على الرغم من رحيله منذ نحو 15 عامًا، إلا أن ذاكرة الموروث الشعبي مازالت تختزن الركن الأكبر في ساحات المحاورة الشعرية، الشاعر صياف الحربي الذي طالما أبهر عشاق هذا الفن على مدى عقود طويلة في المملكة والخليج.
وتستعرض "سبق" في حلقاتها الأسبوعية الرمز التاريخي الذي سجل بصمة وتاريخًا كبيرًا في الثقافة السعودية، بمعية نجوم منهم من رحلوا ومنهم ممن مازال يمتع الجمهور بمدرسة الراحل نفسه الذي بدأ تجربته الشعرية في شعر المحاورة سنة 1961م.
ولد "صياف الحربي" جنوب المدينة المنورة في وادي النقيع، وعاش يتيم الأم وفي كنف والده ورعايته الخاصة، وبدأ تجربته الشعرية في المدينة المنورة، ثم التحق بقطاع الحرس الوطني بالرياض وتنقل في الخدمة العسكرية بين نجران وجدة، وبعدها دخل ميادين المحاورة أثناء إقامته في جدة حيث ينتعش ذلك اللون من الموروث في ذلك الحين، وواجه شعراء كبارًا، وشارك بالعديد من المناسبات الوطنية.
وحرص الشاعر "صياف" على الجمع بين العمل العسكري ومواصلة الدراسة وإحياء الحفلات الشعرية، حيث كان يمني النفس كثيرًا في الجمع بين الشعر والتعليم حتى وصل المرحلة المتوسطة، لكنه انقطع عن الدراسة بسبب ظروف عمله وولعه بالشعر وانشغاله بمتابعة أمسياته، لكنه استفاد بمتابعة الشعر والشعراء وحبه الاطلاع على ما يقع بين يديه من كتب، مما انعكس على شخصيته، فعرف عنه قوة الألفاظ ورصانة العبارة، كلماته منتقاة وهو ذكي لماح وصاحب خاطر جريء.
وبالإضافة إلى تميز "صياف الحربي" بموهبته الشعرية، فقد اتصف بدماثة أخلاقه وهدوئه الملحوظ أثناء المحاورة، فلا ينفعل بسرعة ولا يميل إلى المهاترات، فأصالة الأدب تكمن في روحه ولا يحب اللغو في القول.
وهذه الصفات والمزايا لا تتوفر إلا في الشاعر الذي يثق في موهبته ويثمن نفسه ويحترم الآخرين، مما جعله يحظى بعلاقات طيبة مع زملائه الشعراء، ومزيد من الإعجاب والتقدير من الجميع.
ولدى "صياف الحربي" عدد من الأبيات الشهيرة، حيث أصبح بعضها ضربًا للأمثال وخير ما قيل في الشعر ومنها:
وقفنا عند بابك ما لنا مطلوب غير رضاك
معاصينا كبار وعفوك أكبر من معاصينا
وفقدت الساحة الشعرية ركنها الأكبر صياف الحربي -رحمه الله- بعد معاناة مع المرض في المدينة المنورة في 6 ربيع الأول 1428 هـ، وخيم رحيله بالحزن على عشاق المحاورة، ولم يغب عن الذاكرة وظلت أبياته ومواجهاته الساخنة بمعانيها الراقية تتردد على الألسن وفي وسائل التواصل الاجتماعي حتى يومنا الحالي.