معها ولها".