تُعدُّ مؤسسة الملك عبدالعزيز آل سعود بالدار البيضاء منارة علمية؛ إذ تستقبل سنويًّا عشرات الآلاف من الباحثين والقراء القادمين من بلدان المغرب العربي وأوروبا وإفريقيا وآسيا، وتقدم لهم خدمات توثيقية وإعلامية وعلمية باللغة العربية، وبمختلف اللغات العالمية الرئيسية.
وفي التفاصيل، يؤكد نائب مدير المؤسسة محمد الصغير جنجار أن مكتبة المؤسسة تشكِّل منذ تأسيسها في أواسط الثمانينيات من القرن الماضي جسرًا ثقافيًّا، يصل مغرب العالم العربي بمشرقه. وقد أسهمت التوسعة التي عرفتها المؤسسة في تعزيز ودعم طاقتها الاستيعابية؛ إذ صارت تستقبل يوميًّا أكثر من 600 قارئ، كما أن رصيدها عرف تطورًا مطردًا خلال العقود الماضية؛ إذ بلغ قرابة 850 ألف وحدة (كتب، مجلات، مخطوطات، حجريات، مصغرات فيلمية، صور قديمة، أرشيف تاريخي... إلخ). وتتطلع مكتبة المؤسسة لبلوغ مليون وثيقة في أفق سنة 2025.
وأوضح "جنجار" أن الرصيد الوثائقي والمكتبي للمؤسسة يغطي ثلاثة مجالات معرفية كبرى، هي: المجال المغاربي الممتد من موريتانيا إلى ليبيا في مختلف أبعاده الثقافية والتاريخية والحضارية، بما في ذلك العلاقات الثقافية والتاريخية بين شمال إفريقيا وبلدان جنوب الصحراء، وموضوع الجاليات المغاربية في البلدان الغربية.
وأضاف: أما المجال الثاني فيشمل الدراسات العربية الإسلامية بمختلف اللغات. والمجال الثالث هو المعارف النظرية المندرجة في نطاق العلوم الإنسانية والاجتماعية بصفة عامة.
وقال نائب مدير المؤسسة: إن الدعم السخي الذي تحظى به المؤسسة من المملكة العربية السعودية، ومكتبة الملك عبدالعزيز العامة، والتدبير الرشيد الذي يميز أسلوب إدارتها في المملكة المغربية، مكَّناها من أن ترقى إلى مصاف المكتبات الكبرى والمنشآت الثقافية الرائدة في المغرب العربي الكبير.. ولا جدال في أن وجودها بمدينة الدار البيضاء على ضفاف المحيط الأطلسي يُعدُّ شاهدًا على التعاون الثقافي والعلمي الصادق والوثيق بين البلدَيْن الشقيقَيْن.
وتابع: إضافة إلى كونها مكتبة تخدم طلاب وأساتذة الجامعات، توفِّر فضاء حيًّا للنشاط الثقافي والعلمي من خلال المحاضرات والندوات والمؤتمرات التي تُنظَّم بها، التي يشارك بها باحثون من مختلف الأطياف الفكرية، ومن ضفتَي البحر الأبيض المتوسط، إسهامًا في الحوار بين الفعاليات الثقافية والفكرية العربية والأوروبية.
وأردف: يلاحظ زائر مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود أن نواتها الأصلية انطلقت من مسجد الملك عبد العزيز آل سعود، الذي يعد مَعْلمًا معماريًّا، شُيد على الطراز المغربي الأندلسي في كورنيش مدينة الدار البيضاء. ويكتشف زائر مكتبة مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود بالدار البيضاء فضاء ثقافيًّا، يتميز بتنظيم حديث، يوفر رفوفًا مفتوحة أمام القراء، تعرض أحدث المنشورات العلمية الصادرة باللغة العربية في مختلف ربوع العالم العربي، وأيضًا منشورات فرنسية وإسبانية، وتلك الصادرة في العالم الأنجلوسكسوني في مختلف مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية.
وأكمل: توفر مكتبة المؤسسة رصيدًا غنيًّا من المجلات الثقافية والعلمية المتخصصة (أكثر من 210 آلاف مجلد)، وتضع رهن إشارة روادها باقات متنوعة من المجلات والمصادر الإلكترونية العالمية. ويمكن للقراء استخدام ثلاث قاعات للمطالعة، إضافة إلى قاعة المؤتمرات، وقاعة الورش والندوات المصغرة، التي يمكنها استقبال قرابة 500 شخص.
وأشار "جنجار" إلى أن رصيد المكتبة في الدار البيضاء يزخر بمجموعة من نفائس المنشورات القديمة النادرة، وأيضًا المخطوطات العربية الإسلامية، والطبعات الحجرية المغربية التي تضم أقدم ما نُشر في المغرب الأقصى.
وأصدرت المؤسسة فهرس مخطوطاتها في مجلدين، وأيضًا فهرس الطبعات الحجرية، كما قامت برقمنة رصيدها المخطوط والحجري، وتوفيرهما على موقعها في شبكة الإنترنت. ويتوزع هذا الرصيد التراثي العربي الإسلامي بين مختلف العلوم النقلية والعقلية.
وتزخر مكتبة المؤسسة برصيد من الأرشيف التاريخي المغربي الذي يشمل آلاف الصور والبطاقات البريدية القديمة التي تؤرخ لفترة الحماية (ما بين 1912 و1956)، وأيضًا قرابة 35 ألفًا من الأرشيف التاريخي المغربي (مراسلات ووثائق إدارية)، يعود في أغلبه للقرن التاسع عشر.
ولفت إلى أن التعريف بمختلف مكونات هذا الرصيد الغني يتم عبر قاعدة البيانات التي طورتها مكتبة المؤسسة، التي تسمح بإنجاز أبحاث بيبليوغرافية دقيقة في مجموع رصيد المؤسسة. كما تتولى المؤسسة نشر العشرات من الكتب والمراجع وأعمال الندوات والبيبليوغرافيات المتخصصة بغية نشر المعلومات وتعميم الفائدة.