**حذرت من "استراتيجية أوباما ضد الإرهاب"، وطالبت بأن تنأى السعودية عنها، لماذا أنت ضدها؟
شكراً على هذا السؤال، ودعني أسهب قليلاً هنا، بداية يجب أن نتفق على تعريف محدد للإرهاب لكي نقف على أرضية مشتركة. الإرهاب بحسب تعريفي واجتهادي الشخصي، هو: "كل قول أو فعل أو عمل من فرد أو مجموعة أفراد يهدد وجود الدولة". إذاً، الإرهاب مصطلح سياسي وليس أمنياً البتة، بمعنى أنه ليس كل عنف أو تمرد أو عصيان من فرد أو مجموعة يجوز لنا أن نصفه بالإرهاب. وفي ظني، أن أقرب توصيف للإرهاب سنجده في التنزيل الحكيم، وهو "الإفساد في الأرض"، والإرهابيون، "المفسدون". في المقابل، عدم وجود تعريف دولي أو أمريكي للإرهاب هو واحد من الأسباب التي دعتنا إلى التحذير من استراتيجية "أوباما" لمحاربة الإرهاب. كما أن بقاء أمريكا وقواتها في أفغانستان لأكثر من عقد من الزمان بحجة محاربة الإرهاب ولم تحقق شيئاً يُذكر، الفشل في أفغانستان كان سبباً جوهرياً في رفض استراتيجية "أوباما" المزعومة. من ناحية أخرى، الولايات المتحدة اتخذت من "الإرهاب" غير المعرّف، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، استراتيجية جديدة لتوصيف "العدو"، بعد أن كان العدو لأمريكا في الماضي: الإنجليز، ثم الفرنسيين، ثم النازية، ثم الشيوعية. مفهوم "العدو" مهم وحيوي لكل دولة، بل على أساسه تحيا الدولة الحديثة. لكن الإرهاب بالنسبة للاستراتيجية الأمريكية له أهداف أخرى، حيث يمكّنها ويخوّل لها أن تتواجد في كل مكان أو زمان بحجة محاربة الإرهاب. باختصار، استراتيجية "أوباما" هي حرب دائمة وهيمنة مستمرة على الدول والشعوب في الشرق الأوسط.
** في مقالك الشهير "من أين لك هذا؟".. اتهمت الأمير الوليد بن طلال بأنه يقحم المواطن في قضايا ليس له علاقة بها.. والسؤال: هل تريد أن تنال لقب كاتب سابق ذهب "ضحية" الشجاعة الأدبية؟
لا أعتبر أن كتابة مقال نقدي للأمير الوليد بن طلال هو من الشجاعة أياً يكن صفتها، كما لا أتمنى أن أكون "ضحية" لأي سبب كان. ثانياً لو كنت أعلم أن الوليد بن طلال سيغضب أو يمتعض من المقال لما كتبته. ثالثاً، الإيقاف عن النشر اقتصر على صحيفة "الحياة" التي كانت تنشر مقالاتي، والتي أخطأت خطأً جسيماً بمخالفتها كثيراً من الأعراف والقوانين في مجال الصحافة، لكن كما يقول المثل: "لأجل عين تكرم صحيفة". المثير أن الأمير الوليد بن طلال، الذي يسوّق نفسه كمستثمر إعلامي يؤمن بالكلمة الحرة، انزعج من مقال، ولم يكتفِ بالطلب من الناشر لصحيفة "الحياة" بمنعي من الكتابة، بل تعدى ذلك إلى قنوات "روتانا خليجية"، و"الرسالة"، وفي ظني أن مستشاريه في العلاقات العامة والإعلام، قد أشاروا عليه بالرأي الخطأ، وها نحن رأينا نتائج آراء أولئك المستشارين في مشروع "قناة العرب" التي لم تصمد أكثر من ١٠ ساعات. رابعاً نحن قدمنا نصيحة مخلصة عندما شاهدنا أن نجم الأمير الوليد بن طلال بدأ بالأفول، وأردنا أن يتدارك الأمر وينظف الساحة المحيطة به، لكي لا ينتهي به الأمر مجرد أمير يملك أرصدة مالية؛ وسيارات "بنتلي"؛ وناطحات سحاب، من دون أي أثر اجتماعي أو مجتمعي.
** ظهر لنا تكفير وعداء القاعدة منذ سنوات، والآن برزت لنا قسوة ووحشية "داعش".. ما أسباب تكاثر مثل هذه المنظمات الإرهابية في منطقتنا؟
علوّ الصوت الديني المتشدد؛ هيمنة الفكر القبلي البدائي؛ وضعف مفهوم الدولة، ثلاثة أسباب رئيسية لظهور وتكاثر التكفير والمنظمات الإرهابية على أساس ديني في الدول العربية. لو استعرضنا الإرهاب والمنظمات الإرهابية سنجدها تتواجد في مناطق انعدم أو انخفض فيها تأثير الدولة. كيف؟ يقوم الخطاب الديني المتشدد بتفكيك مفهوم الدولة المدنية الحديثة، فينشأ حينها نوع من التجلط في أوردة وشرايين الدولة، مما يؤثر على مناعتها، ونقص المناعة يجعل من المجتمع فريسة سهلة للفكر المتطرف، ثم يتعزز العنف بوجود الفكر القبلي، وعندها تنطلق الفوضى تدريجياً. من ناحية أخرى "كسل الفقهاء" الذي صرح به الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- هو سبب جوهري في ظهور التطرف الديني؛ لعدم قدرة الفقهاء وعجزهم عن تجديد الخطاب الديني، وتقديم مفهوم عصري للدين، وفهم التنزيل الحكيم والرسالة المحمدية التي جاءت رحمة للناس والعالمين.
** هل ترى ملامح نصر عربي قادم "من أي نوع" أم إننا كالعادة نطارد سراباً كاذباً؟
أنا فقدت ثقتي في مفهوم "العروبة" وكل ما هو عربي بمعنى القوة الجماعية، فقد أثبت التاريخ القريب أن العرب ٢٢ دولة تفرقها لغة واحدة ودين واحد تقريباً. الدعاوى التي ظهرت نتيجة سقوط الإمبراطورية العثمانية باسم القومية العربية، والزخم الذي صاحب الثوار العرب باسم القضية الفلسطينية والمتاجرة فيها، انتهى وعفى عليه الزمن. نظرية أو مفهوم الزعيم الأوحد أو المنقذ لم تعد مقبولة، وزعامة الدول هو سراب يحسبه الظمآن ماءً. الأمل معقود -بحول الله- على أن يدرك الساسة والحكام العرب أن معادلة "العربة والحصان" السابقة تغيّرت. فقد تقدمت المجتمعات والشعوب في يومنا الحاضر إلى موقع "الحصان"، وتراجعت الحكومات والحكام المستبدة إلى موقع العربة. ولذا، ما يجب علينا قبل أن نذهب إلى القوة الجماعية عربية أو إسلامية، هو بناء وصيانة القوة الفردية للدولة، عندها، وعندها فقط، يمكن أن نفكر بشكل جماعي إقليمي أو دولي، سواء كخليجيين، عرب، أو مسلمين. مع أن الأفضل التفكير بشكل إنساني في المستقبل.
** ما أهم ما ينتظره السعوديون؟
ما قام به الملك سلمان -وفقه الله- هو "ثورة ملك" بكل ما في المصطلح من معنى، ونحن ننتظر أن تكتمل تلك الثورة، ولديّ شعور بأنه ما زال هناك موجات من التغيير الجذري سيجريها الملك، والقيادة السياسية الشابة لهدفين رئيسيين: الاستمرار والاستقرار. لديّ إحساس بأن مجلس الشورى عديم المنفعة والذي أحبط المواطن، سيتغير جذرياً في الشكل والمضمون والأعضاء، وسيكون هناك انتخابات في مجلس الشورى، ومجالس المناطق، والمجالس البلدية؛ لديّ إحساس بأننا سنشهد بنية تحتية. لدي إحساس بأن الأجيال الجديدة التي تشكل أكثر من (٦٢%) من المجتمع السعودي ستشهد مشاريع شبابية للترفيه وإطلاق طاقاتهم الحيوية الكامنة؛ لدي إحساس بأننا سنبدأ في وضع نظام ضريبي متدرج ينقلنا إلى أساليب إدارة فعّالة. لدي شعور وأحاسيس بأننا من حسن إلى أحسن بإذن الله.
** هل ما زالت "الرواتب السعودية" متدنية ولا تتناسب مع حجم الاقتصاد وارتفاع الأسعار؟
الرواتب السعودية، أو لنقل دخل الفرد أو العائلة السعودية متدنٍّ جداً، نسبة إلى كثير من المعايير. وأكبر دليل على ذلك الدراسة التي قدمتها مؤسسة الملك خالد الخيرية. كما أن قيمة الراتب تتضاءل مع عدم وجود دعامات اقتصادية. الاقتصاد السعودي غير كفء ويشكل القطاع الحكومي النسبة الأكبر في الدخل والإنفاق، وما يحتاجه الاقتصاد السعودي هو إعادة هيكلة شاملة ومتكاملة، وأشك في أن وزارة للاقتصاد والتخطيط ستتمكن من حل إشكالية الاقتصاد وإعادة هيكلته. لكن الأمل معقود على الله ثم على سمو رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنموية ألا يصبح ملف إصلاح الاقتصاد يعتمد على نظرة ضيقة ومحدودة لوزير أو وزارة أو مستشار أجنبي.
** سياسياً.. هل يمكن تحقيق تقارب وتفاهم سعودي- إيراني؟
التقارب بين السعودية وإيران ممكن بكل تأكيد، بل ومطلوب أيضاً وأظنه وشيكاً. السعودية وإيران محكومتان بالجغرافيا والتاريخ والسياسة. لنتذكر فرنسا وألمانيا قبل نصف قرن، ونشاهد ما بين الدولتين والشعبين اليوم. حكام السعودية وإيران لديهم من الحكمة السياسية الشيء الكثير، بالرغم من التأزم الذي يطفو على السطح الإعلامي، وبالرغم من المكر السياسي حول توسيع المجال الحيوي ومناطق النفوذ. بالنسبة للخليج، فكل يوم يمضي من دون تقارب وتفاهم بين السعودية وإيران ووضع حقائق الجغرافيا والتاريخ والسياسة أمامنا وتدبرها بكثير من العقل والحكمة، وقليل من العواطف والنعرات، سنسخر وسنخسر. ستسخر منا الأجيال القادمة، وسنخسر كثير من الجهد والوقت والمال. باختصار، الذي يتحدث عن خطر إيراني على الخليج، أو السعودية تحديداً، من المحللين والكتاب في القنوات الفضائية أو الصحف، فهو يهرف بما لا يعرف.
** قال عنك البعض: "من دون صهيون بذاتنا صهاينا.. طراد العمري أنموذجاً".. وذلك عندما وصفت الرئيس السوري بشار الأسد بالوطنية، والقومية والرئيس الشرعي؟
بداية، وصفي للرئيس بشار الأسد بالشرعية والوطنية والقومية لا يعني بتاتاً موافقتي على ما يحدث في سوريا الحبيبة التي أتألم لما يحدث فيها، وفي كل قطر عربي كل ساعة وكل يوم. ثانياً التأجيج الذي حصل ضدي في "تويتر" هو ضريبة إبداء الرأي أو مناقشته في بيئة تجمع ثقافة أحادية، بعدد لا بأس به ممن يستخدم "الإرهاب التويتري" لإسكات الآخرين، وتصنيفهم وإقصائهم. الموضوع السوري معقد لدرجة كبيرة، وإبداء الرأي فيه يندرج على شيء من خطورة السباحة ضد الأمواج الفكرية بعد أكثر من أربع سنوات من النظرة الإعلامية. والمطلوب من كل باحث وكاتب ومحلل مستقل بعيد عن الحب والكره، يقول الله تعالى في محكم كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8]. وأنا أعلن هنا وأكرر، من صحيفة "سبق"، أنني على استعداد لمناظرة أي كاتب أو أكاديمي يختلف مع ما أطرحه عن الشأن السوري أو الإيراني، مناظرة علنية، فلديّ من الثقة، ولله الحمد، والرغبة في التعلم، أن أعلن خطأ رؤيتي وطرحي على الملأ. فقد تحاورت سابقاً مع الدكتور خالد الدخيّل، الكاتب والأكاديمي، الذي يعتبر الأقدر في هذا المجال، إلا أن نظرته انطباعية وعاطفية وبعيدة عن علم السياسة والقانون الدولي والعلاقات الدولية والنظرية السياسية.
** لماذا يراك البعض تسرف كثيراً في إطلاق كلمات "التكفيريين"، "الإقصائيين"، "الداعشيين"، "الإخوانجيين" على من يخالفك؟
مما يدعو للأسف والحزن أن تلك المصطلحات طرأت على مجتمعنا، وأساءت لسمعة بلادنا في الخارج مؤخراً، بعد ما كان المجتمع السعودي يمثل عنوان الاعتدال، والطيبة والقيم النبيلة. كل ذلك بسبب علوّ الصوت الديني المتشدد، وارتباك الخطاب الديني المتشدد، وتكاثر الدعاة المتشددين الذين فقدوا البوصلة، وتناثر كتابات بعض الذين يروّجون للإسلام السياسي. ما يدعو للرثاء لدرجة البكاء أن كثيراً ممن سبق ذكر أوصافهم لهم نوايا طيبة، لكن الجهل بنتائج ما يعبثون به يوقعهم ويوقعنا في عنت كثير وكبير. وساحة للفوضى باسم الدين، والدين من ذلك براء. ولذا، فإن ترديدي للصراخ من "التكفيريين"، "الإقصائيين"، "الداعشيين"، "الإخوانجيين"، ليس إلا خوفاً على هذا الوطن بسبب العبث الديني من بعض الجهلاء.
** ألا يزال الانتهازيون في مجتمعنا يوصفون بأنهم "ذيابة" و"شنب".. فهل هو ذم لهم أم مدح؟
أنا لا أعرف أن الانتهازي يمكن أن يوصف بالأوصاف التي ذكرت، لكن يقول الشاعر: يقضى على المرء في أيام محنته ** حتى يرى حسناً ما ليس بالحسنِ.
والانتهازية هي سمة من سمات كثيرة في البشر، لا تبرز إلا في بيئة حاضنة، وهذا ما يدعو للأسف. مجتمعنا في الخليج حديث وفتيّ وهو في طور الشباب، ومع نعمة أو نقمة النفط، دخلنا فيما يطلق عليه الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران "تسارع التاريخ". هذا التسارع في كل شيء تقريباً انعكس إيجاباً في جوانب، كما انعكس سلباً في جوانب أخرى. لقد توصلت في بعض دراساتي، إلى أن الدول بحاجة ماسة اليوم إلى علماء وخبراء وفقهاء في علم الاجتماع أكثر من أي تخصص آخر. فبينما كان خبراء العلوم العسكرية عصب الدول في قديم الزمان، وعلماء الاقتصاد ظهرت الحاجة إليهم قبل قرن من الزمان، وعلماء في السياسة قبل نصف قرن، وعلماء الإدارة قبل عقدين، فإن الحاجة اليوم إلى علماء الاجتماع. التغير المتسارع في المجتمع بسبب نشوء أجيال جديدة، ومتغيرات متلاحقة في التقنية والتلاقح الثقافي في الوعي البشري، يؤكد أهمية التعرف على مجتمعنا الذي نعيش فيه. ولذا، كإجابة مختصرة ومباشرة عن سؤالك، لم يعد "الذئب" و "الشنب" من محفزات الأجيال الجديدة.
** كتبت دائماً أن علاقة السعوديين بالمرأة مضطربة، ومحتقنة، وأن من يناصبها العداء في مجتمعنا سيمسخه الله إلى "ضب" في الصحراء.. فهل العلاقة فعلاً مضطربة في الواقع؟
نعم، علاقتنا بالمرأة فيها كثير من الاضطراب، والاحتقان بسبب حفنة منغلقة في الماضي خلطت الاجتماعي بالديني بالسياسي، واختلط واستعصى عليها التفريق بين "الثابت" و"السائد"، فكانت النتيجة مرضاً فكرياً عضالاً اسمه المرأة. قضية المرأة هي واحدة من قضايا نشاز كثيرة نطلق عليها تجملاً أو خجلاً "الخصوصية السعودية" مع كل أسف. العلاقة بين الرجل والمرأة، وعلاقة المجتمع بالمرأة، كلها شواهد ومعايير حضارية، فالفرد والمجتمع الذي يكرم المرأة ويتعامل معها بالحسنى والرفق واللين هو ذلك الفرد والمجتمع المتحضر، أما المجتمع البدائي فهو الذي ينظر إلى المرأة شزراً، ويستعيب من اسمها وصوتها وشكلها وحضورها.
** إلى أي مدى تمنح الكتابة الصحفية المنتظمة كاتبها العلاقات المهمة، والحظوة الكبيرة، و"الشرهات"؟
الكتابة الصحفية الواعية تنبئ عن نفسها، والقارئ ذكي بشكل كبير، ويستطيع أن يستشفّ بسرعة مذهلة ماهية الحرف، والكلمة، وغاية صاحب القلم. وبالرغم من تراجع أهمية وقيمة المقالات الصحفية المليئة بالغث، وتزايد أهمية وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن الكلمة الحرة المستقلة ما زالت تحظى بكثير من الاهتمام، ولو كانت في "تغريدة". قد يحصل الكاتب في الصحافة على الكثير من المميزات مثل العلاقات، والحظوة، و"الشرهات"، والشهرة. لكن يبقى سؤال يؤرق الكاتب ويشغل المجتمع: هل حصل الكاتب على الاحترام؟ هذا هو السؤال الذي يبرز إلى الذهن قبل الكتابة، وخلال الكتابة، وبعد نشر الكتابة.