يستضيف نادي جدة الأدبي، الاثنين المقبل، الأمسية الثقافية التي يسلّط فيها عدد من الكتاب والمثقفين الضوء على كتاب الأمير خالد الفيصل "إن لم.. فمن؟!"، ويحضرها قرابة 1000 أكاديمي ومثقف وإعلامي يتقدمهم مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل، فيما يدير الندوة الثقافية المخصصة للقراءة في الكتاب نائب رئيس مجلس الشورى الدكتور عبدالله المعطاني.
ويتحدث خلال الندوة: الدكتور حسن الهويمل، والدكتور عبدالله دحلان، وحسين بافقيه، والدكتورة عزيزة المانع، والدكتورة رانية العرضاوي عن عدة جوانب في الكتاب الذي بدأه مؤلفه الأمير خالد الفيصل بأسلوب التساؤل واستطرد فيه مستخدماً فن السجع، ومستشهداً بقصائد الأمس والحاضر، وبعيداً عن (أنا) حيث أطلق للتجربة العنان، تلك التجربة التي لم ترتدِ ثوب القصة، أو تتدثر ببردة الرواية، بل هي تجربة إنسانية كُتِبت بإحساس شاعر وخبرة رجل دولة، تجربة تخللها سرد لرحلته من الميلاد إلى الكهولة، متطرقاً إلى الشخوص المؤثرة والبيئة المشكّلة والظروف حلوها ومرها، وتجارب مسنودة بكل العوامل التي أقحمته في ميادين التحدي ودفعته لخوض غمار التجربة.
وعلى صفحات الكتاب الــ215 أغدق الأمير خالد الفيصل بوفرة أدوات الاستفهام، وكأنه يلمّح إلى أهمية إعمال العقل والتفكير، فعمد إلى طرح استفهامات تتساءل عن المعنى في الحياة، وأخرى تحاكي الحكمة في القرار، وعن ضرورة القيم في المجتمعات، محفّزاً بذلك هوس النفس البشرية للتأمل الجوهري، ومدعماً لدوافعها الذاتية المحفّزة للاستكشاف.
الفيصل في "إن لم.. فمن؟!" تبرأ من تدوين مذكراته أو تجربته الشخصية، ونفى أن يكون ذلك سيرة ذاتية، بل أقرّ بأنه ومضات من مراحل الزمن التي لم يكن له دور في اختيارها، بل هي من اختارته، وحكى عن مستقبل لم يرسمه بريشة الفنان، بل إنها في واقعها تحديات وجب عليه تخطيها، فكان لزاماً عليه الوقوف مُنازلاً الصعاب ومُروّضاً جموح التحدي ليصل إلى ذروة النشوة والاستمتاع بهزيمتها.
وعلى ضفة أخرى، كتب "الفيصل" تأملات مواطن صقل الإخفاق والخطأ والاستعجال تجربته، فعاش حياة الأطفال بشموخ الكبار، وامتطى صهوة الخيل فارساً، ومارس الكرة لاعباً، وحمل الصقر صياداً، وترجم الإحساس شعراً، وطوّع بحور الكلمات قصائد، ولم يكتفِ بذلك، بل تكاثفت غيمات الألوان في ريشته، فأمطرت صوراً من نور وظلال.
ولأن الأمير خالد الفيصل نبتة هذه الأرض، لم يشأ في هذا الكتاب أن يتحدث عن شخصه، بل أنكر ذاته ليبلغ الغايات معرجاً على الأمجاد وكيف عانق بها السعودي السماء، وكيف حلّق بإنجازاته في أفق العلم والمعرفة والتقنية، وكيف أصبح جيش السيف والخيل صقوراً في الجو وأسوداً في البر وموجاً في البحر مهلكاً.
ولأنه عمد إلى التساؤلات، طرح السؤال الأهم: "من نحن.. ماذا نريد؟، ومن واقع التجارب التي تشربها، أجاب متحدثاً عما حبا الله به المملكة العربية السعودية من ميزات، وأنه خصّ قيادتها وشعبها بسمات فريدة، ليستطرد: "نحن لأقدس البقاع جيران، ولضيوف الرحمن خُدّام، دستورنا القرآن والسنة، تلك عوامل تجعلنا متفردين"، ودعّم ذلك بالشواهد منذ تأسيس المملكة على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن يرحمه الله وحتى اليوم.
وفي ثنايا الكتاب وتحت تساؤل "ماذا نريد؟" لم يشأ "الفيصل" أن يطرح إجابات، بل أجاب عن الأسئلة بمثلها؛ ليحفّز الفكر ويدفع النفس البشرية للبحث والاكتشاف وطرح الرؤى التي تساعد في تشكيل الشخصية، ثمّ دعا إلى بناء نهج جديد وأساليب فكر وحياة مبتكرة لصناعة حضارة رائدة، وأن نلحق بركب التطور قبل أن يداهمنا التخلف، فاستحثّ الهمم لصناعة مجتمع راقٍ بإيمانه وصلاحه وعلمه وأخلاقه، بإرادته وقدراته كل ذلك لا بد أن يكون، ولكن مع التمسك بالدين القيم والثوابت وعدم التخلي عنها.
وأخيراً لخّص "خالد الفيصل" مكتسبات نماذج الحياة التي نهلها من تجارب الأيام، وتشرّبها من مجالس الرجال، ثمّ ختم بشهادة تحمل اعترافات وتحكي قصصاً كانت له مع أعمامه، ولتكون أخيراً عبارة "كتاب ليس فيه أنا"، مسك الختام لتجربة تطرق فيها "الفيصل" إلى شخصياتٍ ومواقف وأحداث شكّلت تجربته على مدى 70 عاماً.