التنزه لوحة لأخلاقنا وتحضرنا
حدثني طالب سعودي مبتعث بأنه كان يتحاور مع رجل غربي ناقد لفوضى المسلمين في مظاهر متعددة! ومن محاوراته أن قال الغربي ذات يوم: انظر إلى أحذية المصلين كيف توضع بفوضوية؟
فرد عليه الطالب السعودي: وانظر إليهم كيف يصطفون داخل المسجد، وينتظمون مع إمامهم.
فقال متسائلاً: أين أثر الصلاة عليهم بدءًا من بوابة المسجد!!
وهنا أهمل الطالب الإجابة..
يشترك البشر العيش على الأرض، تجمعهم للحياة، بل بعد الموت، وتحتضنهم جميعًا عندما يدفنون تحتها. ذلك المشترك الإنساني أكده الإسلام؛ إذ يتوافق مع مقاصده العامة. والدين والأخلاق متلازمان؛ فالإنسان ذا الأخلاق دون الدين ناقص، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما بُعثت لأتمم صالح الأخلاق). والأخلاق حلقة وصل للمودة والمحبة بين البشر، وانتزاعها من علاقاتهم سبب للبغضاء والعداوات والتنافر. وإدراك هذا المفهوم يقود المسلم الإيجابي إلى إدراك حقوق الآخرين حين يشاركهم الحياة، منها العيش بكرامة واحترام للذوق العام، خاصة الأماكن المشتركة العامة التي عملت الدولة -رعاها الله- على بنائها وتطويرها وتهيئتها للمنافع المتنوعة، وتشمل المساجد والمدارس والجامعات وأماكن الاحتفالات والحدائق والمتنزهات.. ويدخل فيها المقاهي والنوادي والأسواق ونحوها.
واليوم تجد الناس يتجهون كثيرًا إلى أماكن للقيا، كالمقاهي والمطاعم، وأماكن أخرى للتنزه، كالرياض البرية حيث جمال الأرض الممتد خضرة وربيعًا ضاحكًا، والهواء العليل، والأجواء الصافية النقية؛ فمع هطول الأمطار اليوم في رقعة واسعة من بلادنا تتزين الأرض، وتبتهج، وتتفتح أزهارها مستقبلة من يستمتع بهذا الجمال الذي وهبه الله لها بعد نعمة المطر، والخروج للتنزه في البراري، خاصة تعلم الصغار وحتى الكبار الاعتماد على النفس، وحُسن التصرف بالرأي والقرار، وتعلم أسس الحياة مع خشونة العيش في الملبس والمأكل والمجلس، وتحمُّل الأجواء المتقلبة أحيانًا، وأيضًا التوافق مع من يجالسهم في طباعهم وأخلاقهم المختلفة والمتباينة أحيانًا، وكذلك الأدب في خفض الصوت، وغض النظر، وعدم التدخل فيما لا يعني.. وذلك عندما يجتمع المتنزهون بالقرب من بعضهم. وتعلُّم التطوع بالمساعدة لمن تعطل أو توقف أو تاه في رحلته.. وهكذا.
فاحترام الأرض بنظافتها، والنبات بعدم حرقه أو المشي عليه بالسيارة، والأشجار بعدم القطع منها أو الاحتطاب الجائر.
والأخلاق من الهدي النبوي، والوحي الإلهي، وهي خلق الرسول -صلى الله عليه وسلم-، قال الله سبحانه:
{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}