بكلمات في منتهى الوضوح، وبأشد العبارات، دان مجلس الوزراء السعودي محاولات الإساءة للرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-، والرسوم الكاريكاتورية التي نشرتها مجلة شارل إيبدو الفرنسية الأسبوعية للاستهزاء بمقامه العالي الكريم، والمساعي المحمومة للربط بين الإسلام والإرهاب.
كما أكد المجلس رفضه أي محاولة للمساس بكرامة واحترام أي من الرسل – عليهم الصلاة والسلام – وهو ما من شأنه أن يغذي الكراهية والعنف، ويوجد مبررات التطرف.
وفي المقابل، ملأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الدنيا ضجيجًا، ووجّه سيلاً من الشتائم للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، واتهمه بالجنون. ومن حق أردوغان أن يتخذ من المواقف ما يشاء، ويختار أسلوب المعالجة الذي يرى أنه يخدم مصالحه، إذا كان يتحدث بنفسه، ويمثل بلاده. أما أن يدعي تمثيل الإسلام، والتحدث باسمه، فهذا هو الخطأ الذي لا ينبغي السماح له بارتكابه. ومع التقدير التام للمشاعر الصادقة التي شعر بها المسلمون في جميع أنحاء الأرض، وإحساسهم بالألم، ورغبتهم في نصرة نبيهم والدفاع عنه، إلا أن الأسلوب الإسلامي في الرد على المسيئين والمتطاولين يختلف كليًّا عن النهج التركي؛ فمقابلة الإساءة بمثلها لن تؤدي سوى لتأجيج التطرف وإذكاء العنف. ولنا في سيرة نبينا الكريم -عليه أفضل الصلاة والسلام- أكبر المثل عندما تغاضى عمن أساء إليه واتهمه بالجنون والكذب – حاشا لله – لإدراكه أن ذلك التطاول لن يضره شيئًا، ولن ينقص من مكانته، وقد تكفل الله سبحانه وتعالى بحماية نبيه عندما خاطبه في كتابه العزيز قائلاً {إنا كفيناك المستهزئين}.
الفرق في التعامل مع الأزمة واضح وضوح الشمس، وينم عن الاختلاف بين من يتبع الحكمة منهجًا، ومن يسير على هواه بلا هدى. فالسعودية على مدار تاريخها لم تعرف اللجوء لأسلوب التهاتر أو التصريحات الإعلامية المتجاوزة، بل تتمسك باتباع الطرق الدبلوماسية والقانونية لانتزاع حقوقها وحقوق أمتها.
ومن المؤكد أن السعودية وغيرها من الدول العربية والإسلامية تقوم بجهود دبلوماسية مكثفة لوقف تلك الحملات العدائية، بأساليب فيها الكثير من الحكمة والتروي، وتعمل جاهدة على نزع فتيل الأزمة قبل فوات الأوزان؛ حتى لا نعطي مجاميع التطرف وكيانات الإرهاب الفرصة للبقاء والاستمرار، ولاسيما في هذا التوقيت الذي يشهد قرب النهاية الحتمية لتنظيمات داعش والقاعدة.
هذه الجهود الدبلوماسية ينبغي أن تُمنح الوقت الكافي حتى تحقق أهدافها. كذلك فإن الإساءة لفرنسا لن تخدم قضيتنا، بل على العكس سوف تسهم في تقوية موقف الطرف الآخر الذي يتهمنا بالإرهاب. والمظاهرات وما يصاحبها في العادة من أعمال عنف واعتداءات تمثل للكارهين فرصة ذهبية لتكرار مزاعمهم. كذلك من الخطأ أن نأخذ فرنسا كلها بجريرة حفنة من المتطرفين؛ لأن هناك من يتعاطف مع المسلمين، ويرفض الإساءة إليهم.
الأسلوب العملي للرد على التجاوزات والتطاول يكمن في نشر السيرة النبوية الصحيحة، وإظهار حقيقة الدين الإسلامي للآخرين، وأن ننقل لهم مقدار الرحمة الذي تحلى به نبينا الكريم.
كذلك بالإمكان مخاطبة العقلاء في العالم لإدانة الإساءة، وتأكيد أنها مجرد حملات كراهية وتعصب لا تمت بأي صلة إلى حرية التفكير والحق في التعبير، وغير ذلك من محاولات التبرير الواهية.
أما أسلوب الشتائم، ونهج العنف، والرغبة في الظهور الإعلامي، فهو يتنافى تمامًا مع الذوق الإسلامي العالي، ولا يمثل إلا صاحبه؛ لأنه لن يؤدي في النهاية سوى لتعقيد المشكلة، وتقديم صورة غير حقيقية عن الدين الذي جاء به خاتم الأنبياء رحمة للعالمين. ولن يكون حصادنا سوى استمرار حالة التشنج وعدم الاستقرار، وهو ما لا يخدم مصالح الإنسانية.