رحلة "مدفع رمضان" في دول الخليج والعادات المرتبطة بظهوره.. "سبق" تستعرض ملامحها

في "مكة والكويت والامارات والبحرين" عقود من الذكريات صاحبت صوت دوي المدفع
رحلة "مدفع رمضان" في دول الخليج والعادات المرتبطة بظهوره.. "سبق" تستعرض ملامحها

اتفق المؤرخون أن بداية مدفع رمضان في الدول العربية انطلقت من القاهر بمصر ، ثم بدأت فكرة مدفع رمضان تنتشر من مصر إلى الدول العربية والإسلامية؛ إذ انتشرت في أقطار الشام بداية بالقدس ودمشق ومدن الشام الأخرى، ثم إلى بغداد في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي.

وبعد ذلك انتقل المدفع إلى مكة المكرمة قبل ١٤٠ سنة ١٨٨٤م تقريبًا، ثم مدينة الكويت؛ حيث جاء أول مدفع للكويت في عهد الشيخ مبارك الصباح؛ وذلك عام 1907م، ثم انتقل إلى كافة أقطار الخليج قبل بزوغ عصر النفط، وكذلك اليمن والسودان، وحتى دول غرب إفريقيا، مثل تشاد والنيجر ومالي ودول وسط وشرق آسيا؛ حيث بدأ مدفع الإفطار عمله في إندونسيا سنة 1944.

وتستعرض "سبق" تاريخ مدفع رمضان في عدد من دول الخليج، كالسعودية والكويت والإمارات والبحرين، مشيرة إلى أهم الأحداث والذكريات التي صاحبت "مدفع رمضان" .

مكة المكرمة

استُخدم مدفع الإفطار في مكة المكرمة كغيرها من المدن السعودية؛ إذ اعتاد السعوديون عامة، وأهالي العاصمة المقدسة خاصة، وجود مدفع رمضان الذي يكون إلى جانب الأذان، مؤذنًا بالإفطار تارة، وبالإمساك وقت السحور تارة أخرى

وعرف عن المدفع الرمضاني الذي كان ينقل التلفزيون السعودي لحظة إطلاقه، ظهوره في غرة الشهر الفضيل، بالإضافة إلى إطلاقه في الأعياد إيذانًا بدخول العيدين السنويين.

ولا يعلم أحد عن تاريخ محدد لبداية انطلاق مدافع رمضان، والتي تطلق من جبل المدافع الممتد لجبل قعيقعان المعروف بأحد جبال الأخشبين بمكة المكرمة؛ فقد ذكر الرحالة الهولندي "سنوك هورخرونيه" والذي زار مكة المكرمة قبل ١٤٠ سنة (١٨٨٤م)، وذكر أن المدفع من عادات أهل مكة الرمضانية قديماً، حيث كانت المدافع تسمع في أرجاء أحياء مكة إيذاناً بفطور أو سحور.

وجرت العادة في العاصمة المقدسة مكة المكرمة أن تطلق المدافع الصوتية؛ وذلك مع دخول وقت صلاة المغرب إيذانًا بالإفطار، كما يتأهب مدفع رمضان بمكة المكرمة لإطلاق أولى سبع قذائف صوتية؛ إعلانًا لدخول شهر رمضان المبارك، ثم يبدأ مزاولة مهامه الرمضانية بغرفته المخصصة له في مقر إدارة المهمات والواجبات بمكة المكرمة.

ويتم سنويًّا تجهيز المدفع بالذخيرة اللازمة "قذائفه الصوتية" التي يتم استخدامها طوال شهر رمضان المبارك وحتى أول أيام عيد الفطر؛ حيث يطلق طلقة عند دخول وقت الإفطار، وأخرى عند دخول وقت السحور، وطلقتان للإعلان عن الإمساك يوميًّا.

أما عند دخول عيد الفطر المبارك؛ فتدوي طلقاته الصوتية ابتهاجًا بالعيد، ويتم نقله إلى غرفته بمقر المهمات بعد أن يكمل إنجاز مهمته السنوية.

ويبلغ مجموع الطلقات التي يطلقها منذ دخول شهر رمضان المبارك حتى الإعلان عن دخول عيد الفطر المبارك، 150 طلقة تقريبًا.

ويخصص عدد من رجال الأمن للعناية به وتجهيزه وتهيئته وصيانته وتنظيفه منذ وقت مبكر وطيلة الشهر الكريم، وإطلاق الذخيرة الصوتية عند الإفطار وقبل السحور وعند الإمساك قبل صلاة الفجر.

ويعتبر مدفع رمضان في مكة المكرمة آلة يتم نقلها بواسطة مركبة من مقر إدارة المهمات والواجبات إلى مكانه الذي خُصص له بجبل من جبال مكة المكرمة المتميز بارتفاعه وخلوّه من السكان وقُربه من المسجد الحرام، وأطلق على الجبل "جبل أبو المدافع".

وكانت في مكة المكرمة عدة مدافع في مواقع مختلفة في عدد من أحياء مكة المكرمة، ثم توقفت كلها منذ سنوات؛ إلا مدفعًا واحدًا هو الذي يتم استخدامه فقط (قبل أن يتوقف قبل ٧ سنوات )؛ وذلك بسبب توافر وسائل الإعلان المختلفة ووسائل الاتصال المتعددة والمتنوعة للإعلان عن دخول الشهر الكريم والإفطار والإمساك؛ مما جعل الحاجة إلى استخدام المدفع للإعلان عن ذلك غير ضرورية؛ وإنما يتم استخدامه كرمز من الرموز والطقوس الرمضانية الموروثة في عدد من الدول الإسلامية والعربية.

الكويت

ولا يزال مدفع رمضان في الكويت، منذ أن أُطلقت أولى ذخائره في البلاد عام 1907، يحتفظ بوظيفته ورونقه خلال شهر رمضان المبارك، ليحيي في كل عام تقليدًا تراثيًّا قديمًا اندثر في معظم بلدان العالم الإسلامي؛ بسبب عوامل التطور والحداثة.

وتحوّلت لحظة إطلاق المدفع الرمضاني الشهير، الموجود في قصر نايف، في العاصمة الكويتية، إلى أشبه باحتفال تراثي يبث عبر برنامج تلفزيوني على الهواء مباشرة، ويحرص جمهور من الكويتيين على المشاركة فيه.

وبدأ الكويتيون في استخدام المدفع؛ لمعرفة وقتيْ الإفطار والإمساك، منذ عام 1907، في عهد الشيخ مبارك الصباح (حكم البلاد من 1986 إلى 1915).

ويقول المؤرخ الكويتي عادل السعدون، في كتابه "موسوعة الأوائل الكويتية": "علي بن عقاب بن علي الخزرجي، هو أول من أطلق مدفع رمضان في الكويت، وقد تعلم استخدامه من العثمانيين".

ويضيف "السعدون" في كتابه: "في عهد الشيخ مبارك الصباح، عُهِد إلى "ابن عقاب" بإطلاق المدفع وقتيْ الفطور والسحور؛ حيث كان يطلق طلقتين في كل وقت، ثم أصبحت طلقة واحدة خلال فترة حكم الشيخ أحمد الجابر الصباح (حكم من 1921 حتى 1950)، وفي المناسبات كالأعياد تطلق سبع طلقات، وعند زيارة الحكام والضيوف الكبار تطلق 21 طلقة ترحيبية".

وكان المدفع الرمضاني، موجودًا في موقع يسمى "سيف الطوب"، بجوار قصر "السيف"، في الكويت العاصمة، قبل أن ينتقل عام 1953 إلى قصر "نايف"، بعد أن تسلم الأمن العام الكويتي المسؤولية عنه عام 1951.

الإمارات

أما الإماراتيون فقد عرفوا تقليد مدفع الإفطار، في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي، وكانوا يسمونه بـ"الراوية"؛ لارتباطه بشرب الماء، واستمر هذا التقليد حتى اليوم.

وكان أول مدفع في إمارة الشارقة؛ إذ تصاحبه الآن فعاليات مرتبطة به، في بث مباشر عبر شاشة الشارقة، ويجتمع عدد كبير من المشاركين في تظاهرة مجتمعية، تنقل صورهم مباشرة إلى أهاليهم وذويهم؛ فيتحول التقليد إلى احتفالية بمشاركة الجميع.

وبرغم التطور العمراني الذي تشهده إمارة دبي، والذي يحول دون سماع صوت دوي مدفع رمضان بشكل واضح؛ تحرص الإمارة على إحياء تقليدها السنوي، الذي يزيد على 50 عامًا، في تنبيه الصائمين بموعد الإفطار؛ وذلك من خلال أربعة مدافع تتوزع في مناطق مختلفة منها؛ معلنة تميز شهر الصيام الذي يختلف عن بقية أشهر السنة.

وفي أبو ظبي أيضًا، يعود تقليد مدفع رمضان كل عام مع بداية الشهر الفضيل، على الحفاظ على العادات والتقاليد المتوارثة والتمسك بالموروث الاجتماعي الذي تَرَسّخ في ذاكرة المجتمع.

البحرين

ما زال المدفع يحتفظ بكونه أيقونة شهر الصيام لدى البحرينيين، ويجذب الكثيرين حوله مع قدوم الشهر الفضيل في كل عام؛ برغم ما عرفته الحياة من تغييرات على كل المستويات، أدت إلى اندثار الكثير من العادات والتقاليد القديمة.

وعُرف مدفع الإفطار في مملكة البحرين، منذ ثلاثينات القرن الماضي، وقبل أن يعلن عن اكتشاف النفط أو عن تأسيس المملكة.

وعادة ما يقوم أفراد من الأمن بإطلاق القذيفة لحظة مغيب الشمس، لإعلان حلول موعد الإفطار.

ولم يقتصر دور المدفع على الإعلان عن موعد الإفطار؛ ولكنه يطلق قذيفته أيضًا ليعلن عن موعد دخول شهر رمضان عند ثبوت الرؤية، وكذلك عند ثبوت رؤية هلال شوال؛ معلنًا عن حلول عيد الفطر، ويطلق أيضًا قذائفه عند حلول عيد الأضحى، ويكون عدد قذائف العيدين 12 قذيفة، لكل منهما.

ففي وقت الغروب وقرب موعد أذان المغرب؛ يتجمع العشرات من المواطنين والمقيمين برفقة ذويهم لمشاهدة مدفع الإفطار، وهو يطلق قذيفته.

ولا يذكر عام محدد يمكن القول إن مدفع الإفطار ظَهَر فيه بالبحرين؛ غير أن البعض من المصادر تقول إنه يعود إلى ما قبل عصر النفط، في ثلاثينيات القرن الماضي، وتستمر هذه العادة القديمة إلى هذا اليوم.

تُوكَل مهمة الإشراف على مدفع الإفطار والإمساك وضبط التوقيت لأحد شيوخ الدين الذين يحددون موعد غروب الشمس؛ وفق توقيت الساعة؛ مقارنة بغروب الشمس الفعلي. وتتعدد أماكن إطلاق مدفع الإفطار في البحرين؛ حيث يتواجد حاليًا في مختلف المحافظات.

وتشير بعض المصادر إلى أن شمال المنامة، كان الموقع المخصص لمدفع الإفطار في العاصمة قديمًا، ومن ثم انتقل إلى الأرض المقابلة لسوق المنامة المركزي بعد ردم جزء من البحر لإنشاء السوق، وبقي مكان المدفع في هذا الموضع من المنامة لعدة عقود.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org