أصدرت المحكمة العليا حكمًا يقضي بإلغاء عقوبة الجلد في قضايا التعزيز، وذلك في خطوة تؤكد استكمال التطورات التي تحققها المملكة في جميع المجالات، وخصوصًا في القضاء، وقد رحبت حقوق الإنسان بهذا القرار إلى جانب إلغاء عقوبة الإعدام للقصر واستبدالها بالسجن.
"سبق" تواصلت مع محامين ومختصين للوقوف على أهمية هذه القرارات على المجتمع وأثره بالتخفيف من الجريمة، فكان هذا التقرير..
مصالح متعددة
في البداية تحدث المحامي فهد بن عبدالله الجعيثن، ماجستير في السياسة الشرعية من المعهد العالي للقضاء لـ"سبق" بقوله: "يخطئ كثير من الناس في فهم قرار المحكمة العليا الذي صدر مؤخرًا بإلغاء عقوبة الجلد واستبدالها بعقوبات أخرى، والواقع أن القرار جاء واضحًا وصريحًا في إلغاء عقوبة الجلد في التعازير فقط، وينبغي الإشارة إلى وجود فروق بين الحدود والتعازير، فالتعزير هو؛ عقوبة تقديرية يضعها القاضي بما يتناسب مع الجريمة المرتكبة ولا يوجد لها نص في الشريعة يبين مقدار هذه العقوبة، وهي تخضع لاجتهاد ولي الأمر بحسب الزمان والمكان.
وأضاف الجعيثن: ولهذا القرار مصالح متعددة، ومن أهمها إتاحة المجال لنظر القاضي في استبدال الجلد بالعقوبات البديلة كالإلزام بالأعمال التطوعية النافعة للمجتمع والفرد؛ ومن ذلك أيضًا أن الجلد في كثير من الحالات التعزيرية لا يكون رادعًا عن الجريمة في ذاته.
قفزة نوعية
من جهته قال المحامي فيصل محمد الشاطري عضو اللجنة العليا لتطوير المحكمة الجزائية سابقاً لـ "سبق": القرار يعتبر قفزة كبيرة ونوعية في مجال حقوق الإنسان للسجناء ومراعاة ظروف أهل السجين، ولا شك أن المقصد تهذيب السجناء وإصلاحهم والمملكة من أوائل الدول مراعاة لحقوق الفرد في بلادها.
وأضاف: النظام الجزائي في المملكة يعتبر من أفضل الأنظمة حزماً وتطبيقاً وشمولية، وكان صدور مثل هذا القرار يجعل النظام الجزائي يراعي جميع الأعمار ويطبق جميع الخطوات الإصلاحية التي من شأنها إعادة تأهيل وإصلاح السجناء واندماجهم مع المجتمع بالصورة الصحيحة التي لا تؤثر على علاقاتهم وتجعلهم أعضاء صالحين في المجتمع وإلغاء عقوبة الجلد له بالغ الأثر في تهذيب وتقويم السجناء.
وأوضح المحامي الشاطري أن عقوبة الإعدام للقصر لا شك أنها بأثر رجعي وكل حكم قضائي صدر بذلك قبل القرار فيجب الرفع بالتماس إعادة النظر قبل تطبيقه والاستشهاد بالقرار حتى يعاد لناظر القضية للحكم فيها من جديد، بناءً على القرار الجديد، وأما عقوبة الجلد لا أعتقد أن هناك رجعية، كون جميع الأحكام الجزائية التعزيرية السابقة تحمل عقوبة الجلد .
وختم: يبقى دور وزارة العدل في التعجيل بتفعيل نظام العقوبات البديلة تطبيقاً للقرار والذي عودتنا عليه وزارة العدل في مواكبة الأحداث والدفع بالعمل العدلي إلى الأمام والارتقاء بالعمل القضائي في المملكة.
إصلاح وتهذيب
من جهة أخرى أكد الأخصائي الاجتماعي عبدالرحمن القراش لـ"سبق" أهمية تطبيق العقوبات البديلة على شخصية المتهم وأثرها في تقويمه، مبينًا أن نظام القضاء السعودي يعتبر من أفضل الأنظمة بالعالم من حيث التطوير والتماهي مع متطلبات العصر التي لا تخالف الشريعة الإسلامية ولا تتنافى مع القيم الإنسانية بأي حال من الأحوال.
ويرى القراش أن تطبيق العقوبة البديلة بعد صدور الحكم المتضمن إيقاع العقوبة الأصلية على الجاني في القضايا التي لا ترتقي إلى حدّ الجُنح ستكون رائعة عندما يوضع دليل استرشادي، متضمنًا الجرائم التي يوضع لها بدائل، بناءً على نوعية الجرم، مع مراعاة ظروف الجاني النفسية والعائلية والعمرية والمادية والإنسانية والأمور المعتبرة في الفقه الإسلامي، لاسيما وأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
وأشار إلى أنه ولكي لا تكون طوق نجَــاة لبعض الجُـــناة يجب أنْ تكون محددة لبعض الفئات، فلا يدخل فيها أرباب السوابق أو ما يمس أمن الوطن أو ترويج المخدرات أو استخدام الأسلحة بكافة أشكالها، لذلك نؤكد على أن العقوبة البديلة فيما دون الجنح ستكون ملائمة جدا في إصلاح الفرد مستقبلاً ورادعاً له، كــالعقوبة المالية أو الحرمان من قيادة المركبة أو إيقاف التراخيص أو إغلاق المحلات أو الخدمة الاجتماعية بكافة أشكالها .