"ابني لا يطيعني"، "ابني لا يستجيب لي"، "ابني لا يرد على اتصالاتي"، "ابني تمرد على أوامري"، "أعينوني على ابني"، "ابني... ابني..."... عبارات يسمعها التربويون كثيرًا في السنوات الأخيرة، لم تكن موجودة إلا نادرًا، ونادرًا جدًّا جدًّا جدًّا في السابق..!!
فما الأمر؟!! وما الذي حدث؟!! وما الذي تغير وتبدل؟!! ولماذا كثرت هذه الشكاوى في هذا العصر؟!! وهل تمرد الأبناء؟!! ولماذا؟!!
كل هذه الأسئلة وأكثر منها تدور في خلد الكثير من الناس في الآونة الأخيرة..!! فبعضهم يهتدي لكثير من الأسباب المؤدية لذلك، وبعضهم يجهل معظمها..!! وبعضهم ينكرها.. وبعضهم لا في العير ولا في النفير..!!
الأمر ينبع من قول المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء".
نعم، هذا الابن وُلد على الفطرة، والفطرة سليمة صحيحة؛ فالطفل يولد وفطرته تسير باتجاه كل شيء صحيح وسليم، سواء أكان دينًا أو خلقًا.. فلو تُرك وهذه الفطرة لاتبع الدين الحنيف الصحيح، ولكانت أخلاقه أفضل الأخلاق وأسماها، ولكن التربية التي يربيه عليها والداه هي التي تبقيه على هذه الفطرة، أو تحرفه عنها؛ فإما أن يبقى على الدين الإسلامي الحنيف، أو يحرفانه تجاه اليهودية أو النصرانية أو المجوسية والعياذ بالله. وكذلك الأخلاق، فإما أن يتعاهداه بالتربية على الأخلاق الحسنة الحميدة التي جاء بها الدين، أو التي أقرها وحث عليها، أو يحرفانه عنها إلى غير ذلك..!! أو إنهما يهملانه ويتركانه للحياة تتقاذفه أمواجها كيفما سارت..!! فتارة إلى خير وصلاح، وتارة إلى غيرها..!!
وهنا مربط الفرس في موضوعنا؛ فالوالدان اللذان يهملان الابن منذ نعومة أظفاره، ويتركانه للحياة تتحكم في تربيته، قطعًا لن يخرج كما يريدان، ولن يسير وفق ما يريان، ولن تعجبهما تصرفاته، ولن تكون طاعته لهما كما يرغبان؛ لأنهما تركاه للشارع يربيه، وللأقران يتحكمون في طباعه، ويوجهون أخلاقه..!!
فلو أنهما تعاهداه بالتربية الصحيحة منذ البداية، وتابعا تصرفاته في كل مراحل نموه، وربياه على الخير والصلاح، ووجهاه التوجيه الصحيح، لخرج صالحًا بارًّا بهما -بإذن الله- مطيعًا لهما، بل يجعل رغباتهما أوامر.
لذلك نقول: أيها الوالدان الكريمان، حُسن تنشئة الابن، ومتابعته، وتوجيهه، وإرشاده.. عوامل صلاحه بعد توفيق الله، وسيره على النهج القويم، وطريق بره بكما. ولا تنسيا أن النشء ينشأ على ما تعوِّدانه عليه، فإن تعاهدته عزيزي الأب منذ الصغر، وكنت قريبًا منه، سيبقى تحت جناحك، ويأتمر بأمرك، وينتهي بنواهيك.. وإن أهملته في صغره، ولم تكن قريبًا منه، فقطعًا لن يشعر بك عندما يكبر، ولن يطيع أوامرك، ولن يتقبل منك؛ فقد فقدك وقت حاجته إليك؛ فستفقده وقت حاجتك إليه.. فلم يشعر بوجدك في صغره؛ لذا لن تشعر بوجوده في كِبَره..!! فلو شعرت به لشعر بك..!! فالأحاسيس غالبًا تكون متبادلة.. والنشء على ما عودته عليه..
كما قال الشاعر: وينشأ ناشئ الفتيان منا ***** على ما كان عوَّده أبوه.