

تُمثّل اللهجات في المملكة أحد أبرز أوجه الهوية المحلية، وتكشف الكثير عن ذاكرة المجتمع وتاريخه وحياته اليومية. وفي هذا السياق، يؤكد الباحث في الموروث النجدي المستشار عبدالعزيز بن سليمان الحسين — المشرف على ديوانية آل حسين التاريخية في منفوحة — أن لهجة الرياض وما حولها ليست مجرد طريقة كلام، بل هي امتداد حيّ للمجتمع النجدي وقيمه وثقافته العريقة.
ويشير الحسين إلى أن الجزيرة العربية بطبيعتها كانت وما زالت بيئة غنيّة بالظواهر اللهجية، وأن لهجات مناطق المملكة قريبة من الفصحى بحكم أصل القبائل العربية وقلّة الاختلاط التاريخي، وهو ما جعل هذا الإرث اللغوي أكثر نقاءً ووضوحًا.
اللهجات القديمة.. ظواهر ما زال أثرها حيًا
يستعرض الحسين أبرز الظواهر التي عرفتها لهجات الجزيرة العربية، ومنها السينية، والتلتلة، والكشكشة، والعنعنة، والطمطمانية، مشيرًا إلى أن هذه الظواهر كانت جزءًا من نسيج اللهجات النجدية القديمة، وما زالت بعض آثارها باقية حتى اليوم في لهجات وسط المملكة.
السينية.. سمة الرياض الأبرز
ويؤكد الحسين أن لهجة أهل الرياض عُرفت تاريخيًا بـ"السينية"، حيث يُستبدل حرف الكاف سينًا عند مخاطبة المؤنث، مثل: شفتس – علومس – أخوس. ورغم التطور الحضري واتساع المدينة، ما زالت هذه الخصيصة حاضرة لدى كبار السن وأهالي الرياض الأصليين.
كما تتميز اللهجة — كما يوضح — بوضوح نطقها وقربها من العربية الفصيحة، مع بقايا تأثيرات العنعنة والكشكشة، إضافة إلى مفردات محلية ارتبطت بالبيئة النجدية مثل: هالحزة، زود، علومك؟ وغيرها.
مفردات نجديّة.. لغة حياة وليست كلمات
ويرى الحسين أن كثيرًا من الكلمات القديمة ما زالت تُستخدم عند كبار السن، وتشكل سجلًا لغويًا يحفظ أسلوب الحياة في الماضي. ومن ذلك:
تبغور، يترهدد، يمغمغ، طايرة بوهته، يتشلّق، يهذّي، دبلت تسبد، يحوم التسبد، زمّر، زمينه، يتزحجل، صوغة، البزقه، جعله ريح أم الرحاريح، ما يراها في الساس… وغيرها عشرات المفردات التي تعكس طبيعة المجتمع، وبيئته، وطريقة عيشه.
لهجة الرياض.. جزء من روح المدينة
ويصف الحسين لهجة الرياض بأنها جزء من هوية العاصمة وذاكرتها، فهي تحكي عن بيئتها النجدية القديمة، وترابط أهلها، وبساطة عيشهم. ومع تحوّل الرياض من بلدة صغيرة إلى مدينة كبرى، بقيت لهجتها محافظة على أصالتها، رغم التحديث والتداخل الاجتماعي الواسع.
حضور مستمر رغم التغيير
ويؤكد أن اللهجة القديمة لا تزال حاضرة بقوة في البيوت والمجالس والديوانيات، كما أن الاهتمام الكبير بالموروث في المملكة ساهم في إحيائها وتوثيقها، خصوصًا مع الجهود التي يبذلها الباحثون والشباب في جمع المفردات والروايات الشفهية وتعزيز حضور الهوية المحلية.
رسالة للجيل الجديد
ويختم الحسين دعوته للشباب بقوله: «اللهجة ليست مجرد كلام.. إنها هوية وذاكرة مجتمع. وما نأخذه اليوم من كبار السن لن يتكرر غدًا، فهم الحافظة الحقيقية للموروث».