بأي عبارات به أبدأ❗ وأي كلمات له أكتب يالها من لحظات تاريخية ومواقف تختلط فيها المشاعر؛ إذ كيف يكتب الصغار عن أشرف من وطأت قدماه الثرى، وكيف لمفرط مقصر يترجم عمن رفع لواء الحق والإسلام والسلام، وكيف لمسكين ضعيف مثقل بالخطايا والذنوب ليمتدح تلك المحامد لخير الأنام ولهذه الشخصية الاستثنائية والقائد الأعلى لكل قائد موحد، من امتدحه ربه من فوق سبع سماوات وبجوار سدرة المنتهى بكمال الخلق وجمال الأخلاق، فقال جلت قدرته: (وإنك لعلى خلق عظيم). أخبروني أيها السادة والسيدات كيف لإنسان منكسر يطلب عفو ربه يكتب ويترجم عن النبأ العظيم وعمن أوتي الحكمة والعصمة وفصل الخطاب
أي قلب أحمله! وأي خجل يعتريني!؟ وأنا أسطر بأناملي عن خاتم الأنبياء والمرسلين وإمام الغرّ المحجّلين، مَن بُعث بالرحمة للعالمين، ثم لا تعتريه تلك المشاعر والقشعريرة ولا ينتفض لها.
إنه يا سادة محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب، سيد ولد آدم وأول من ينشق عنه القبر، من عاش يومًا يتيمًا فقيرًا ثم صار مطاردًا شريدًا فأصبح بعد معاناة وصبر إمامًا للمسلمين وخاتمًا للأنبياء والمرسلين وخليفة الله على أرضه والشافع المشفع بالمحشر••
من فتح الدنيا بلا إله إلا الله، وحرر الإنسان والمسجد الحرام بجاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا، وحطم الأزلام والأصنام بالتوحيد، عند هذي اللحظات التاريخية من عمق التاريخ تتساقط دموعه حارة على خده الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام لهذا الموقف التاريخي العصيب، عندها يعلو الكعبة بتوجيهه وأمره (بلال ابن رباح) ليصدح بنداء الحق:《الله أكبر الله أكبر》لتنتصر بذلك المبادئ المحمدية ويعلو صوت الحق أركان بيت الله الحرام وأرجاءه ليعلن بذلك انتهاء العبودية إلا له سبحانه، وانتهاء الولاء والبراء إلا لدينه.
عند هذه اللحظات الفارقة تعلو الأصوات مطالبة بالعفو عمن أساؤوا إليه❗ فيصدر من جاء بالحنيفية السمحة مرسومًا نبويًّا كريمًا بالعفو العام عنهم جميعًا بيوم شهدت له ملائكة الله في أرضه وسمائه وتشهد له الإنسانية والتاريخ والحجر والشجر••
فكانت هذي الملحمة التي كُتبت أجزاؤها بماء العيون لتشهد تلك الحقبة من التاريخ بداية الانطلاقة للعالمية ليسود أصقاع العالم الإسلام والسلام والخير (للإنسانية جمعاء) وينتشر التسامح والعفو والأخلاق الكريمة كل أنحاء المعمورة، ويختتم (العهد النبوي الكريم) ويعلن رسميًّا من فوق سبع سماوات ختام النبوة والرسالات، وينادى في العالمين أن محمد بن عبدالله هو خاتم الأنبياء والمرسلين.
وهاهي مبادؤه عليه الصلاة والسلام تصل للذين آمنوا به ولم يروه وأحبوه ولم يجالسوه ودافعوا عنه ولم يحضنوه (وهم المحجلون من الوضوء)، وهذي لا شك هي العلامة التي سوف يعرفهم بها ويمدّ بيديه الشريفتين لهم طوق النجاة فيشربون شربة هنيئة من حوضه المبارك لا يظمؤون بعدها أبدًا، بتلك الأهوال المذهلة والعصيبة والتي لا يتحملها العقل البشري بيوم يفر فيه المرأ من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه.
فيا ربِّ لا تحرمنا حوضه ورؤيته ومجالسته بيوم لا ينفع فيه الندم.
في أمان الله