العقل مناط التكليف؛ فعندما كلف الله - سبحانه وتعالى – الإنسان بعمارة الأرض لتكريمه إياه بالعقل عن سائر المخلوقات؛ فكان هذا العقل مناط تكليف، وعامل تشريف، وتكريم؛ لذلك أمرنا بالمحافظة عليه، واستخدامه.
والمنطق وُجد لمساعدة العقل في قياس الأمور غير الدينية التوقيفية؛ فأصبح الإنسان منذ الأزل يقيس الأمور التي لم يأتِ بها نص شرعي بالعقل والمنطق، فما وافقهما أخذ به، وسار عليه، وما خالفهما نبذه، وأعرض صفحًا عنه؛ لذلك قالوا: "حدِّث العاقل بما لا يعقل، فإن صدَّق فلا عقل له".
وهناك الكثير من الأمور في زماننا هذا تندرج تحت "ما لا يُعقل"..!! ورغم ذلك أصبحت واقعًا ملموسًا نعيشه..!!!
فهل أصبحنا ممن "لا عقل له"؟!!
والأمثلة على ذلك كثيرة جدًّا، ولكنني سأكتفي بمثال واحد فقط خشية الإطالة، ولدلالته الواضحة على "ما لا يُعقل"..!! ولمخالفته الصريحة الواضحة للعقل..!! ولمعارضته البينة الفاضحة للمنطق..!! فلا يمكن أن يقره عقل أو يقبله منطق..
فما هذا الأمر الذي حيّر العقل، وكسر ظهر المنطق؟!!
- إنه (ا ل ع ق ا ر) يا سادة..
- العقار؟!!
- نعم، العقار الذي تجاوز بأسعاره حدود العقل كلها، ونسف خلف ظهره كل محاولات تمريره على منطق من الممكن أن يقبله إنسان، وعبر محيطات الواقع إلى ظلمات المستحيل..!!
فهل يعقل أن يصل سعر متر الأرض في صحراء لا توجد فيها مقومات العيش الرغيد أكثر من (١٦٠٠) ريال في الرياض..؟!! وهل يعقل أن يتجاوز سعر "جُحر جربوع"، أو ما يطلقون عليه تجاوزا "فلة"، المليون ريال..؟!!
فأي عقل يعي هذا؟!! وأي منطق يقبله؟!! ولماذا يصل العقار هذه الأسعار؟!! فلو تأملت أسعار الأحياء الجديدة التي ترامت في أقاصي العاصمة الرياض لوجدت أن أسعارها تجاوزت حدود العقل والمنطق، وأصبحت ضربًا من المستحيل.. فهل هذا منطق؟!!
فما الذي يجعل سعر المتر في حي مثل "البيان" يتجاوز (١٦٠٠) ريال، ونصف سكان الرياض لم يسمعوا بهذا الحي، فضلاً عن معرفته..!! عجبي!
وليت الأمر يقف عند هذا الحد؛ فالأسعار بازدياد وارتفاع مخيف، حتى أصبحت تسري في عقولنا كانتشار النار في الهشيم..!! وليت الطامة متوقفة على الأسعار..!! بل تجاوزتها إلى الغش في البناء..!! فهذا المسكين المغلوب على أمره الباحث عن مأوى لأبنائه يرضى بـ"جحر الجربوع" هذا ليلمَّ شتات أسرته ظنًّا منه أنه سوف ينسى هم المسكن؛ ليلتفت لمصارعة أمور الحياة الأخرى، ولكنه يُصدم بدخوله في دوامة جديدة، تتمثل في عيوب هذا الجُحر وإصلاحاته..!!
والسؤال الذي لم أجد له إجابة منذ أن كتبتُ قبل سنوات عدة مقالاً بعنوان: "جُحر ضب فاخر للإيجار": لماذا كل هذا الغلاء؟ ولماذا الارتفاع بازدياد غير منطقي؟!! وإلى متى تستمر هذه المعاناة..؟!!
ومضة: كنا في "جُحر ضب فاخر للإيجار" وأصبحنا في"جُحر جربوع بمليون..!!!!!". فهل هذا "عقار أم نار"..؟!!