يعدّ الاهتمام بالبناء الثقافي والمعرفي للمجتمع السعودي استراتيجيةً دائمةً لدى مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، حيث إنها ومنذ تأسيسها في عام 1985م تقوم المكتبة بمختلف فروعها بالرياض بتقديم ثقافة نوعية تهتم بجميع فئات القراء، ومن هذه الفئات فئة: أجيال المستقبل التي تتطلب بناء ثقافيًا عصريًا، يلامس تطلعاتهم وطموحاتهم، ويناسب قيم العصر وتحولاته الأكثر تطورًا.
وتنطلق عناية المكتبة بأدب الطفل بوصفه ركنًا محوريًا في رؤية المملكة 2030، حيث أدرجت حقوق الطفل ضمن الأولويات الوطنية بهدف تنشئة جيل واعٍ ومؤهل يسهم في بناء مستقبل مشرق، ومع التركيز المتزايد على الاستثمار في هذه الفئة العمرية التي تمثل لبنة الأجيال القادمة، جاء إنشاء قطاع الطفولة في مكتبة الملك عبدالعزيز العامة ليشكّلَ فضاءً نوعيًا يجمع بين التعلم والمعرفة، فمع بدء مهام المكتبة، اهتمت بتقديم بيئة تعليمية متكاملة تسهم في تنمية مهارات الأطفال ثقافيًا ومعرفيًا، عبر إنشاء مكتبة الطفل في عام 1989م، وعبر توفير برامج تعليمية عصرية تجمع بين الفن، والعلم، والابتكار، يشرف عليها نخبة من المتخصصين في ثقافة الطفل، وفقًا لأحدث الأسس المنهجية العالمية، تؤهل الأطفال ليكونوا شركاء فاعلين في تحقيق طموحات وطنهم العظيم.
وفي العام 2000م, أطلقت المكتبة "نادي كتاب الطفل"، الذي يُتيح للأطفال الاشتراك بأسمائهم، واختيار كتب منتقاة بعناية من بين أكثر من 1500 عنوان من دور نشر عربية متنوعة، مما يعزز شعورهم بالاستقلالية والانتماء، حيث استفاد من النادي آلاف الأطفال من مختلف مناطق المملكة، كما يقدم النادي اشتراكات سنوية ونصف سنوية تتيح للأطفال الحصول على كتب مناسبة لكل مرحلة عمرية، ويوفر دعمًا خاصًا لفئات المجتمع من ذوي الاحتياجات الخاصة والأيتام من خلال اشتراكات مجانية.
ولتوسيع نطاق المعرفة للجميع، طورت المكتبة موقعًا رقميًا خاصًا بنادي كتاب الطفل، حيث يمكن للأطفال والمربين من جميع أنحاء العالم التعرف على أبرز الكتب المناسبة لكل مرحلة عمرية والجديد في عالم الإصدارات العربية، مما يجعل الكتاب رفيقًا في رحلتهم المعرفية.
وتضم إصدارات المكتبة المخصصة للأطفال، والصادرة عن قسم النشر للطفل الذي أنشئ في عام 2003 أكثر من 200 عنوان، تغطي موضوعات تتعلق بالقيم والهوية، والثقافة والمعرفة، والتراث السعودي والعربي والإسلامي، والعادات والتقاليد النبيلة، التي جرى تحويل العديد منها إلى أكثر من عشر لغات، مثل الإسبانية، والصينية، والإنجليزية، والفرنسية لتعكس الثقافة السعودية للأطفال حول العالم، وتفتح لهم نافذة على تاريخ المملكة وتراثها.
ولتحقيق مبدأ الشمولية، قامت المكتبة بتحويل العديد من هذه الإصدارات إلى أفلام أنيميشن، مما يتيح للأطفال التعلم عبر التقنية الحديثة ولغة الأفلام الكرتونية التي تثير اهتمامهم وتناسب اهتماماتهم.
وأنشأت المكتبة في عام 2005 "مكتبة اليافعين"، التي تستهدف هذه الفئة العمرية، لتشكّلَ مرحلة تثقيفية تربط بين الطفولة والرشد، حيث تهدف مكتبة اليافعين إلى تطوير مهارات الشباب واكتشاف ذواتهم، وتقدم برامج للابتكار والإبداع تساعدهم على تحويل أفكارهم إلى مشاريع واقعية تعكس رؤيتهم المستقلة وتفكيرهم النقدي.
ولأن المعرفة حق للجميع، أطلقت مكتبة الملك عبدالعزيز في عام 2016 "حافلات مصادر التعلم"، التي تمثل مكتبات متنقلة تصل إلى المدارس والمتنزهات والحدائق العامة والأحياء، وتوفر للأطفال فرصة الاستفادة من الكتب والأنشطة المتنوعة.
وتأكيدًا على القيم المنهجية في دراسات الطفولة، عززت المكتبة من البعد الأكاديمي الذي يتوجه إلى دراسة ثقافة الطفل، فأنشأت في عام 2018 "المكتبة المتخصصة لبحوث الدراسات العليا للطفولة" وهي مكتبة متخصصة لخدمة الباحثين والدارسين من طلاب الدراسات العليا تضم كل ما يتعلق بعالم الطفولة.
ويعتمد قطاع الطفولة على التقنيات الحديثة التي توفر بيئة تفاعلية تحفز الأطفال على إبراز مهاراتهم وكفاءاتهم, حيث تتنوع هذه التقنيات بين الذكاء الاصطناعي، الذي يمكّن الأطفال من خوض تجارب تعليمية تفاعلية، والطابعات ثلاثية الأبعاد، التي تفتح لهم المجال لتحويل أفكارهم إلى نماذج ملموسة، وتعلمهم مهارات التصميم والإنتاج، كما توفر أجهزة الواقع الافتراضي والواقع المعزز، التي تأخذ الأطفال في جولات افتراضية إلى عوالم جديدة، وتعزز فهمهم للعلوم والمعارف المتنوعة.
وسعت المكتبة إلى تنمية مهارات الأطفال الإبداعية من خلال مجموعة متنوعة من الأنشطة المهارية، التي تشمل الفنون والأدب، والحرف اليدوية، والأنشطة الإبداعية الأخرى، التي تُصمم لتشجيع الأطفال على الاستكشاف وتنمية قدراتهم الإدراكية والمعرفية بأسلوب ممتع وتفاعلي، إضافة إلى اهتمام المكتبة بالأطفال من ذوي الإعاقة والمكفوفين والمبتورين والأيتام وأبناء الشهداء، أطلقت لهم برامج متنوعة ومشاركتهم في معارضها الثقافية وأطلقت إصداراتها بلغة برايل.
ويمثّل المسرح جزءًا أساسيًا من تجربة التعليم في مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، حيث تُقدَّم عروضًا مسرحية تفاعلية وأفلامًا تعليمية، مما يُعزز خيال الأطفال ويضيف بُعدًا ترفيهيًا وتعليميًا لتجربتهم.
ويعد قطاع الطفولة في مكتبة الملك عبدالعزيز العامة قاعدة راسخة لبناء جيل قادر على تلبية متطلبات المستقبل، ويعكس التزام المكتبة بتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030، التي تركز على بناء مجتمع قائم على المعرفة وتنمية الإنسان منذ الصغر، ولا تسعى المكتبة لتقديم المعرفة فقط، بل تهدف إلى تأهيل الأطفال واليافعين ليصبحوا مبتكرين ومبدعين قادرين على المنافسة العالمية.