
تُجسّد الأبواب الخشبية العتيقة المنتشرة في أزقة وحارات جدة التاريخية، ملامح العمارة الحجازية الأصيلة، باعتبارها عناصر وظيفية وزخرفية في آنٍ واحد، احتفظت بجمالياتها عبر مئات السنين، لتغدو رمزًا من رموز الهوية العمرانية التي أهلت المنطقة لإدراجها في قائمة التراث العالمي لليونسكو.
وتُصنع هذه الأبواب من خشب الساج والجوز المستورد من الهند وشرق أفريقيا، المعروف بمتانته وقدرته على مقاومة عوامل المناخ، ثم تُطعَّم بالمسامير الحديدية الكبيرة وتُزخرف بزخارف الأرابيسك والنقوش الهندسية والنباتية الدقيقة، التي تكشف عن إبداع الصنّاع المحليين في جدة، والذين طوروا هذه الحرفة جيلًا بعد جيل.
وتحمل الأبواب الخشبية وظائف معمارية متعددة، أبرزها تحقيق الحماية للبيوت من حرارة الصيف، وتوفير التهوية عبر الفتحات المزخرفة الدقيقة، فضلًا عن كونها واجهة جمالية، كما تضم بعض الأبواب طبقات مزدوجة؛ خارجية كبيرة للزوار، وأخرى صغيرة تُعرف بـ "خوخة الباب"، تسهّل الدخول والخروج دون الحاجة لفتح الباب الرئيسي.
وفي إطار جهود الحفاظ على جدة التاريخية ضمن رؤية المملكة 2030، خضعت عشرات الأبواب الخشبية التاريخية لعمليات ترميم دقيقة على أيدي حرفيين متخصصين، باستخدام الأخشاب الأصلية ذاتها، مع توثيق النقوش والزخارف وحفظها، لتبقى شاهدة على مراحل تطور المجتمع الحجازي وأساليبه في التعايش مع البيئة.
وتبقى الأبواب الخشبية في جدة التاريخية شواهد صامتة على عبق الماضي، تحمل بين نقوشها حكايات التجارة والرحلات البحرية، وتؤكد أن العمارة ليست جدرانًا فقط، بل ذاكرة حيّة تحفظ هوية المكان وروح أهله.