تنامى زخم الحياة
وتشعّبت مغرياتها
فارتفعت وتيرة التنافس
وتضاعف الاهتمام بالشكليات
فضاقت الأنفس وانتشرت شكاوى متكررة
اكتئاب.. ملل.. فراغ.. ضيق.. تشتت.. يأس.. إجهاد.. تعب غير مفسر.. احتراق
إنه ضياع البوصلة
إنّ النفس البشرية مهما توغّلت في الماديّات، لن تكتفي ولن تصل لقاع الطمأنينة والراحة، وستظل خائرة القوى تبحث عن المزيد من الإشباع المادي والترفيهي؛ ولكن المفارقة أنها لن تأنس ولن ترتوي بذلك الماء المالح بل تزداد عطشًا وضياعًا. فغاياتها تتحقق فقط بالروحانيات الربانية؛ لأن الروح خُلقت لتسمو.
وهنا تبدأ رحلة البحث عن الحقيقة وسبر أغوار الباطن وفهم الذات وتطويرها، فنجد الكثير ينساق خلف مصطلحات جديدة لا يُعلم أصلها ولا يعرف من أي علومٍ قد اندلعت، ولا من أي ديانات شرقية مندثرة قد انبعثت، فالجانب الروحاني مصطلح كبير بات متداولًا بكثرة، وصار غلافًا وأداة تضليل وتحوير، فوقع في فخه كل من وهنت فيه قوة المعرفة الصحيحة، وتنصّل قلبه عن التعلق بالله.
قوة العقل الباطن
قانون الجذب
قانون الامتنان والوفرة
التوكيدات الإيجابية
باب النور
تنظيف الروح
سول ديتوكس
وغيرها من تعبيرات فلسفيّة محضة، قالبها فضفاض عام؛ ولكنه يحوي الكثير من الخرافات بل وحتى الشركيات، مُزجت بكل ذكاء وانتقائية مع الأحاديث النبوية الشريفة، وزُخرفت بالآيات القرآنية العظيمة حتى تُستحسن وتكون قريبة من القلب، ولإزالة أي شكوك تراود الناس تجاه تلك الطقوس الجديدة والمصطلحات غير مألوفة، فينساق وراءها اللاهثون لإيجاد بوصلتهم والتخلص من فوضى حياتهم.
ربما قد قرأتها يومًا أو حتى راقك ما يدور فيها، ولكن الواقع أنها أفخاخ تُبعدك شيئًا فشيئًا عن الدين الصحيح وتلوّث عقيدتك، وتعلق قلبك بغير الله؛ بل تجعلك تتكئ على ذاتك يومًا بعد يوم وتنسى خالقها من حيث لا تشعر.
إنها تبدو لوهلة قادرةً على حلّ جميع قضايانا النفسية وتنظيم ذواتنا المتخبطة، ومساعدتنا على التطور برقي، وإيجاد النور داخلنا، عجبًا أوَليس الله سبحانه هو النور؟ فكيف نبحث عن النور ممّن سواه؟!
{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.
فلنتثبّت قبل الانسياق خلف مسمّيات ومفاهيم رنّانة؛ فالراحة كل الراحة في دليل سماوي واضح ومباشر:
{أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}
والتخبط كل التخبط في عكس ذلك
{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}.
ولكن يأبى الكثير إلّا أن يلحق باجتهاداتٍ بشرية، ونظرياتٍ ملوثة تقدّس الكون وطاقته، وتهمّش خالقها، تعالى الله عما يصفون، ابتدعها من لا دين له ولا كتاب سماوي يقوده للهداية.
فلا تلهث خلف سرابٍ ليدلّك على الصواب!
ولا تنجرف وراء روّاد تلك العلوم المستهجنة لمجرد أن متابعيهم كُثر أو أنّ أساليبهم جاذبة، فلا يكفي أن يكون العنوان مستقى من آية قرآنية لتصدق كل ما يقال خلفه..
عقلك قصرك فلا تلوثه بما قد يشوبه..
فِكرُك ملكك فلا تجعلهم يحكمونه..
لا تسلّمهم كل مفاتيحك وتنبهر بعوالمهم المشبوهة..
أنت المسؤول عن ذاتك، وإرادتك مُنحت لك كاملة ممن خلقها، وبين أيدنا تشريع سماوي مطهّر معصوم من الخطأ هو السبيل الوحيد للراحة والتطور والنماء والاستشفاء، من استدل به لن يضل ولن يشقى أبدًا.
حكّم عقلك
واختر ما يزيدك قربًا منه سبحانه لتطمئن وتنجلي عنك غمامة التلوث في فكرك، وترتقي لعالم الهداية.
عزيزي الباحث عن ذاتك في محيطاتٍ مضللة لا قاع لها..
لا تنغمس في رحلة تطوير نفسك في وحلٍ يزيد بُعدك عن الله وأنت لا تشعر، مهما رضّتك الهموم وغشيتك الكروب، فتخرج منها مذمومًا مدحورًا. لا تتكئ على طيب سجيتك وحماستك للتألق، واستعذ بالله من حولك وقوتك، والجأ لمن بيده مفاتِح الخير ومقاليد الأمور.
لا تغامر بقلبك كما قال الشاعر:
قَدْ سُمِّيَ الْقَلْبُ قَلْبًا مِنْ تَقَلُّبِهِ *** فَاحْذَرْ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ قَلْبٍ وَتَحْوِيلِ
وأكثِر من دعاء من خاف على قلبه وهو أشرف الخلق عليه الصلاة والسلام:
(يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ)، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ تُكْثِرُ تَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ،
فَقَالَ: (إِنَّ قَلْبَ الْآدَمِيِّ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِذَا شَاءَ أَزَاغَهُ، وَإِذَا شَاءَ أَقَامَهُ).
وأخيرًا تذكر..
"الذي لا يملأ نفسه بالحق تملؤه بالباطل"
تصدى لكل تلك المضلّلات بالمعرفة الحقّة لدينك العظيم، وكن مؤمنًا محسنًا؛ فكلّما زاد وعيك بأصل الحقيقة التي علمنا إياها حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، من كتاب مقدس ووحي سماوي مطهر، ستمتلئ بكل ما هو خير، ولن تحتاج لأي شيء يدلك على الصواب، أما إن تركت ذاتك جوفاء عطشى ستكون عُرضة لتشرّب أي مفهوم مدنس والانقياد خلفه..
أتخاطب الله سبحانه في كل فرض {اهدنا الصراط المستقيم} ثم تحيد لغيره؟
كيف تميل وقد منحك الله السبيل؟
اللهم ردّنا إليك ردًّا جميلًا..