انتهت الجولة الـ25 ضمن منافسات دوري كأس الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-، وهي الجولة الأكثر إثارة وصخبًا في هذا الموسم، التي أثمرت قطف النصر "العالمي" نجومية هذه الجولة بالانتصار المثير على المنافس التقليدي (الهلال)؛ وخطف بذلك نجوم الأصفر الصدارة التي ظلت تحت سيطرة هلالية لمدة تجاوزت 2250 دقيقة، لعبها الهلال هذا الموسم في الدوري. وكانت المباراة جميلة ورائعة في كل تفاصيلها، بداية من الروح الرياضية العالية قبل وبعد اللقاء بين رئيسَي الناديَين واللاعبين، التي بدأت وانتهت بالعناق والسلام والاحترام.. إلا أن بعض التصرفات التي صدرت من جانبَي الفريقَين شوهت هذه الجمالية، ونتج منها عقوبات مالية عدة للفريقين.
وقد حصد البرتغالي روي فيتوريا مدرب فريق النصر جائزة أفضلية المدربين في هذه الجولة، بينما خطف مدافعه البرازيلي برونو أوفيني جائزة أفضل لاعب، أما جائزة الجمهور المثالي فذهبت إلى جماهير نادي الشباب لأول مرة هذا الموسم في مباراته ضد أُحد التي جمعت الفريقين على ملعب الأخير في المدينة المنورة، بعد أن تم استبعاد جمهور النصر والهلال من اللجنة الفنية في رابطة الدوري السعودي للمحترفين بسبب العقوبات الانضباطية الصادرة بحق جماهير الفريقين.
وتذكر الإحصائيات والأرقام أن جماهيرية الهلال والاتحاد والأهلي والنصر تتجاوز ثمانية ملايين بمعدل مليونَي مشجع. وتختلف هذه النسب بشكل متفاوت بينهم. وهذه الأرقام كفيلة بدفع المستثمرين لدخول سباق الاستثمار في هذه الأندية بعد تطبيق الخصخصة. وهذه الأرقام لا تتوافر حاليًا لشيخ الأندية (الشباب) صاحب البطولات والتاريخ العريق.
قبل ثلاثة مواسم لفت انتباهي تغريدة لنائب رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم (السابق)، الأستاذ محمد النويصر، بتاريخ 6 نوفمبر 2015 بأن أكثر شعبية جماهيرية لنادي الشباب موجودة في المدينة المنورة، وهي ما ظهر للعيان بوضوح في اللقاء الأخير أمام أُحد في المدينة المنورة؛ وهو الأمر الذي قد يحفز الراغبين لاستثمار نادي الشباب في حال تم تطبيق الخصخصة على غرار ما تقوم به الشركات الكبرى بنقل مقر الملعب الرسمي لفريق كرة القدم إلى مدينة أخرى، قد تكون -على سبيل المثال- المدينة المنورة أو أبها وعسير، مع بقاء مقر الإدارة للفئات السنية المختلفة وأكاديمية النادي وباقي الألعاب بالمقر الرئيسي في الرياض. كما يمكن استثمار أرض المقر الحالي للنادي بحكم أنها الأغلى قيمة بين جميع أندية دوري المحترفين بحكم الموقع العقاري الاستراتيجي.. وبالإمكان إقامة وإنشاء مشروع استثماري ضخم أو مركز تجاري وناطحة سحاب، تشمل مراكز تجارية وأدوارًا مكتبية وأجنحة فندقية.. وهذا المشروع كفيل بالضخ المالي الكبير لتغطية مصاريف النادي. فيما يتيح ملعب كرة القدم الجديد (للفريق الأول) للنادي فرصة بناء شعبية جماهيرية جارفة في المدينة المنورة (مثلا). وهذه الشعبية قد تدر مئات الملايين على النادي، وقد تكون فرصة لاستقطاب مواهب جديدة ومميزة من ناديَي أُحد والأنصار، وقد يصبح الشباب بعد الخصخصة أغنى نادٍ سعودي، والأكثر شعبية بحكم المكانة الكبيرة للمدينة المنورة.
هجمة.. مرتدة!!
في فبراير 2016 انعقد ملتقى تحسين بيئة الملاعب السعودية بمشاركة مسؤولي الاستثمار في الأندية، وممثلي الشركات المستثمرة، ومديري الملاعب الرئيسية، وتم مناقشة العوائق التي تعيق الأنديةوالمستثمرين والمسؤولين عن تحسين بيئة الملاعب والخدمات المصاحبة للمباريات لتشجيع الجماهير على حضور المباريات، وتهيئة الملاعب وتجهيزها للاستمتاع بمرافقها وبرامجها المصاحبة، وضرورة تغيير واقع ملاعبنا الرياضية، وتحويلها إلى جوانب جذب لمرتاديها، وتطويرها لاستكمال جوانب النقص فيها.
أصبحت كرة القدم صناعة عالمية، ينفق عليها مئات المليارات لتحقيق إيرادات مجزية.. شركات ومستثمرون حول العالم يتسابقون لاستثمار مئات الملايين من خلال الاستثمار في البنى التحتية الرياضية. وعلى الرغم من شعبية الدوري الإيطالي إلا أن أنديته فشلت في الاستفادة من الشغف الجماهيري لزيادة دخلها ورفع إيراداتها من خلال حضورهم المباريات. ويظهر ذلك من خلال الفوارق الواضحة والكبيرة في الإيرادات بين الأنديةالإيطالية وأندية أوروبا الكبرى. كما أن الإقبال على شراء التذاكر الموسمية للمباريات ضعيف جدًّا، والجماهير ليس لديهم الرغبة في شراء أي منتجات خاصة بأنديتهم. وتشير الأرقام والإحصائيات إلى أن مداخيل أيام المباريات تشكل 11 % من إجمالي إيرادات أندية الدوري الإيطالي البالغة 1.7 مليار يورو مقارنة بالدوري الإسباني، التي تصل فيها مداخيل مبيعات التذاكر إلى 20 % من أصل 1.9 مليار يورو. وفي الدوري الألماني تتجاوز 21 % من إجمالي الإيرادات؛ لتصل قيمتها إلى 1.9 مليار يورو. فيما تتجاوز مداخيل التذاكر في الدور الإنجليزي 19% من إجمالي إيرادات البريميرليغ البالغة 3.9 مليار يورو؛ ولهذا رأى الاتحاد الإيطالي لكرة القدم أن ملاعب إيطاليا تعاني تدهورًا وتراجعًا في خدماتها نظير عمرها القديم مقارنة بباقي الدول الأوروبية الكبرى؛ ولذلك تقدم اتحاد كرة القدم في إيطاليا بطلب للحصول على تمويل من أحد البنوك بما يعادل 80 مليون يورو للمساعدة على تحسين بيئة الملاعب، وتم صرف قيمة التمويل بفوائد مخفضة للأنديةوالمجالس البلدية التي تملك الملاعب التي تطلبت تحسينات عاجلة، شملت زيادة السعة والمعايير الصحية فيها، ومعايير كفاءة الطاقة، إضافة إلى وجود أنشطة مصاحبة، مثل: "متاحف الأندية، ومطاعم للوجبات السريعة، وأخرى فاخرة قريبة من الملاعب، إضافة إلى المتجر الرسمي للنادي ومنتجات أخرى متنوعة".. وذلك لجذب الجماهير يوم المباراة، وتوفير ما يحتاجون إليه بسعر مناسب، مع وجود بدائل أسهل وأفضل وأقل تكلفة من متابعة المباريات في المنازل أو المقاهي أو الأماكن العامة. وقد يتطلب الأمر بناء ملاعب جديدة كما فعل يوفنتوس وروما..
وبالعودة للدوري السعودي فإننا نجد الديون في أنديتنا لا حل لها، وكلما تم إغلاق باب تم فتح باب آخر!! فهل القضية تكمن في الاجتهاد الخاطئ لإيجاد الحلول بشكل صحيح وجذري أم أن آلية إيجاد مصادر الدخل باتت مستحيلة؟.. المؤكد أنه كلما تأخرت الخصخصة ستستمر المعاناة، وستكبر (كرة الثلج) من جديد.