منذ انطلقت أولى حلقاته ووسائل التواصل الاجتماعي تتناول مسلسل "العاصوف" في اتجاهين مختلفين؛ فالمحبون تناولوه بالثناء والتمجيد والمصادقة على الأحداث في المرحلة ما قبل الصحوة، والمناوئون تناولوه بالانتقاد والتعليق والتجريح أحيانًا. وكنت أرى أن نقد أي عمل أدبي أو فني يجب أن يكون بعد اكتماله؛ فلا يصح تناوله بالنقد الإيجابي أو السلبي وهو في بدايته، ولا في وسطه؛ لذا آثرت التوقف عن الكتابة حول العاصوف حتى تكتمل حلقاته، وها نحن الآن اقتربنا من نهاية الجزء الأول، واتضحت صورته النهائية؛ فلنحاول تسليط الضوء على مسلسل العاصوف من وجهة نظر محايدة.
العمل الروائي الذي قدمه القصبي ورفاقه تناول المجتمع السعودي في التسعينيات الهجرية. وقد عشت تلك المرحلة بكل تفاصيلها، بل كتبت عنها روايتي (غياب) المنشورة عام 2017م، التي تتفق مع العاصوف في كثير من المواقف المتشابهة، وتتقاطع معه في مواقف أخرى. فالجلسات الأسرية، والسينما في الأندية الرياضية، وثقافة مصاهرة الأقارب، وبداية التنمية.. كلها كانت حاضرة في الرواية. ولست مع تكثيف الضوء على السلبيات الاجتماعية في تلك الفترة التي بدت واضحة المعالم في العاصوف. ولست مع القسوة على الفترة التي صاحبت الصحوة؛ فهي ليست كلها سلبية، وإن كانت مرحلة صعبة، عانى وتأذى منها المجتمع السعودي بسبب تشدد الخطاب الديني، ولكنها لا تخلو من الإيجابيات التي رسمت صورة محافظة للمجتمع، وخلق خصوصية اجتماعية، كانت محل زهو، يباهي بها بعضهم المجتمعات الأخرى. وكانت هناك أخطاء فردية، قام بها بعض الحركيين، وتأذى منها المجتمع، وانعكست عليه الآثار السلبية؛ ما حدا بالدولة مؤخرًا إلى أن تسد الخلل، وتعالج المشكلات الناجمة عن تلك الفترة، وصححت كثيرًا من المفاهيم الخاطئة؛ لتواكب البلاد التنمية الحضارية الحديثة، وتنطلق لتنافس الدول الأخرى في مختلف المجالات الاجتماعية والثقافية والسياسية.
العاصوف عمل درامي جيد، استمتعنا بمتابعته خلال عرضه على الشاشة الصغيرة في ليالي شهر رمضان المبارك. كان رتم المسلسل بطيئًا وهادئًا. نقل صورة صادقة من ماضينا الجميل (زمان الطيبين)، مشيرًا إلى بعض فصول المرحلة قبل متسلقي الصحوة الذين اختطفوا المجتمع باسم الدين، وبسببها تغيرت بعض العادات الاجتماعية، وساهمت في تشتت المجتمع وعزله عن بقية المجتمعات العربية والإسلامية، وحرمانه من وسائل الترفيه التي كانت متاحة للجميع، وخلقت مجتمعًا مأزومًا متناقضًا مصابًا بانفصام في شخصيته، وصنعت وجوهًا عابسة، خائفة من الحياة.