قال المحلل السياسي والعسكري اللواء ركن متقاعد حسين معلوي، إن اختيار مصر لتكون أول محطة لأول زيارة خارجية يقوم بها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز منذ توليه منصب ولاية العهد في المملكة العربية السعودية له دلالات سياسية واقتصادية وأمنية وتاريخية كثيرة.
وأضاف: "كان لافتاً للنظر الاستقبال الحار والمميز لسمو ولي العهد عند زيارته لمصر، فمصر كلها حكومةً وشعباً احتفلت بزيارة سمو ولي العهد، منذ لحظة دخول طائرته الأجواء المصرية، والتي رافقتها عدد من الطائرات الحربية المصرية لغرض الحماية والترحيب، ثم كان الموقف الثاني عندما خرج الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عن القواعد البروتوكولية، واستقبل سمو ولي العهد على أرض المطار بعد نزوله من سلم الطائرة".
وأردف: "ثم كان الموقف الثالث عندما رافق الرئيس المصري سمو ولي العهد في مراحل زيارته لمدن القناة ومشاريعها العملاقة (السويس والإسماعيلية ومشاريع الأنفاق التي حُفرت تحت القناة بسبعين متراً وغيرها)، وكذلك مرافقته طوال برنامج زيارته لمصر".
تابع: "أما الدلالة الأولى للزيارة فهي تجديد وتجذير العلاقة التاريخية الخاصة والأخوية بين الشعبين السعودي والمصري في كل المجالات، وقد ثبت لدى الباحثين أن العلاقات التاريخية بين أم الدنيا "مصر"، وأم المقدسات "السعودية" هي علاقة أزلية؛ بسبب الروابط المتينة بين البلدين الشقيقين، وفي العصر الحديث كانت العلاقات بين الحكومة السعودية والحكومة المصرية منذ عهد الملك عبدالعزيز والملك فاروق وحتى يومنا هذا في قمة أوجها ومجدها إذا استثنينا بعض المحطات التي فرضتها ظروف وسياسات غير مبررة من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ومجموعته الاشتراكية في ذلك الوقت التي لم تجد من يغيثها ويجبر عثرتها بعد هزيمة حرب الأيام الستة في يونيو عام ١٩٦٧م أحداً مسانداً ومتضامناً غير المملكة العربية السعوديه بقيادة الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله".
وبيّن: "ثم كانت محطة حرب رمضان من العام ١٩٧٣م عندما قام الملك فيصل بقطع البترول عن الغرب مؤازراً الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات -رحمه الله- من أجل مصر ومن أجل سوريا ومن أجل القضية الفلسطينية".
وزاد: "السعودية كانت حريصة كل الحرص عبر تاريخها على أمن مصر واستقرارها؛ لإدراكها بأن الأمن القومي العربي جزء واحد لا يتجزأ، وقد سجل التاريخ مواقف المملكة الإيجابية من مصر في زمن الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- وفِي زمن الملك سلمان بن عبدالعزيز -أمدّ الله في عمره- عندما كادت مصر أن تغرق بالفوضى السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية فيما سمي بالربيع العربي، حينها وقفت السعودية بشموخ رافضة أن تنهار مصر ليسودها مخطط الشرق الأوسط الجديد بعد تفعيل مبدأ الفوضى الخلاقة الذي نادت به الدكتورة كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة".
وواصل "معلوي": "من هنا سجّل التاريخ تلك المواقف المشرفة للسعودية من أجل سلامة وأمن مصر العروبة والإسلام، وهذا ما توصل إليه المحللون والباحثون والمراقبون بأن السعودية كانت المعين الأول بعد الله لمصر في تخطي العقبات والتهديدات الداخلية والخارجية التي تستهدف مصر كدولة وشعب وكيان".
وقال: "إذا عدنا إلى دلالات زيارة ولي العهد إلى مصر لأدركنا أن الدلالة الثانية هي سياسية بامتياز تستهدف بناء استراتيجية مشتركة ومتكاملة بين مصر والسعودية تخدم المصالح المشتركة بين دول الخليج ومصر وتخدم كذلك الأمن القومي العربي بكل فروعه، والذي تهدده أخطار إقليمية ودولية كثيرة، كما أن من أهم النتائج السياسية لزيارة ولي العهد السعودي لمصر هي معالجة ترهل الجامعة العربية، ولمّ شمل البيت العربي الموحد لمعالجة ما يجري من التهديدات والأخطار في الوطن العربي، خاصة ما يجري في سوريا ولبنان واليمن والعراق وليبيا وغيرها من البلدان العربية بما في ذلك مكافحة التوسع الإيراني في المنطقة".
واستطرد: "أما الدلالة الثالثة فهي ذات منحى اقتصادي بحت حيث تشهد العلاقات الثنائية انطلاق سياسة التكامل الاقتصادي بين البلدين، وليس أدل على ذلك من وجود ما يقارب ٢٤ اتفاقية بين السعودية ومصر في مختلف المجالات منذ الزيارة الأخيرة لخادم الحرمين الشريفين لمصر، وإلى زيارة سمو ولي العهد الحاليّة، يضاف إليها اتفاقيات مشروع النيوم الاقتصادي والسياحي والعلمي العملاق الذي تشارك فيه مصر والسعودية والأردن ويكلف ما يقارب ٥٠٠ مليار دولار".
ونوّه "معلوي" إلى ما أوردته التقارير السعودية والمصرية أن المملكة العربية السعودية هي الدولة الأولى عربياً في حجم استثماراتها لمصر، والتي بلغت أكثر من ٦ مليارات دولار، وتشكل ما نسبته ١١% من حجم الاستثمارات الخارجية في مصر.
وأشار إلى أن الدلالة الرابعة لزيارة سمو ولي العهد لمصر هي دلالة أمنية بامتياز، مبيناً: "كلنا يعلم حجم ومدى التعاون الاستخباراتي والأمني بين البلدين لمكافحة الإرهاب بكل أشكاله ومشاربه وأسبابه، حيث تحتل المملكة العربية السعودية المرتبة الأولى في تحقيق النجاح في مكافحة هذه الظاهرة، سواء كان على مستوى الأفراد أو الجماعات أو إرهاب الدول المارقة على القانون الدولي مثل إيران وغيرها.
واختتم "معلوي" قائلاً: "إذن فإن جميع المحللين والباحثين والمراقبين المتابعين لزيارة ولي العهد السعودي لمصر يستنتجون أن هذه الزيارة تصبّ في مصلحة الشعوب والدول العربية والإسلامية؛ لأن نتائجها ستؤدي إلى التحام وتماسك مركزي الثقل في العالم العربي (السعودية ومصر)، وهذا سيؤدي بدوره إلى نهوض الأمة العربية من سبات نومها العميق؛ لاستعادة دورها الطليعي والتاريخي في حركة المتغيرات والمحددات الإقليمية والدولية التي تصنع النظام العالمي الجديد".