اهتمام كبير ومتعاظم يجده القطاع السياحي من الدولة، يتجلى في تلك المشاريع العملاقة التي يجري العمل على إنجازها بوتيرة متسارعة مثل نيوم والقدية والبحر الأحمر وأمالا، بعد أن نال هذا القطاع أولوية واضحة في رؤية السعودية 2030 عبر محاورها الثلاثة: الوطن الطموح، المجتمع الحيوي والاقتصاد المزدهر.
لم يكن ذلك الاهتمام بالقطاع السياحي من قبيل المصادفة، بل تم اختياره وفق معايير دقيقة، راعت أنه أكثر قطاعات الاقتصاد حيوية وتجددًا وشمولية؛ لأنه يرتبط بالقطاعات الاقتصادية الأخرى كافة. حتى مفهوم السياحة لم يعد تقليديًّا كما كان عليه في السابق؛ فالسائح لم يعد يبحث عن الأجواء المعتدلة أو المناظر الطبيعية فقط، بل دخلت في قائمة اهتماماته مغريات جديدة، واحتياجات حديثة، في مقدمتها البحث عن الفرص الاستثمارية، والاستمتاع بالآثار الطبيعية والبرامج الترفيهية والفعاليات الثقافية من مسرح وسينما ومطاعم ومراكز تسوُّق.
بل إن هناك أنواعًا متخصصة من السياحة، مثل السياحة العلاجية، وسياحة الاستجمام.. وهو ما انتبهت إليه السعودية؛ وبادرت إلى إنشاء مدينة البحر الأحمر بالقرب من تبوك؛ إذ تحفل بالعديد من المنتجعات المخصصة لطالبي النقاهة والباحثين عن التأهيل الصحي. وهناك أيضًا سياحة المعارض والمؤتمرات، وهي من أكثر الجوانب التي يمكن للمملكة أن تحقق فيها نجاحًا كبيرًا بسبب موقعها المتميز وسط الدول الخليجية والعربية، والمستوى العالي من البنية التحتية الذي تتمتع به، وتوفر مرافق الإيواء من فنادق ومجمعات سكنية ووسائل اتصالات حديثة، وغير ذلك مما يوفر ضمانة للنجاح.
لذلك فإن المكاسب التي تجنيها السياحة – كما ذكرت – تشمل العاملين في مجالات الاقتصاد كافة، ولن تكون المكاسب المتحققة عنها محصورة على قطاع دون غيره، وستشمل مرافق الإيواء وقطاعات النقل والمطاعم ومحال البيع بالتجزئة؛ لذلك يمكن القول إن هناك فرصة حقيقية لإحداث نهضة اقتصادية متكاملة عبر استقطاب المزيد من السياح، ولاسيما في ظل أجواء الانفتاح الذي نعيشه، بعد أن أصبح الحصول على تأشيرات سياحية مهمة ميسورة، لا تستلزم أكثر من بضع دقائق.
حتى على صعيد المقومات التقليدية لصناعة السياحة فإن ما تملكه السعودية من مقومات فريدة قَلَّ أن يتوافر في دولة مثلها؛ فهي دولة شاسعة المساحة، ومترامية الأطراف، تحفل بالكثير من السواحل الخلابة، والصحارى الذهبية، والغطاء النباتي المتفرد، والجبال الشاهقة التي تسحر مشاهديها، إضافة إلى اعتدال الأجواء في كثير من المدن، والمناطق الأثرية التي لا يوجد لها مثيل في العالم أجمع. كل تلك المقومات تجعل السعودية في مقدمة دول المنطقة والعالم التي يمكن أن تكون واجهة جذب سياحي متميزة.
على الصعيد الاجتماعي فإن هناك أدوارًا رئيسية تؤديها السياحة، لا تقل أهمية عن المكاسب الاقتصادية؛ فهي بوابة رئيسية لتعزيز الوحدة الوطنية، وترسيخ القيم الأصيلة، والحفاظ على الهوية.. فكل منطقة من مناطق السعودية لها خصائص تميزها عن بقية المناطق، وهذا التنوع الثقافي الفريد يشكل عامل جذب للشباب الذين بإمكانهم التجول في بلادهم، والتعرف على ثقافاتها؛ وبالتالي تزداد في دواخلهم أحاسيس الانتماء لها، والارتباط بحضارتها.
ولا ننسى أيضًا أن السياحة لم تعد مجرد نشاط اقتصادي، أو تهتم باللهو والترفيه فقط، بل هي أداة رئيسية للتعريف بالسعودية، واستقطاب المستثمرين من الخارج، وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي ربما يحملها البعض عن بلادنا، وتقديم صورة حقيقية، تعكس للآخرين مقدار ما نحمله من قيم، وما نتمتع به من مزايا، وما قدمناه خلال التاريخ من إسهامات لأجل إثراء حركة الحضارة الإنسانية.
إن كان هناك ما نحتاج إليه لتعزيز مكانتنا على خارطة السياحة العالمية فهو يتمثل في تنظيم قطاع الإيواء، والتصدي لمحاولات بعض مالكي الفنادق والوحدات السكنية رفع الأسعار بطريقة مُبالَغ فيها خلال المواسم؛ ما يتسبب في تنفير السياح السعوديين، ودفعهم إلى السفر للخارج؛ وبالتالي إجهاض الجهود الحكومية كافة لإقناع المواطنين بالبقاء في وطنهم، وجذب السياح من الخارج؛ لذلك فإن وزارة السياحة مطالَبة بإيجاد حلول حاسمة لهذه المعضلة التي تتكرر سنويًّا، وباتت تمثل هاجسًا للجميع.
بلادنا -بحمد الله- بها من عناصر الجذب الكثير الذي يمكن أن يلفت إليها انتباه السياح من دول العالم كافة، وقبل ذلك يُقنع مواطنيها الذين يسافرون سنويًّا إلى الخارج، وينفقون مليارات الريالات التي يمكن أن تبقى بالداخل، بأن نعيد ضخها في شرايين الاقتصاد الوطني؛ بما يؤدي إلى توليد المزيد من الفرص الوظيفية لشبابنا.
ما تشهده السعودية خلال هذه الفترة من تاريخها هو ثمار مباركة لرؤية طموحة، وقيادة احترفت تحقيق النجاح، ولا توجد مفردة المستحيل في قاموسها، ولا يعرف اليأس مدخلاً إلى قلوب أبنائها. وفي ظل هذه المعطيات والجهود الصادقة والرؤية الحكيمة فإن أبواب المستقبل ستظل مفتوحة أمامنا على مصراعيها.