المعهد الدولي للدراسات الإيرانية في دراسة شمولية: المصالحة السعودية - الإيرانية.. المكاسب والتحديات

مرحلة سعودية أكثر ديناميكية تعزيزًا لسلام المنطقة
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية في دراسة شمولية: المصالحة السعودية - الإيرانية.. المكاسب والتحديات
تم النشر في

توقيع المملكة العربية السعودية وإيران عبر خارجية كلا البلدين اتفاقًا أمس الخميس 6 إبريل 2023م، تضمَّن خطوطًا واضحة ومؤثرة، مثل إعادة فتح السفارات والقنصليات، واستئناف الرحلات الجوية.. يؤكد عزم البلدَيْن على تقديم المزيد من الخطوات الواسعة نحو تعزيز السلام في المنطقة، وهو أمر نهجته السعودية طوال تاريخها كداعم وصانع للسلام، ومقدمة فرصة كبيرة لإيران لتُقدم نوايا حقيقية ملموسة على أرض الواقع من أجل السلام في الشرق الأوسط بشكل عام، وفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين.

الاتفاق حسب البيان تضمَّن إجراءات في غاية الأهمية والحيوية، مثل استئناف الرحلات الجوية، وتسهيل منح التأشيرات للمواطنين من البلدين، وكذلك الاتفاق على استئناف زيارات المسؤولين ووفود القطاع الخاص.

وهذا هو اللقاء الثاني بعد البيان الثلاثي المشترك لكل من المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية وجمهورية الصين الشعبية، الصادر بتاريخ 10 مارس 2023م، بشأن استئناف العلاقات بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، ويأتي في إطار التنسيق بين البلدين حيال الخطوات اللازمة لاستئناف العمل الدبلوماسي والقنصلي بينهما.

اتفاق تاريخي

وفي دراسة موسعة للحدث بعنوان (الاتفاقية السعودية-الإيرانية وعودة العلاقات الدبلوماسية) في إعلانه الأول ذكر المعهد الدولي للدراسات الإيرانية أن الحدث جمع قوتَين إقليميتَين كبيرتَين ومؤثرتَين في مجريات الشؤون الإقليمية والدولية، في اتفاق تاريخي كبير بحكم الأوزان النسبية الكبيرة للدولتين، وبحكم تشابكات أدوارهما في العديد من الساحات الإقليمية، وتأثيراتهما الكبيرة في القضايا الدولية، وفي تحديد ملامح وشكل ومستقبل النظام الدولي.

ورأى المركز أنه قد لا يكون الإعلان مفاجئًا في دهاليز الدبلوماسية الإقليمية والدولية؛ فالسعودية وإيران بالفعل بدأتا بحلول عام 2021م في الانخراط في محادثات مباشرة منخفضة المستوى، تناوبت على استضافتها كل من العراق وسلطنة عمان. وتناولت المحادثات، التي بدأت في عهد رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي، سبل تخفيف التوتر بين عاصمتَي الدولتين، واستئناف العلاقات الدبلوماسية، وتسوية الخلافات الناشئة عن دور إيران في عدد من ملفات التدخل الإيراني الإقليمي.

ورافقت الجولة الخامسة (الأخيرة) حتى تاريخ إصدار التقرير، التي عُقدت في بغداد، أجواء إيجابية، ورسائل متبادلة من أجل حلحلة بعض القضايا العالقة.

توقيت دقيق وحساس

وفي قراءته لأهم بنود الاتفاق يقول المركز: "في قراءة في أهم بنود الاتفاق يتضح لمعهد رصانة أمران، يُشكلان بمجملهما أرضية ثلاثية مشتركة، من الممكن البناء عليها، وتطويرها، وتفعيلها لإنجاح مستقبل العلاقات السعودية - الإيرانية، وإيجاد حلول جذرية لملفات الخلاف والتباعد المكدسة: الأول يتعلق بتعهدات متبادلة بين الطرفين، وهي تشمل ما كانت الرياض وباقي دول المنطقة تسعى إليه من عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام سيادة الدول، وحسن الجوار بين دول المنطقة. وتسعى أطراف الاتفاق بذلك لإعطاء إعلان استئناف العلاقات بين الرياض وطهران جدية ومصداقية؛ باعتبار أن الخلافات بينهما، والانتقادات السعودية بشكل خاص، ارتبطت في غالبيتها بممارسات إيرانية غير مقبولة في هذا الشأن. ويبقى التساؤل القائم حول التفسير الإيراني لهذا البند غير الواضح، وما إذا كانت ستقصر تدخلها في شؤون السعودية عن طريق اليمن، أم إن الأمر يتعلق بسلوك دولتها في مجمله، بما في ذلك سلوك ميليشياتها المذهبية المنتشرة في المنطقة".

واعتبر المركز أن هذا الاتفاق التاريخي الكبير يأتي في ظل توقيت حساس ودقيق للغاية، تشهده الساحتان الإقليمية والدولية في ظل تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية، واحتشاد الغرب الأوروبي والأمريكي ضد روسيا، وكذلك الانسحابات العسكرية الأمريكية من الأقاليم الجيو-استراتيجية التي تهم الفواعل الإقليمية والدولية بحكم أهميتها الأمنية، ومواردها الاقتصادية، ومواقعها الجيوسياسية في تنفيذ مسارات وخطوط الطاقة، أبرزها الانسحاب العسكري الأمريكي من إقليم الشرق الأوسط، ثم من إقليم وسط آسيا، تحديدًا من أفغانستان.

مرحلة سعودية أكثر ديناميكية

ورأى المركز أنه لا بد من الإشارة إلى العوامل العامة لتوقيع الاتفاق، وهي تتمحور ببساطة حول التحول في توجهات القيادة السعودية، خلال الآونة الأخيرة، إلى مرحلة أكثر ديناميكية وانفتاحًا تجاه مجريات الشؤون الإقليمية والعالمية، بحكم المقدرات والإمكانات السعودية المتعددة ضمن رؤية سعودية طموحة (رؤية 2030م)؛ لتحويل السعودية إلى فاعل إقليمي مؤثر في الشرق الأوسط، بل نقلها إلى مصاف الدول المؤثرة عالميًّا وتعزيز مصالحها إقليميًّا وعالميًّا، وذلك ليس فقط من خلال تصحيح أنماط العلاقات الخارجية ومفهوم الشراكة والمنفعة المتبادلة، وإنما أيضًا من خلال بث الرسائل بأن تحقيق الاستقلالية وتعدد البدائل والشركاء الاستراتيجيين في العلاقات الدولية يعد هدفًا سعوديًّا استراتيجيًّا، وهذا لا يعني تخليًا عن الحلفاء الدوليين التقليديين، ولكن كما تسعى الدول للبحث عن مصالحها الخاصة في علاقاتها الدولية فإن للمملكة الحق أيضًا في أن تبحث عن حلفاء دوليين جدد، وعن تعظيم مصالحها.

دوافع سعودية

وعدَّد المركز دوافع حاسمة عدة، يرى أنها تقف وراء توقيع السعودية الاتفاق في هذا التوقيت، مثل:

* شعور السعودية بجدية إيران: ما لمسته السعودية في إيران بأنها قد تكون جادة خلال هذه المرة، وأنها استفادت من تجربة الماضي المرير، وكذلك توجه السعودية نحو سياسة «تصفير المشاكل»؛ لتعزيز المصالح والمكاسب السعودية الاستراتيجية، وصولا إلى إدراك السعودية لتعاظم فرصها في نظام متعدد الأقطاب، الصين أحد أقطابه المؤثرة للغاية، وهو نظام يتجه نحو التعددية، لم تقوَ خلاله قوة دولية بمفردها على التحكم في التأثير في مجريات الشؤون والقضايا الدولية.

ويبرز هذا النظام أهمية الدول التي تمتلك سلعًا استراتيجية مهمة للتجارة الدولية، والسعودية واحدة من هذه الدول، وتريد أن ترسم لنفسها مكانًا فيه، بما يحفظ أمنها، ويعزز مكانتها، ويضمن مصالحها الاستراتيجية.

واعتبر المركز أن من ضمن الدواعي ثقة السعودية في الصين كضامن دولي؛ إذ وافقت السعودية على توقيع الاتفاق بشكل رئيسي لأن الصين قطب دولي كبير، وتمتلك من أوراق الضغط ضد إيران ما يجعلها قادرة على التأثير في إيران للالتزام بالاتفاق، إضافة لمصالح الصين بدورها لاعتبارات اقتصادية.

ردود أفعال مُرحِّبة

كما عدد المركز أهم دوافع إيران، مثل الظروف الاقتصادية الضاغطة؛ إذ يأتي الاتفاق في توقيت حساس للغاية بالنسبة إلى إيران من الناحية الاقتصادية، على المستوى الشعبي والحكومي.

وكذلك تباطؤ النمو الاقتصادي، وتنامي حالة العزلة الإقليمية لإيران.

وحول أبعاد ردود الفعل الداخلية والإقليمية والدولية أورد التقرير الموقف الرسمي الإيراني المرحِّب بالاتفاق؛ إذ رحب به المسؤولون الإيرانيون في مختلف مستوياتهم، وكذلك الصحافة الرسمية الإيرانية وصفت هي الأخرى بأطيافها وتوجهاتها كافة الاتفاق بأنه مهم وباعث على الأمل.

وحول مواقف القوى الإقليمية قال المركز إن الاتفاق لاقى ترحيبًا خليجيًّا وعربيًّا، وخصوصًا لمعاناة بعض الدول من تأثير التدخلات الإيرانية في شؤونها الداخلية خلال السنوات الماضية، وأملها في رؤية مدى الجدية الإيرانية هذه المرة في تهدئة الصراعات، والوصول إلى حالة من الاستقرار والتعاون في المنطقة.

فيما شكلت إسرائيل الاستياء الرسمي من الاتفاق لدواعٍ معروفة، في حين رحبت الولايات المتحدة بالاتفاق "شريطة أن يؤدي إلى تخفيف التوتر في المنطقة، ويوقف الحرب في اليمن، ويضمن أمن السعودية".

وبشكل عام فقد رحبت الدول الكبرى والمنظمات والتحالفات الدولية، مثل الاتحاد الأوروبي، باستئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، معربة عن تطلعها إلى تنفيذ الاتفاق.

مكاسب لكل الأطراف

وفي سياق المكاسب اعتبرت ورقة المعهد الدولي للدراسات الإيرانية أن هذا الاتفاق له تداعيات قوية على الصراع السعودي-الإيراني في الملفات الإقليمية، بوجود الضامن الصيني. ومن ذلك حلحلة ملفات مثل الأزمة اليمنية، ووقف الاعتداءات الحوثية، والأزمة اللبنانية، وما يخص الساحة السورية، وصولاً للاتفاق على الملف النووي الإيراني. كما سيبرز الاتفاق دعمًا للحضور الصيني في الشرق الأوسط.

فيما ستجني إيران مكاسب عديدة، مثل تحسين علاقاتها مع دول الجوار، وإنهاء حالة العزلة الإقليمية، وتعظيم المصالح الاقتصادية المتبادلة، وتبادل التصدير.. وغير ذلك.

كما أن السعودية وإيران معًا هما محوران أساسيان لطريق الحرير الصيني الواصل إلى أوروبا، وتسعى الصين لتأمينه، وتقليل الخلافات بين الدول الواقعة عليه؛ حتى تقل تكاليف المرور، وتتعاظم مكاسب كل الأطراف.

تحديات عديدة

وفي سياق تحديات الاتفاق السعودي-الإيراني ترى الورقة أن هناك تحديات عديدة، مثل دعم الدستور الإيراني للأيديولوجيا الولائية، كتصدير الثورة والتمدد خارج الحدود، وأزمة الثقة مع الجانب الإيراني. وكذلك الطموح النووي الإيراني، وعدم الرضا الأمريكي والإسرائيلي.

وخلصت الورقة إلى أن تجاوُز الطرفين (السعودي والإيراني)، العديد من العقبات للوصول إلى هذا الاتفاق سيكون له تأثير إيجابي على المنطقة برمتها، لكن تنفيذه يتطلب المزيد من الخطوات اللازمة، ولاسيما فيما يتعلق بإجراءات بناء الثقة، والقيام بخطوات عملية لحلحلة القضايا الخلافية بين البلدين. كما أن الالتزام ببنود الاتفاق، خاصة الجزء المتعلق باحترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، سوف يمثل نقطة محورية في إنجاح الاتفاق، وإحراز تقدم ملموس في العلاقة بين البلدين؛ لأن جوهر الصراع بين البلدين يعود إلى المشروع التوسعي والتدخلات الإيرانية في الدول العربية.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org