تمرُّ الأمة العربية والإسلامية بأزمات عارمة، لم تمرّ بمثيلتها منذ عقود من الزمن. في السودان أحداث دراماتيكية، وفي العراق مثلها وأصعب منها، وفي اليمن، وسوريا، والعراق.. وهناك في الجزائر أحداث الرئاسة والانفلات السياسي وليس الأمني، ونرجو أن لا يكون هناك انفلات أمني، وأن لا تعم الفوضى، وأن تجد الجزائر من يؤمن لها الاستقرار، وأن يعود الشعب إلى منازلهم وأعمالهم، وأن يكونوا تحت مظلة حكم موحد، يعيد للبلاد استقرارها..
وفي ليبيا صراعات على الحكم. هذه الدولة التي لم تستقر منذ سقوط معمر القذافي 2011، بل إنها تعيش في حالة من الصراعات، وحالات من عدم الاستقرار، وأزمات سياسية أمنية، تعبث بالبلاد ومواردها الغنية، وتجعل منها دولة يتصارع عليها الأعداء، ويمررون أجندتهم عبر مليشيات تنهب الثروات، وتعشق حالات عدم الاستقرار؛ لتتمكن من زيادة أرصدتها في البنوك العالمية..!
ليبيا حالة نادرة؛ وتحتاج إلى دراسات سسيولوجية وجغرافية؛ ليكون لدينا تصور كامل عن التركيبة السكانية والتوجهات التي تكوِّن حديث الشارع الليبي والمثقفين الليبيين، وبالتحديد السياسيون الليبيون. حالة ليبيا تختلف عن حالات العالم العربي، ومثقفو ليبيا وسياسيوها يختلفون على إخوانهم وأمثالهم في عالمنا العربي.. كانت ليبيا شبه منعزلة عن محيطنا، وعن عالمنا، وقلما يكون هناك تحاور أو اجتماعات أو تبادل زيارات وإقامة مهرجانات ثقافية بين ليبيا والعالم العربي. أصبحت دولة مستقلة، ربما اتجاهها إلى الغرب، والغالب أن انطواءها على نفسها، وانغلاق شعبها على ذاته، جعلا منها بعيدة عن الأحداث الدراماتيكية في العالم العربي، وعن أعين الإعلام العربي.. هناك خفايا لا نعلمها عن ليبيا طوال حكم القذافي، وربما خلق بعض الإعلام نوعًا من التوجسات أو السلبية تجاه تلك الدولة وأهلها.. نفتقر إلى معلومات حقيقية، ومصادر موثوقة؛ لتكون الصورة واضحة أمامنا؛ إذ كانت ضبابية إلى أبعد حد..!
لم نهتم بالداخل الليبي، وربما لا يريدون هم كذلك؛ فكان جُل ما يصلنا قفشات من الإعلام، ربما المعادي للقذافي نفسه، الذي هو رمز لليبيين أنفسهم، وربما كان لصالحه، ولكن غالبية الحقائق كانت مبهمة..
الآن، وبعد سقوط القذافي، وتصارُع القوى، وانفتاح الإعلام، وشفافية الطرح والمحتوى الذي يحمله الإعلام الجديد، أدركنا أن ليبيا منا وفينا، وأنها جزء من عالمنا ومحيطنا، وأن همومهم همومنا، وأنهم إخوة لنا، يهمنا مصالحهم، وأنها دولة تمتلك ثروات هائلة، وعقولاً عربية نفتخر بها، ويهمنا أمنها واستقرارها.
محاربة قناة الجزيرة لحفتر وقواته، وزراعتها الفتن، وتأجيج القضايا، وحماسها لدعم المليشيات هناك، وتضليل الرأي العام، جميعها ملفات ومحاور ورؤوس أقلام وخيوط، تجعلنا نفهم ما هي ليبيا؟ ولماذا ليبيا بالتحديد؟ وكيف لهذه "القناة" من مخالب وأنياب تستمر في نهب العقول وتضليل العقول؟.. الآن أدركنا أن استقرار ليبيا هو استقرار للعالم العربي وللأمة العربية والإسلامية.
استقرار ليبيا سينعكس على الاستقرار في الجزائر والسودان، وسيعطي للمنطقة - بالتحديد المغرب العربي - الأمن والأمان.. فهل تشهد الأيام القادمة نصرًا لهذه القوات، وأن تستقر ليبيا، وتعود إلى أحضانها، وتنعم بالأمن والاستقرار، وتحافظ على ثرواتها ومكتسباتها؟.. نأمل ذلك..!