"ملايين المكعبات المائية محتجزة".. سدود الأودية بجازان تنذر بمخاطر على البيئة والإنسان

"ملايين المكعبات المائية محتجزة".. سدود الأودية بجازان تنذر بمخاطر على البيئة والإنسان

أكاديمي يحذِّر من التصحُّر حال استمرار السلبية.. ومُزارع يطرح 11 حلاً
تم النشر في

جدَّد خبراء ومواطنون تحذيراتهم من سياسة نشر سدود الأودية في منطقة جازان، معتبرين أن ما يحدث يهدد البيئة والخزانات الجوفية بالمنطقة.

وأكد مزارعون أن الآبار لم تعد تحتوي على كميات مياه كافية لري المزارع بشمال غرب المنطقة وعدد من المحافظات، مطالبين وزير البيئة والمياه والزراعة بأن يتدخل لمراجعة سياسة تصريف مياه السدود التي تحتجز كميات ضخمة، تشكل بـ95 % عبئًا صحيًّا وبيئيًّا دون أدنى استفادة بالتحلية أو التنقية.

وترصد "سبق" أبرز المطالبات والمخاطر والحلول.

أنشأت الجهات المعنية مجموعة من السدود في منطقة جازان، من أبرزها: سد وادي بيش وجازان ووساع بهروب ووعال بمقزع وشهدان وسد قرى وسد ضمد.

كما أنشأت الكثير من السدود الصغيرة التي تحتجز المياه لأهداف كثيرة، من بينها تخفيض قوة جريان السيول في مجاري تلك الأودية، إلا أن النتائج كانت سلبية رغم النداءات المتواصلة منذ سنوات من خبراء ومواطنين بخطورة ما يحدث.

جولات "سبق"

ورصدت "سبق" في جولات كثيرة على أبرز سدود المنطقة كميات المياه التي تحتجزها تلك السدود، ودون تقليل منسوب المياه، بالشكل الذي يسهم في توازن الري، وخفض التدفق طوال العام.. بل تجاوز ذلك لتكرار الفيضانات من السدود. وقد سجل سد بيش كميات مفيض كبيرة سابقًا، وتسجل حاليًا عدد من السدود مفيضًا دوريًّا كسدود وعال وقرى ووساع.

كما رصدت الجولات عدم وجود محطات تنقية أو تحلية لتلك المياه للانتفاع بها غالبًا، عدا سد وادي بيش، وهو الأمر الذي فتح تساؤلات عن وضع السدود التي تركتها الجهة المختصة دون فتح دوري وتخفيض منسوب المياه؛ ما يجعل حجم الفيصانات كبيرًا وضارًّا على القرى كما حدث لسد بيش سابقًا، وسط تساؤلات عن الأعطال في قنوات التصريف التي قد تتسب في الفيضانات، وعن طريقة التصريف البدائية كما حدث في سد قرى أحد روافد مجرى وادي بيش.

التصحر قادم إذا استمرت السلبية!

وأكد الدكتور يحيى بن سليمان مسرحي، الأكاديمي المتخصص في البيئة النباتية، لـ"سبق" أن "الواجب على أي الجهة المسؤولة (كوزارة البيئة والمياه والزراعة بشكل أساسي) القيام بدراسات جدوى بيئية، بمعنى تقييم الأثر البيئي لمثل هذه المشاريع قبل إنشائها؛ وذلك للموازنة بين مدى الفائدة المرجوة من حجز المياه والسلبيات التي قد تنشأ عن ذلك على المديَيْن القريب والبعيد، وبعد ذلك يُتخذ القرار بإنشاء السد من عدمه.

وبيّن أن السدود تقام في السعودية لحجز مياه الأودية، وبعض هذه الأودية (وخصوصًا في جنوب غرب السعودية) تصب في البحر في موسم الأمطار منسابة من مواضع نشوئها على مرتفعات السروات.

وأضاف: وعلى امتداد مسارها (ومنذ آلاف السنين) تعمل هذه المياه الجارية على نحت الصخور، وترسيب التربة في سهل تهامة مع ما تحمله هذه التربة من معادن، إضافة إلى نِسَب عالية من التربة الدقيقة (الطمي والطين) التي تزيد من قدرة الاحتفاظ بالماء؛ ما يجعل من أحواض الأودية والمناطق المجاورة لروافدها نطاقات شديدة الخصوبة، كانت سببًا رئيسيًّا لاستعمار الإنسان هذه المناطق منذ القِدَم.

وأردف: إضافة إلى ذلك، فإن الماء أثناء جريان الأودية يتخلل مسامات التربة، وينفذ جزء معتبر منه إلى الأعماق؛ ما يشحن خزانات المياه الجوفية باستمرار؛ وهذا يؤمِّن مقادير من المياه الجوفية، اعتمد عليها البشر (عن طريق الآبار) منذ القدم.

وقال: بالنظر إلى ما سبق فإن إنشاء السدود سيحجز الماء عن التدفق ضمن مساره المألوف، وسينقطع مدد التربة الدقيقة المخصبة؛ وهو ما يقلل من خصوبة الأراضي التي تقع بعد السد، وعلى المدى الطويل ستتصحر تلك الأراضي بالتدريج، وتقل أو حتى تنعدم إمكانية الزراعة فيها.

وتابع: علاوة على ذلك، فإن مكونات الغطاء النباتي على امتداد مسارات الأودية وما جاورها نشأت وكونت أنظمة بيئية معقدة، وغاية في التوازن، تعتمد عليها مكونات التنوع الحيوي برمتها في تلك النطاقات. واستغل البشر مصادر تلك البيئات رعويًّا واقتصاديًّا وطبيًّا، وأي إخلال فيها (نتيجة لتدهور الغطاء النباتي بسبب انقطاع مدد الماء الموسمي) سيخل بالمنظومة بأكملها وما تقدمه لبقية الكائنات والبشر.

من ناحية أخرى، فإن جزءًا كبيرًا من دقائق الطمي والطين ترسبها الأودية في مصباتها في البحر. وهذه الدقائق تعزز من نمو العوالق النباتية ومكونات الحياة الأخرى في البحر عند المصب وما يجاوره، وأي انقطاع لمدد الماء الموسمي سيؤثر سلبًا على نمو العوالق النباتية وما يعتمد عليها في السلسلة الغذائية.. وصولاً إلى العديد من أنواع الأسماك في النطاقات القريبة من الشاطئ وما يجاورها، وهكذا يتراكم الأثر البيئي؛ ليصل إلى مصائد الأسماك وقوت البشر منها.

ولا يقتصر إنشاء السدود على الآثار البيئية فقط، بل يتعداها إلى الآثار الصحية (تراكم المياه بكميات كبيرة؛ ما يوفر بيئات ملائمة لتكاثر البعوض وما تحمله من أوبئة)، والآثار الاجتماعية (كقلة الاعتماد على الزراعة البعلية) المعتمدة على الأمطار، وتتغير الأنشطة لمصادر الدخل؛ ما يقلل من مصادر الأمن الغذائي.

وهكذا، فإن التوسع في إنشاء السدود، وعدم القيام بدراسات جدوى بيئية قبل إنشائها (أو للقائم منها حاليًا، وعدم تصريف مياهه بشكل دوري للمحافظة، ولو على جزء بسيط من جريانه الموسمي) يؤثر سلبًا على حياة البشر ومكونات بيئتهم على حد سواء.

مشاكل إدارة السدود

وقال الدكتور سعيد بن قاسم الخالدي المالكي، عضو مجلس الشورى: "تواجه منطقة جازان مشاكل تتعلق بإيجاد طرق مناسبة لإدارة مياه الأودية والسدود، والسيطرة عليها أثناء هطول الأمطار الغزيرة، خاصة في الجبال في شرق جازان. ولا أعتقد أن لدى فرع المياه بالمنطقة أي خطط لتوجيه استخدام الموارد المائية، أو وسيلة لمراقبة مستويات مياه السيول واستخدامها لتطوير وضمان الاستدامة البيئية.

وتابع: فغالبًا ما تكون الأمطار غزيرة؛ ما يولّد فيضانات ضخمة ومفاجئة، وخصوصًا المحافظات الجبلية والمنحدرات شديدة الانحدار نحو الساحل.

وقال: كانت الأهداف الأساسية لإنشاء السدود في منطقة جازان هي العمل كبدائل لمصادر المياه الجوفية في المنطقة، وتوفير المياه للآبار في المناطق الواقعة خلف السدود، إلا أن الكثير منها لم توفر مياه الشرب لكثير من المحافظات، وخصوصًا المحافظات الجبلية من خلال محطات التنقية.

وأضاف: يجب أن تؤمَّن هذه السدود بمحطات تنقية لتوفير مياه الشرب للأهالي، ويجب النظر كذلك في زيادة بناء هذه السدود في المحافظات الجبلية التي تحتاج إليها لحفظ مياه السيول من جراء الأمطار الغزيرة في كل من المحافظات الجبلية في الداير بني مالك وفيفاء والعيدابي ومراكزها.. فوجود سدود سيوفر الكثير من المياه للسكان، ويستخدم كذلك للري للأغراض الزراعية، ويوفر حلولاً لهدر المياه بتحديد مسار ومصب الوديان بشكل دقيق، وبناء سدود أخرى في أعالي مرتفعات جازان، والاستفادة منها لحفظ المياه ومراقبتها بما يخدم السكان، والاستخدام الفعال لهذه المياه للأراضي الزراعية واحتياجات السكان من مياه الشرب.

ومن المهم كذلك البحث عن أمكان جديدة لبناء سدود إضافية في أودية وسفوح تلك الجبال لحصاد مياه الأمطار، وحفظها، والاستفادة منها.

مزارعون يعانون

وقال المزارع محمد حمود من سكان قرى جنوب غرب بيش: منطقتنا تأثرت نتيجة عمل سد وادي بيش الذي جعل الاعتماد بشكل كامل على الآبار الجوفية، وفي ذلك استنزاف للطاقة والمياه الجوفية؛ إذ إن غالب المزارعين يعتمدون على طرق بدائية في الري، وهؤلاء المزارعون الكثير منهم تكبّد قروضًا على أن يمد الوطن بجزء من أمنه الغذائي، لكن فوجئ بإقفال السد على طول السنة، ومنع عمل العقوم الترابية.

وتابع: ولهذا أثر في التربة؛ إذ إن المنطقة تهب عليها رياح موسمية، ونتيجة الجفاف تحولت من زراعية إلى عديمة الفائدة نتيجة التراب المنقول.. ويخسر المزارع الكثير من الأموال لتنظيف مزرعته، وأيضًا قلّ إنتاج الأرض نتيجة تغطيتها بالرمال الزاحفة، وعدم تجديد طينتها من طمي السيل.

حلول مقترحة

واقترح المزارع محمد حمود حلاً للمشكلة، يتمثل فيما يأتي: إنشاء جمعية مزارعين، والسماح بإنشاء العقوم، وفتح السد، وعمل القنوات الزراعية، وعدم السماح لأي أحد بالعبث في مجرى الأودية، وإيقاف الهدر المائي من المياه الجوفية، وإبداله بالأساليب الحديثة للري، وتسويق منتجات المزارعين، وإعطاء قروض حولية سريعة الاسترداد، وعمل دورات إرشادية للمزارعين، وإحضار مختصين مشرفين وموجهين، وتسهيل العمالة الموسمية، وإيقاف التجار القادمين من خارج البلد المتسترين بالسعوديين الذين ينهبون المياه الجوفية في المزارع المستأجرة بحثًا عن الربح السريع، وأخيرًا تسويق الذرة الرفيعة أو شراؤها من المواطنين لاستدامة زراعتها، أو إبدالها بمنتجات ذات فائدة.

"البيئة" لا ترد

ومنذ ما يقارب أسبوع تواصلت "سبق" مع المتحدث باسم وزارة البيئة والمياه والزراعة للتعليق على ما يخص السدود بالمنطقة، إلا أن تصريحه لم يصل بعد.

صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org