تواجه المملكة العربية السعودية خلال الفترة الأخيرة حربًا مفتوحة ضد عصابات تهريب المخدرات التي باتت تستهدفها بشكل واضح، وتحاول استخدام تلك السموم لتدمير شبابها ومجتمعها. وتعددت محاولات التهريب التي تتخذ حيلاً شيطانية، قد لا تخطر على عقل إنسان، كإدخالها ضمن الفواكه مثلاً كما شاهدناه مع الإرسالية التي جاءت من لبنان، وهي تحتوي على ملايين من حبوب الكبتاجون التي وُضعت داخل شحنة رمان، وغير ذلك من المحاولات المتعددة.
ومع أن المخدرات باتت مشكلة عالمية، لا تكاد تسلم منها دولة من الدول، إلا أن التركيز على إدخالها للمملكة من مصادر معينة، هي لبنان وسوريا، ووقوف عناصر من حزب الله الإرهابي وراءها، يؤكد أن الأمر أكثر من مجرد تجارة محرمة، بل هو مؤامرة متكاملة الأركان، تهدف لتدمير وإضعاف عنصر الشباب، الذي هو أعز ما تمتلكه الأمم، وأغلى ما تكتنزه الشعوب.
ولتأكيد ما أقول تكفي نظرة سريعة إلى كمية المضبوطات التي تبلغ أطنانًا عدة؛ إذ يبدي أولئك الأشرار الذين يقفون وراء محاولات تهريبها إصرارًا عجيبًا على ممارساتهم السالبة، رغم الخسائر الضخمة التي يتكبدونها. ولا تكاد السلطات السعودية تعلن ضبط محاولة حتى يلجأ تجار السموم إلى محاولة أخرى بوسائل مختلفة، وعبر خطوط تهريب جديدة.
وقد كشفت التحقيقات التي أجرتها السلطات المختصة أن محاولات تهريب المخدرات كافة إلى السعودية يقف وراءها حزب الله اللبناني (ذراع إيران في المنطقة)؛ إذ يعتمد الحزب الإرهابي على المخدرات لتمويل أنشطته الإجرامية. وتشير التقارير إلى أن ما يتجاوز 70 % من الإيرادات المالية للحزب يأتي من تجارة السموم؛ فمصانعه معروفة في جنوب لبنان، ومزارعه تنتشر في منطقة القلمون الغربي وتل كلخ والقصير وريف حمص ووادي بردى في سوريا، وهذه المناطق خاضعة لميليشياته.
ولا تقف جهود وزارة الداخلية ورجال الأمن في الحرب على تجارة المخدرات على مجرد مراقبة المنافذ، ومتابعة المهربين في الخارج، بل تتواصل في داخل السعودية، عبر إجراءات دقيقة، وخطوات ملموسة، يلاحظها المواطن؛ فهي لا تتسامح على الإطلاق مع مَن يمارس هذه التجارة الحرام، وتستخدم شبكة واسعة من الكوادر المؤهلة والأجهزة المتطورة التي تتيح اكتشاف تلك المواد السامة؛ لذلك تحقق الأجهزة الأمنية نجاحات متواصلة، تتكرر بين فترة وأخرى، تفكك خلالها شبكات التهريب والتجارة، وتدك قلاع الشر التي تحاول تحقيق الأرباح ولو كان ذلك على حساب الوطن ومستقبل أبنائه.
كما تبذل السلطات المختصة سياسة علمية للقضاء على هذه الآفة، ومعالجة آثارها، عبر محاور أربعة، تتمثل في مكافحة التهريب عبر المنافذ المختلفة، وتوفير العلاج للذين تورطوا في تعاطي تلك السموم، وتكثيف التوعية الداخلية للتحذير من الآثار الضارة للمخدرات، والانضمام إلى الاتفاقيات الدولية التي تنسق جهود الدول لمواجهة هذه التجارة الممنوعة.
أعود وأكرر مرة أخرى أن ما نشهده من محاولات يائسة لتهريب تلك السموم ليس مجرد تجارة ممنوعة، بل هو أكبر من ذلك بكثير؛ فالذين فاضت قلوبهم بالحقد والغل لم يعجبهم أن تحقق هذه البلاد ما تشهده من طفرة ونهضة، وساءهم أن تتمتع بالاستقرار الاقتصادي والأمن ووحدة المجتمع في محيط مضطرب، يشهد نزاعات وحالة عدم استقرار، فلم يجدوا للتنفيس عن أحقادهم سوى محاولة ضرب السعودية في ثروتها البشرية ومجتمعها المتماسك عبر تجارة المخدرات التي تحيل الشباب إلى مجموعة من العاطلين الذين يعيشون عبئًا على المجتمع.
وتتواصل جهود الوزارة لحماية مصالح الوطن؛ لتشمل القضاء على محاولات التهريب الأخرى كافة، وفي مقدمتها تهريب الأموال إلى الخارج، وهي أموال مجهولة المصدر، تزايدت محاولات تهريبها لتصل إلى مليارات الريالات، وتبذل الجهات الأمنية جهودًا كبيرة للقضاء عليها؛ لما تترتب عليها من آثار جانبية سالبة، تؤثر على الاقتصاد، وتُحدث خللاً في مقدار السيولة المالية في السوق.
لكن كل تلك المحاولات الفاشلة تتكسر أمام عزيمة وبسالة عناصر الأجهزة الأمنية الذين يقفون لهم بالمرصاد، ويحبطون محاولاتهم الشيطانية؛ فهؤلاء الأبطال الأماجد أبت أنفسهم إلا أن يذودوا عن حدود بلادهم، ويمنعوا عنها هذه الآفات المدمرة التي تدمر العقول، وتهلك الأجساد، وتشكل خطرًا كبيرًا على الصحة العامة، وتتسبب في تفكيك العائلات والأُسر؛ فنذروا أنفسهم لهذه المهمة النبيلة، ولم يدخروا جهدًا في سبيل الدفاع عن بلادهم، ووهبوا حياتهم خدمة لدينهم ومليكهم ووطنهم.. وستظل بلاد الحرمين عصية على أعدائها، وأكبر من محاولاتهم اليائسة، ويحميها رب العباد، وتحرسها عيون أبنائها.