الأبواب الخلفية لهروب أطباء الأخطاء الطبية.. حِيَل تُضاعِف أوجاع المتضررين

"الصحة" تعلق على أحدث الحالات وتؤكد أن الهيئة الطبية الشرعية مسؤولة عن الهروب
الأبواب الخلفية لهروب أطباء الأخطاء الطبية.. حِيَل تُضاعِف أوجاع المتضررين

تعتبر أول مشكلة تُواجه ذوي المتوفى أو المصابين جراء أخطاء طبية، هي استكمال متطلبات رفع القضية، والتي يواكبها التأخير، بحسب استطلاع أجرته "سبق" مع مجموعة من المدّعين في جوانب الأخطاء الطبية؛ لكن المشكلة قد تنتهي بعد مدة معينة، وبعضهم يواجه بعدها لغزًا يصعُب حله، وهو تواري المتهم عن الأنظار، ثم السماع بخبر سفره خارج المنطقة أو خارج البلاد.
"سبق" حاولت حل اللغز وجمعت مجموعة من الأبواب الخلفية التي يستغلها المتهمون للخروج إلى غير رجعة أحيانًا.

خلال تقصي "سبق" حول فرار الأطباء، كانت معاناة مواطن مع طبيب غادر المملكة، واحدةً من الشواهد على الظروف التي يخلفها الهاربون خلفهم؛ إذ يروي المواطن يوسف عريشي والد الطفلة "ألين" التي تعرّضت لخطأ طبي تَمَثّل في جبيرة خاطئة لكسر يدها؛ إذ بدأ يوسف القصة مع مستشفى صامطة والشؤون الصحية والهيئة الطبية الشرعية قبل 4 سنوات و7 أشهر؛ مما تَسَبّب له في مشاكل في عمله، وتعارضت مراجعاته مع واجباته وخسائر مالية كبيرة.

"يوسف" كان يستغرب من المماطلة في القضية، حتى بعدما تقدم بشكوى رسمية بنفس التاريخ؛ ولكن قاموا بالمماطلة في القضية، واتهم إدارةً محددة بالتستر على الطبيب المتسبب وإنهاء عقده وترحيله، قبل تطبيق النظام بأخذ الوثائق المنصوص عليها في قانون وزارة الصحة التي تضمن حق المواطن؛ لا سيما وأن القضية أصبحت منظورة في الهيئة الصحية الشرعية بجازان ومقام عليه دعوى قضائية منظورة وتحت الإجراء.

تبعات الهروب

تسبب هروب الطبيب في عدم صدور الحكم من الهيئة الصحية الشرعية؛ نظرًا لعدم وجود الخصم أو من يترافع عنه بعد أن حضر يوسف 4 جلسات في الهيئة -اطلعت "سبق" على ما يثبت حضوره- وتم تعليق قضيته إلى الآن، ولا يوجد أي إجراء جديد يبشر بحسم القضية.

في قضية أخرى كانت التفاصيل مختلفة؛ ولكنها أيضًا يُستدل بها على تَبِعات مغادرة أو فرار الأطباء قبل صدور الأحكام الطبية التي تفصل في القضايا؛ حيث كانت تلك التفاصيل تتعلق بطبيب اتُّهم بخطأ طبي، قتل طفلًا قبل احتراق مستشفى جازان العام؛ وتحديدًا في عام 1434، وصدر الحكم بتعويض الورثة بمبلغ 300 ألف ريال؛ ولكن كان اللغز حاضرًا وهو اختفاء الطبيب والوكيل معًا؛ مما تسبب في عدم تنفيذ حكم تعويضه بعد هروب الطبيب إلى بلاده وعدم الإفصاح له عن وكيله الشرعي؛ ليبدأ بمطالبته فترة حديثه لـ"سبق".

وخلال اطلاع "سبق" على ملفي القضيتين قارنته بالقضية الثالثة، وهي التي نشرتها مؤخرًا وتتعلق بالحكم من قِبَل الهيئة الطبية الشرعية على كفيل طبيب غادر البلاد قبل أن يدفع التعويض المقرر (دية) 300 ألف ريال سعودي لورثة المتوفى من جنسية باكستانية، وكان العامل المشترك في تلك القضايا هو اختفاء الطبيب قبل الحكم عليه.

ومن خلال مقارنة الملفات، بدأت حلول اللغز تتكشف؛ وهي من أولها كيف يغادر الأطباء المتهمون قبل الحكم ليتسنى لهم تنفيذه! فكانت التفاصيل بين ملفات تلك القضايا تشير إلى أنه هناك بوابة خلفية بارزة يتمكن من خلالها أطباء الأخطاء الطبية من المغادرة إلى خارج المملكة أحيانًا.

وخلال تحري "سبق" عن أهم الثغرات وأكثرها استخداما بين المتهمين، وهي الفرار خلال إحالة المعاملات من المديرية إلى الهيئة، ولا يكون ذلك دون دعم يتلقاه المتهم يُسهم في تسريع السفر.

واستعرضت "سبق" القضية مع موظف شاهِد على إحدى قضايا مغادرة الأطباء، وفضّل عدم ذكر اسمه؛ إذ التقت به "سبق" خارج مقر عمله الصحي، وقال: القضية التي شهدتُ عليها هي مغادرة طبيب من جنسية أجنبية بعدما دخل السجن في قضية غير الخطأ الطبي الذي أدى لقتل طفل، وعندما علمت بأنه قد يخرج بعفو صدر آنذاك شاهدت أحد المعنيين بتلك الملفات وهو يعمل في المديرية -آنذاك- وأبلغته بأنه يتوجب عليه مخاطبة الجهات الأمنية وإبلاغهم بأن المتهم لديه قضية أخرى؛ ولكن أبلغني بأن هذا الأمر لم يعد من صلاحياته، وكان وقتها قد تم تسفير الطبيب لبلاده؛ ولكن بعد مدة سجنه وخروجه مستفيدًا من العفو؛ مما أدى إلى استمرار مطالبة الأب بحقه وهو ضمن الحالات التي نستعرضها في هذا التحقيق.

وتابع الموظف: كان من الممكن منذ تاريخ سجن الطبيب، أن تباشر الهيئة الطبية الشرعية أو المديرية إرسال خطاب للجهة القابضة أو السجون وإفهامهم بأن الطبيب ممنوع من السفر إن كانت فعلًا قد منعته من السفر بغرض تنفيذ الحكم الصادر ضده عام 1438.. ذكرت الصحة سابقًا أنه يمكن المطالبة بتنفيذ الحكم عن طريق الجهات المختصة؛ ولكنها لم تكشف عن كفيل الطبيب في الحالة المعنية.

وقال الموظف: أنا أتحدث عن هذه القضية ولا أحمل المسؤول خطأ؛ لأنه لم يعد يملك صلاحيات في تلك الفترة؛ ولكن الآن يجب أن يعاد النظر في آليات السماح للأطباء بالسفر، وأن يتم ربط الأطباء الذي يواجهون قضايا بأنظمة "أبشر" والنيابة العامة مباشرة ويُمنعون من السفر كليًّا.

الباب الأول

من خلال استقصاء "سبق" كان أول أبواب الفرار، هو التأكد من أن المدعي ليست لديه الثقافة القانونية الكافية أو لم يستشِر مختصًّا يوضح له الطريقة التي تتمثل في أن تُحال المعاملة من إدارة المتابعة أو جهة التحقيق الداخلية بالمديريات العامة، إلى الهيئة الطبية الشرعية، وحينها يتوجب على المدعي أن يتقدم بطلب منع سفر، وهي الثغرة التي تسببت في مغادرة عدد من الأطباء قبل استكمال الإجراءات النظامية.

الباب الثاني

وفي الباب عبارة المخالفات الإدارية وغياب جانب المتابعة، وهي أن يغادر الطبيب دون استكمال الإجراءات المطلوبة لسفره في حال أنه يواجه قضايا أخطاء طبية.

الباب الثالث

هو عند استكمال الإجراءات المطلوبة للسماح له بالسفر تأشيرة خروج وعودة، وتوفير الكفيل الغارم والتأمين الذي يتكفل بالدفع عنه عند الحكم عليه وإدانته؛ ولكن الطبيب لا يعود بعد ذلك؛ مما يعني أنه في حال الإخلال بالإجراءات يتحملها الكفيل الغارم.

رأي القانون

ومن جهته، أوضح المستشار القانوني بدر سعيد المالكي أن نظام مزاولة المهن الصحية عرّف الخطأ الطبي بأنه: "خطأ مهني صحي صدر من الممارس الصحي وتَرَتّب عليه ضرر للمريض، يلتزم من ارتكبه بالتعويض".

مبينًا أن آلية تقديم الدعوى: في حالة وجود خطأ طبي يتم عن طريق مديرية الشؤون الصحية التابعة للمنطقة، وبعد تلقي الشكوى، تقوم بتشكيل لجنة للتحقيق لإثبات وجود خطأ طبي من عدمه، وفي حال ثبوت الخطأ يتم إحالة الشكوى للهيئة الصحية الشرعية فيما يخص المسؤولية التأديبية أو المسؤولية المدنية أو كلتيهما معًا.

وأضاف: أما عن كيفية إثبات الخطأ الطبي فلا بد أن يثبت أن الطبيب قام بارتكاب خطأ طبي لكي يخضع للمساءلة القانونية بنوعيها الجنائي والتأديبي، ومسألة الإثبات هي أهم ركيزة في الدعوى؛ فيقع على المتضرر عبء إثبات وقوع الخطأ والضرر وإثبات العلاقة السببية بينهم.

وكذلك يكون التثبت بكافة طرق الإثبات الجنائي من إقرار وشهادة الشهود "إن وجد"، وكذلك العودة للتقارير الطبية في سجلات المستشفيات؛ وبذلك فإن ثبوت الخطأ يستوجب حق المطالبة للمريض عما أصابه من ضرر حيال هذا الخطأ.

المحاكمة

وتابع المستشار: الهيئة الصحية الشرعية هي الجهة القضائية المختصة، وهي مكونة من قاضٍ شرعي يُعيّنه وزير العدل، ومستشار نظامي يعينه وزير الصحة، وطبيبان من ذوي الخبرة والكفاية. كما أن الهيئة الصحية الشرعية تختص بالنظر في الأخطاء الطبية الصحية التي ترفع بها مطالبة بالحق الخاص (دية، تعويض، أرش) وكذلك النظر في الأخطاء المهنية الصحية التي ينتج عنها وفاة أو تلف عضو من أعضاء الجسم، أو توقف منفعة، أو بعضها؛ حتى ولو لم يكن هناك دعوى بالحق الخاص.

وقال: كما حددت المادة الخامسة والثلاثون بالفقرة الخامسة، أن على المدعي بالحق الخاص أن يُقدَّم إلى رئيس الهيئة الصحية الشرعية أثناء نظر الدعوى أو بعد إحالتها إلى الهيئة مباشرة دعوى مستعجلة لمنع خصمه من السفر، وعلى القاضي رئيس الهيئة أن يصدر أمرًا بالمنع إذا رأى مبررًا لذلك.

وبيّن أن قضايا الأخطاء الطبية تتميز بطابعها الخاص عن غيرها من القضايا؛ فليس هناك توقيف أو حبس أو جلد أو عقوبات تعزيرية؛ باستثناء من زاول المهنة الصحية بدون ترخيص أو ما نصت عليه المادة ٢٨/٧ وكذلك اهتم النظام بالإجراءات الشكلية والمدد النظامية؛ بحيث إن الحق العام يسقط بمرور سنة من تاريخ العلم بالخطأ الطبي بينما الحق الخاص لا يسقط نهائيًّا.

وأضاف: المسؤولية الجزائية بالمادة الثامنة والعشرون أوضحت أنه يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز ستة أشهر وبغرامة لا تزيد على مائة ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين.

كما حددت المادة الحادية والأربعون أن يكون الاشتراك في التأمين التعاوني ضد الأخطاء الطبية إلزاميًّا على جميع الأطباء العاملين في المؤسسات الصحية والعامة والخاصة؛ حيث تضمن هذه المؤسسات والمنشآت سداد التعويضات التي يصدر لها حكم نهائي على تابعيها، إذا لم تتوافر تغطية تأمينية أو لم تكفِ، ولها حق الرجوع على المحكوم عليه فيما دفعه عنه.

كما أن المادة ٤٠/٢ أوضحت أن للمارس الصحي المؤجل أو الممنوع من السفر حق الاعتراض، ويقوم بتقديم طلب رفع تأجيل السفر للجهة المختصة مرفقًا:

أ- وثيقة تأمين سارية وقت الإجراء الطبي محل الشكوى.

ب- إثبات إبلاغ شركة التأمين بالشكوى المرفوعة ضده.

ج- كفالة غرم وأداء بدفع الحق العام ولجهة عمل الممارس الصحي تقديم تلك الكفالة.

واختتم توضيحه: وذلك حفظًا لحق المدعي المتضرر من مغادرة المتسبب له بالضرر، وضمانًا لمطالباته، وتمكينه من حقه بالتعويض أو الديه حسب ما تحكم به الهيئة الصحية الشرعية من ضرر. ويذكر أن ما نصت عليه المادة ٤٠/٢ هي باللائحة المعدلة بالقرار الصادر رقم ٤٠٨٠٤٨٩ بتاريخ ٢/ ١/ ١٤٣٩هـ.

"سبق" استفسرت من المتحدث باسم "صحة جازان" حول شكوى يوسف عريشي من هروب الطبيب المتهم، وقال المتحدث محمد دراج: نوضّح لكم أنه تم التفاعل مع الشكوى المقدمة من والد الطفلة (أ.ي.ع) وقد قامت "صحة جازان" بتأجيل سفر الطبيب لحين انتهاء التحقيقات الأولية؛ تماشيًا مع نظام مزاولة المهن الصحية، وقد تقدم الطبيب بطلب رسمي بعدم التجديد، وتم إحالة القضية للهيئة الطبية الشرعية بعد انتهاء التحقيقات، وفيما يخص حظر السفر فهو في صلاحيات الهيئة الطبية الشرعية.

وفي ختام هذا التحقيق، نطرح بعضًا من الحلول التي تحدّ من حالات هروب ومغادرة الأطباء قبل صدور الحكم النهائي وهي: توحيد نظام منع سفر الأطباء بين الهيئة والمديريات الصحية؛ حتى لا يستغل الفارق الزمني وجهل المتضرر أحيانًا، وتعميم اسم الطبيب المتهم على الجهات المعنية بشكل فوري؛ حتى لا يتم ترحيله قبل تنفيذ الحكم وإنصاف المدعي أو تبرئة المتهم، وكذلك إيقاع عقوبات مشددة على من يتورط في تهريب طبيب متهم عبر استغلال أي ثغرة.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org