خنادق التصنيف أرهقتنا
كتبه: علي بن سعيد آل عامر
كتب الكثير من المثقفين والمفكرين في بلادنا الحبيبة (السعودية) عن أهمية الوحدة والاصطفاف، ونبذ الخلافات - ولو في الوقت الحالي- ضد المخاطر المحيطة بنا، خاصةً وأننا في وقتٍ يجب فيه أن نتحد ضد خطرٍ يحيطنا ويكيد لنا ويمكر أشد المكر بنا، ألا وهو الخطر الفارسي وآماله و طموحاته التي تهدف إلى إعادة إمبراطورية {فارس} والتي بدأها منذ عقودٍ عبر تصدير ثورة {الخميني} ومحاولة السيطرة على البلدان إلاسلامية ونشر المذهب الصفوي بها، ودعم الجماعات الشيعية وكسب ولائها، واحتضان المذاهب والأفكار المخالفة للقرآن الكريم والسنة النبوية.
وهناك مخاطر أخرى ليست بأقل خطورةً على بلادنا، تأتي من خلال أفكار وثقافة {التغريب} والتي فشت وتغلغلت في مجتمعنا، ويمثلها بعض الشخصيات المحسوبة إعلامياً، مستغلين إعلامنا العربي المرئي والمسموع والمقروء وبرامج التواصل الاجتماعي بالترويج لأفكارهم، رغم أنهم لا يتمثلون ولا يمتثلون لقواعد ومنهجية تلك الأفكار.
وليس الخوارج أصحاب الغلو المتشدد في أفكارهم، والتفسيرات اللامعقولة لهم، وأفعالهم المسيئة، أمثال {داعش والقاعدة} بأقل خطورةٍ مما سبق، حيث اتخذ من الإسلام اسمه، وأصدر الفتاوى حسب تأويلاته وهواه، وأحل قتل من خالفهم، فلم يسلم منهم مسلماً، وجعلوا أهل السنة عدوهم ونصب أعينهم ، وأحلوا لأنفسهم قتل النساء والأطفال والعجائز، وروجوا لأفكارهم الهدامة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وجذبوا إليهم كل جاهل ومجرم، وجذبوا أنظار الشرق والغرب لأفعالهم، فانعكست النظرة إلى المسلمين بسبب جرائمهم.
وفي ظل انشغالنا بتلك المخاطر وترقبنا لها، كانت فرصةً كبرى لمذاهب أخرى استغلت المواقف فنمت وتنمو وتقرَبت واقتربت كالصوفية والإسماعيلية، ووجدت مساحةً وفضاءً ويسراً وتأييداً، وعلى أنه لم يحدث منهم – حتى الآن- ما يتطلب مواجهتهم، إلا أنهم على خلاف مذهبنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم.
ولا ننسى أننا نواجه أزمات اقتصادية كما في العالم، ونواجه قضايا إسلامية تتوجب علينا الاهتمام بقضاياهم، لأننا بلاد الحرمين الشريفين، وقبلة المسلمين، ومركز أنظارهم وآمالهم، كما أننا نعاني من تغيرات في العلاقات الخارجية عربياً وعالمياً، تتطلب منا جهداً وفكراً وتخطيطاً وتنظيماً وتنفيذاً.
وإذ بنا بدلاً من مواجهة تلك المخاطر، والتوحد والوحدة أمامها، ومحاولة تقويم الأفكار لدينا إلى الطريق الصحيح واجتثاث المخالفة والسيئة من جذورها، توجهنا إلى ما زاد من تفرقتنا، وأوجد لعدونا ثغوراً وفرصاً، ألا وهي {{خنادق التصنيف}} .
وبدأت عملية التصنيف ممن نعدهم ونراهم ونحتسبهم قدوةً ومثالاً ومنبراً ورمزاً في مجتمعنا بعضهم دعاة علم ودعوة، وغالبيتهم مفكرين وكتاب وإعلاميين، فبدأنا نرى جدالاً لا مناقشة، وتنظيراً وتجريحاً لا نصحاً ولا نقداً، وأصبح بالإمكان تصنيف الآخر ورميه وقذفه إلى إحدى خنادق التصنيف بلا دليلٍ ولا تثبُت.
وقد تنوعت وتعددت خنادق التصنيف إلى مذهبيةٍ كانت أو فكرية، فتم تصنيف المذهب الواحد الذي نحن عليه إلى فروعٍ وربما إلى أوراق! فلم نعد مذهب أهل السنة الواحد، فتم تصنيف مجتمعنا السني إلى سلفي وإخواني، سروري وجامي ومدخلي، وتصنيف فكري إلى صحوي وتنويري، ليبرالي وعلماني، إضافةً إلى التصنيفات القديمة، القبلية منها والمناطقية، وبدأنا نرى ذلك التصنيف بشكل واضحٍ وجليٍ عبر برامج التواصل الاجتماعي المختلفة، حيث لم تقتصر عملية التصنيف على ( القدوة) فقط، بل امتد ذلك التصنيف ليشمل رهط أولئك القدوة - كما نراهم- ، وتفشى ذلك الوباء (كما أسميه أنا) إلى أفراد مجتمعنا الذين اقتدوا برموزهم ورهط رموزهم ( ولا عتب على من اقتدى).
وكلما أطلت علينا أزمةً أو أحدق بنا خطراً بما يوجب علينا أن نكون يداً واحدةً لمواجهته، إذ لا نزال نقبع في مستنقع التصنيف ونرمي بالغير فيه عند كل حوارٍ ومناقشةٍ، وكلما تأملنا وحدتنا وردم ودفن تلك الخنادق، أو تأجيل عمليات التصنيف - ولو في الوقت الحالي- لنثبت ونتماسك ونتوحد فيشتد بأسنا على عدونا، وتقوى عزيمتنا، لمواجهة تلك المخاطر والأزمات، وجدنا أننا لا زلنا في تلك الدائرة.
فهل يا ترى سيقبل ويتقبل (قدوات) مجتمعنا نصيحةً منا والاكتفاء بما سبق من مناكفات وتصنيفاتٍ بلا أدلةٍ أو تثبُتٍ، والاستغناء عن ذلك الوباء، وإيجاد توافقات واتفاقات بتحويل الجدالات إلى مناقشات وحوارات ومناظرات، وتحويل التنظير والتجريح إلى نصحٍ ونقد؟ أو على الأقل تأجيل الخصومة والرمي في خنادق التصنيف إلى وقتٍ الرخاء والسعة؟ نأمل ذلك.