ماذا يعني أن تظهر دعوات مستمرة من بعض إخوتنا العرب، للثورة في السعودية أو الإمارات أو الكويت أو البحرين؟!
ماذا يريد هؤلاء من الشعوب الخليجية؟!
لماذا يتدخلون في شؤونا؟!
لماذا يُنَصّبون أنفسهم أولياء أمور علينا؟!
حقيقة إن هذه الظاهرة تستحق التأمل والتحليل والمزيد من الدراسة؛ لمعرفة الدوافع الكامنة وراء هذه الدعوات، والمرتكزات التي تنطلق منها، والأهداف من ورائها.
إن الركيزة الأولى -من وجهة نظري- أيديولوجية؛ سواءً كانت دينية أو طائفية أو مذهبية أو حزبية أو قومية، تقف وراءها قوى لا يستهان بها على الإطلاق، قد تصل إلى مجموعة من الدول التي تؤمن بتلك الأيديولوجيا وتعمل صفًّا واحدًا من أجل نشرها وتعميمها، وجعلها مطية لتحقيق الأطماع السياسية.
فإذا أخذنا الدين، وجدنا الشعوب الخليجية تدين بالإسلام في مقابل النصرانية واليهودية، ومن المؤكد أن هناك أحزابًا راديكالية متطرفة تعمل جاهدة للنيل من الإسلام والمسلمين، وتدفع بكل الأفكار والأموال في سبيل تحقيق ذلك، وما إسرائيل عنا ببعيد.
أما إذا أخذنا الطائفة؛ فإننا سنجد السنة مقابل الشيعة، وتعتبر إيران أوضح مثال على تبني المذهب الشيعي ودعم جماعاته المتطرفة، وتبنّي نشره، والنص على تصدير الثورة في دستورها، والعمل من أجل تحقيق ذلك، ولسنا بحاجة لاستعراض تدخلاتها في المنطقة أو البرهنة عليها.
وعندما يكون الحديث عن الحزبية؛ فإن طموح حزب الإخوان المسلمين للسلطة والحكم في العالم العربي، جعله في صراع مع الأنظمة العربية، وصل إلى تكفير الحكام، وحمل السلاح، والقيام بعمليات التفجير والاغتيالات، وانبثقت منه الجماعات الإرهابية كالقاعدة وداعش التي ترفع جميعها شعار الحزب (الخلافة)، وقد تبنت دول بعينها هذا الفكر ودعمته بالأموال والإعلام والحماية مثل تركيا وقطر، وإيران كذلك.
وهنا لا بد من الحديث عن أحزاب أخرى خاضت صراعًا مريرًا ضد الحكام العرب وانقلبت على بعضهم؛ بل وهيمنت على دول وخاضت باسم الحزب حروبًا ضد شعوبها العربية، كما هو حال القومية الناصرية العروبية في مصر، أو القومية البعثية في العراق وسوريا.
إن هذه الركائز والمنطلقات، هي دوافع في نفس الوقت عندما تصدر عن قناعة، ولا شك أن المؤمنين بتلك الأيديولوجيات كثر في العالم العربي؛ ولذا فإن دعواتهم ستستمر ضد أنظمتنا السياسية حتى تحقيق أهدافهم، والتي يمكن إجمالها في بسط نفوذ هذه الأيديولوجيا أو تلك.
أما المرتكز الثاني فهو العمالة، وقد تكون هذه العمالة عمالة حقيقية لأجهزة مخابرات، ويمكن تسميتها بالجاسوسية فعلًا، وقد تكون مجرد ارتزاق هدفه المال، ولا شك أن عملاء المخابرات والمرتزقة من عالمنا العربي موجودون، لا كثّرهم الله، وهم يعملون في الخفاء عبر جمع المعلومات والتجسس وخلافه، أو بشكل علني عبر الظهور كنشطاء وإعلاميين وخلافه، وقد كشفت الأزمات المتلاحقة والخريف العربي أعدادًا كبيرة من هؤلاء أذكر منهم: تيسير علوني، ولينا الشبل، وغسان بن جدو.. أما المرتزقة فهم أكثر من أن يُحصَوْا، وتجد قنوات مثل الجزيرة القطرية أو البي بي سي البريطانية أو فرانس 24 تغص بهم.
المرتكز الآخر، هو الحسد؛ فالشعوب الخليجية تنعم بخيرات وفيرة وحياة رغيدة، وتعليم وصحة ورفاه ووعي كبير، وقفزات حضارية كبيرة؛ حتى أصبحت متفوقة بفوارق كبيرة عن بقية أخواتها من الدول العربية، ومما لا شك فيه أن الإنسان حين يعقد مقارنة بين حاله وحال غيره، أو بين دولته ودولة خليجية، قد يخالجه الأسى والحزن على حاله وحال دولته وهو يرى كيف أصبحت متأخرة بينما كانت في يوم من الأيام في المقدمة، وهنا ربما يكون الباب مشرعًا للحسد، والانغماس فيه لدرجة العداء، والمطالبة بتوزيع الثروات.
إن الجهل بالنسيج الاجتماعي الخليجي، وبطبيعة العلاقة القبلية والأسرية بين الحاكم والمحكوم، والجهل بالتاريخ، والإيمان بالديموقراطيات حتى وإن كانت مشوّهة وجرّت الويلات على تلك الشعوب العربية، والشعور بالفوقية والأفضلية، وممارسة الأستاذية، وازدراء عقول الشعوب الخليجية؛ هي عوامل أخرى لظهور مثل تلك الدعوات؛ ولكنها لا ترقى لأن تكون إحدى الركائز.. ومهما يكن من أمر؛ فإن تلك الدعوات جميعها -مهما كانت دوافعها- لا تحمل في طياتها أي خير لشعوب الخليج، ولا تدخل ضمن التمنيات الطيبة؛ بل لها أهداف سيئة تحمل في داخلها الشر وتُضمره لنا.
أعود للإجابة على الأسئلة التي طرحتها في مقدمة هذه المقالة، فأقول:
إنهم يريدون دمارنا؟!
باختصار كل أولئك لا يحبوننا حتى وإن أظهورا الحرص علينا.
إنهم ثلاث فئات لا أكثر، مؤمنون بأيديولوجيات معادية لنا ويريدون فرضها علينا، أو عملاء ضمن مشاريع مخابراتية، أو مرتزقة وعبيد للمال.
وسيستمرون بالتدخل في شؤوننا؛ ولذلك يجب علينا أن نكون حذرين ومنتبهين لكل ما يحاك لنا.
إن الوعي والحرص والالتحام حول قادتنا، هي الصخور التي تتكسر عليها جميع مجاديف أعدائنا.