"الخشيبان" لـ"سبق": السعودية "صانعة السلام" دائمًا.. ومحاربتها الفساد لم تحدث من قبل في تاريخ المنطقة

قال إن "الرياض" تمارس دورها في التوازن السياسي و"تصفير المشكلات" والعمل مع شركائها على الحلول
"الخشيبان" لـ"سبق": السعودية "صانعة السلام" دائمًا.. ومحاربتها الفساد لم تحدث من قبل في تاريخ المنطقة

- الاتفاق السعودي-الإيراني تم في ظرف سياسي دولي يؤهله للاستمرار خاصة أنه برعاية صينية

- المسار الإقليمي والدولي لتحقيق منجزات رؤية 2030 يتطلب الاستقرار والثقة المتبادَلَة

- على العالم انتظار المزيد من الوهج السياسي السعودي في المرحلة المقبلة

- اليسار الغربي ينشر المثلية في المجتمعات العالمية بدواعٍ واهية ويربط الشذوذ بالحريات الفردية

- النظام العالمي الجديد لا يمكن صياغته اليوم إلا فوق طاولة الشرق الأوسط

- السعودية هي قائد العالم العربي ومركز القيادة الإسلامية وميزان الطاقة الدولي

- منطقتنا عانت استقطابات دولية شديدة وتقلبات سياسية مارستها الدول الكبرى

- حرق المصاحف من قِبل بعض المتطرفين الأوروبيين أسبابه أيديولوجية وسياسية

- الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني حلُّه قيام الدولتين الذي قدَّمته السعودية بموافقة العرب

حوار/ شقران الرشيدي - سبق: يقول الكاتب والباحث والمحلل السياسي، الدكتور علي بن حمد الخشيبان: "أثبتت التجربة السعودية أن الأنظمة السياسية، بغض النظر عن شكلها أو مسماها الدولي، يمكنها لعب دور بارز في الحد من ظواهر الفساد عبر الأنظمة العادلة والصارمة". ويؤكد في حواره مع "سبق" أن السعودية التي تُقدِّم للعالم رؤيتها 2030 تدرك أن المسار الإقليمي والدولي لتحقيق منجزات هذه الرؤية السياسية والاقتصادية يتطلب صناعة الاستقرار، وبناء تصورات الثقة المتبادَلَة طويلة الأجل بين دول المنطقة.

ويتناول الحوار عددًا من المحاور السياسية المهمة.. فإلى التفاصيل:

محاربة الفساد

Q

** من المعروف أن ممارسات الفساد تُنهك الدول، وتصل بالمجتمع إلى مرحلة خطيرة.. كيف ترى ما تقوم به السعودية في هذا الجانب؟

الخطوة التي قامت بها السعودية في محاربة الفساد لم يحدث لها شبيه في تاريخ المنطقة، ولم يسجل تاريخ منطقتنا خلال القرن الماضي وهذا القرن أي عملية اجتثاث للفساد كما فعلت السعودية، وأعني بذلك: تلك الشمولية التي تم من خلالها معالجة هذه المشكلة، خاصة أن القرار الحكومي أكد أن الحرب على الفساد شاملة، وليس من بين بنودها أي استثناءات يمكن حدوثها. كما أن العلاقة بين جرائم الفساد ومحاسبتها علاقة طردية، لا تتوقف عند زمن أو فترة؛ فالتقادم لا يُسقط القضايا الخاصة بالفساد مهما كانت.

ولقد أثبتت التجربة السعودية أن الأنظمة السياسية، بغض النظر عن شكلها أو مسماها الدولي، يمكنها لعب دور بارز في الحد من ظواهر الفساد عبر الأنظمة العادلة والصارمة، سواء ملكية أو ديمقراطية أو جمهورية. والسعودية تدرك بعمق أن مشروعاتها التنموية والتطويرية لا بد أن تتم عبر أنظمة مكافحة الفساد، ونشر العدل الاجتماعي، وتحقيق التطلعات والرؤى التنموية.. وهذا ما تمارسه السعودية عبر برامج ومسارات رؤية 2030.

الاتفاق السعودي-الإيراني

Q

** الاتفاق السعودي-الإيراني أدى إلى إعادة العلاقات، وفتح السفارات.. ما أبرز تداعياته الإيجابية؟

السعودية، وعبر تاريخ يقترب عمره من 3 قرون، هي صانعة للسلام دائمًا، وتبحث عنه. وما يميز السياسة السعودية أنها سياسة تتميز بالرشاقة والمرونة، والقدرة على المناورة بسرعة، وتحقيق الإنجازات مهما كانت المشكلات التي تواجهها. وهذا الاتفاق ليس الوحيد الذي تم بين الطرفين، ولكنه "الأميز" والأكثر استثارة للأسئلة المهمة؛ فهو يأتي برعاية صينية، والتزامات محددة، ظهرت والتزمت بها بكين حيث عُقد الاتفاق. كما أن الظرف السياسي الدولي الذي عُقد فيه هذا الاتفاق يؤهله للاستمرار، خاصة أنه برعاية صينية. وهي المرة الأولى التي تظهر فيها الصين كطرف في تحقيق السلام وترسيخه، وضمان بنوده، في واحدة من أكثر الأزمات الدولية تعقيدًا.

والمنطقة بحاجة إلى الأمن والاستقرار، وهذا هو الهدف الأكثر رؤية بين الطرفين (الإيراني والسعودي). كما أن السعودية التي تُقدِّم للعالم رؤيتها 2030 تدرك أن المسار الإقليمي والدولي لتحقيق منجزات هذه الرؤية السياسية والاقتصادية يتطلب صناعة الاستقرار، وبناء تصورات الثقة المتبادَلَة طويلة الأجل بين دول المنطقة، خاصة أن المنطقة عانت خلال العقدين الماضيين استقطابات دولية شديدة، وتقلبات سياسية، مارستها الدول الكبرى، وخلفت في الواقع بيئة سياسية قلقة؛ وهذا تطلَّب من الرياض أن تمارس دورها في تحقيق التوازن السياسي في المنطقة عبر تعزيز فكرة "تصفير المشكلات"، والعمل مع الشركاء على حل المشكلات التي تعانيها المنطقة، والذهاب إلى حلها، وتجاوُز العقبات بعيدًا عن بقاء الشرق الأوسط والخليج منطقة استقطاب غير مستقرة للتنافس الدولي، ودون إنجازات سياسية أو اقتصادية.

الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني

Q

** الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني متى ينتهي؟

هذه الأزمة تقترب من عقدها الثامن دون أفق مشرق، يعيد الأمل بحل مناسب، يُرضي جميع الأطراف؛ لذلك فإن هذا الصراع طويل وعميق ومعقَّد، ولكنه أثبت أنه لن ينتهي إلا بحل وحيد غير قابل للتغيير، ألا وهو منح الفلسطينيين حقوقهم. وحل الدولتين الذي قدَّمته السعودية بموافقة العرب جميعًا هو الحل الوحيد أمام إسرائيل لتحقيق السلام. وخلاف ذلك يجعل الشكوك كبيرة حول نهاية الصراع.

وجود الرجل والمرأة

Q

** البشرية تقوم على وجود الرجل والمرأة، فما الذي تغيَّر حاليًا؟ ولماذا تحاول بعض الدول والمجتمعات تمرير أن المثلية والتحول والشذوذ أمر طبيعي، وتروِّج لها سياسيًّا وإعلاميًّا وثقافيًّا؟

علميًّا لم يستطع أحدٌ في العالم أن يثبت أن المثلية والتحول الجنسي جزء من التكوين البشري الطبيعي؛ فهي -بلا شك- دخيلة على السلوك الإنساني الذي ميَّز البشرية عبر الزمن. وقد أثبت العلم ذلك. وقد لفت نظري كتاب مهم، يناقش هذه الأزمة، نشره بعد ترجمته مركز البحوث والتواصل المعرفي بالرياض. وعنوان الكتاب "هل جيناتي جعلتني هكذا"؟ هذا الكتاب أثبت أن القضية بعيدة كل البُعد عن التأثير البيولوجي للبشر، وهي ليست أكثر من توجُّه سياسي معاكس للقيم الإنسانية الطبيعية.

وفي الواقع، وبحسب الدراسات، فإن اليسار الغربي هو مَن تسبَّب في نشر المثلية، وتعزيزها في المجتمعات العالمية بدواعٍ سياسية واهية، ومبادئ غير صحيحة، من خلال ربط هذا الشذوذ بالحريات الفردية. وقد عمل صُناع الشذوذ ومؤيدوه -مع الأسف- على تمريره بكونه جزءًا من التحرر الإنساني. وهذا المسار يتطلب مواجهة صارمة، وترسيخًا مكثفًا للوعي بحقائق هذه الظواهر، خاصة في عالمنا العربي والإسلامي، حيث الحقائق واضحة وثابتة عقديًّا وعلميًّا حول تعريف الذكر والأنثى.

حرق المصحف

Q

** لماذا يلجأ بعض المتطرفين الأوروبيين إلى استفزاز المسلمين وحرق المصحف أمامهم في بعض الدول الأوروبية؟ وما الهدف من فعلتهم؟

في هذا الوضع المرتبط بحرق المصاحف من قِبل المتطرفين، وأتباع اليمين المتطرف، لا بد من الإشارة إلى خلفية الصراع التاريخي بين الأديان، وما يمكن أن يلعبه ذلك من دور بارز في تأجيج مشاعر العداء بين أتباع الديانات. ومع تلك المحاولات الهائلة في العصر الحديث، التي يبذلها عقلاء العالم، سواء من الدول أو القياديين الدينيين أو السياسيين في العالم، إلا أن العالم لم يفتقد مظاهر الاستفزاز التي يبديها البعض تجاه الإسلام، خاصة في أوروبا.

وحرق المصاحف من قِبل بعض المتطرفين متعمَّد في معظمه، وتقف خلفه أسباب أيديولوجية وسياسية.

ومن وجهة نظري، تدور القضية حول التزايد الملحوظ لأعداد المسلمين في أوروبا خاصة، إضافة إلى أن الأنظمة في أوروبا تسمح للجاليات، سواء المسلمة أو غيرها، بالصعود في السُّلَّم المدني الاجتماعي في تلك البلدان، خاصة المسار السياسي؛ وهذا يُولِّد ضدهم العداء.

ويستغل المتطرفون هذا الجانب، ويتم تعمُّد حرق المصاحف لأسباب عدة، منها رفض المسلمين في تلك البلدان، ومنها التعبير عن رفض المزيد من المهاجرين إلى أوروبا، خاصة أن اليمين المتطرف يروِّج لأفكاره ضد هجرة المسلمين من خلال تصعيد مشاعر الخوف على الهوية الأوروبية، والخوف من اندثارها، خاصة أن المسلمين يُعتبرون من الجاليات التي تحتفظ بقيمها وتقاليدها وثقافتها في أي مجتمع تعيش فيه.

والجميع يدرك أنه في أوروبا تتصاعد نظرية "الإسلام فوبيا" مستغلة الأنظمة الحرة، من أجل الهجوم على أتباع واحد من أكبر الأديان في العالم.

وما يقلق في هذا الجانب أن هناك قلقًا من صعود الإسلام، بحسب التوقعات؛ إذ من المتوقع أن يصل عدد المسلمين في العالم إلى رقم يمكنهم من أن يكونوا ثلث سكان العالم بحلول عام 2050م.

السياسة الخارجية السعودية

Q

** ما ملامح وسمات السياسة الخارجية السعودية؟

السياسة السعودية الخارجية استطاعت منذ عام 2015م أن ترسم لها مسارًا أكثر حيوية وظهورًا، وأدق فهمًا حول معطياتها؛ فما تعيشه السياسة السعودية اليوم هو تعبير مباشر عن تحولات جذرية، تتطلبها الظروف الدولية، ويدعمها التطور الطبيعي في المكانة السياسية السعودية. وهذا ليس انقلابًا على القيم السياسية السعودية التقليدية الراسخة كما يعتقد البعض؛ فالمعايير الاستراتيجية في السياسة السعودية لم تتغير؛ فالسعودية قائد أساسي في العالم العربي، وتمارس دورها من منطلق مسؤوليتها ومكانتها الإقليمية والدولية. كما أن السعودية هي مركز القيادة الإسلامية، والورقة الإسلامية في العالم هي ورقة سعودية بلا شكوك. هذا إضافة إلى أن السعودية هي قائد الطاقة في العالم، ومحور اهتمام الكرة الأرضية اقتصاديًّا؛ فهي مَن يمسك بميزان الطاقة الدولي، وهي من يحدد الاتجاهات العالمية، ويضبط التوازن السعري للبترول في العالم.

وقد اتضحت ملامح السياسة السعودية من خلال رؤية السعودية (2030)، التي كشفت أنها سوف تعمل على خلق نهج تحويلي لبناء اتجاهات سياسية واضحة، تقوم على المراهنة المباشرة على مصالح السعودية المتوازنة، دون تضحية بالمواقف الراسخة للمملكة، وموقفها الدائم من القضايا العربية والإسلامية والدولية، ومبادراتها نحو السلام، ونحو الاستقرار، وضمان سبل العيش الكريمة لشعوب الأرض، وعدم التدخل في شؤون الآخرين.. وذلك ما سيؤدي في النهاية إلى تحفيز الوعي الدولي بالدور المنتظر للمملكة ونهجها الاقتصادي، الذي حملته ملامح رؤية 2030م؛ لذلك فإن على العالم انتظار المزيد من الوهج السياسي السعودي في المرحلة المقبلة؛ فالسعودية الساعية إلى تحقيق الإنجازات التنموية ينتظرها العالم من حولها بفارغ الصبر؛ لتكون المثال الأهم في نقل منطقة الشرق الأوسط؛ لتكون مرتكزًا دوليًّا في كل المجالات.

مستقبل الشرق الأوسط

Q

** كيف ترى مستقبل الشرق الأوسط والدور السعودي في المنطقة والعالم؟

مستقبل الشرق الأوسط تحتضنه دائمًا مسارات متفاوتة، تمتد بين التفاؤل والحذر؛ فالجميع في المنطقة يسعى إلى الوصول إلى نقطة الانطلاق نحو المستقبل، وتحقيق الإنجازات، من خلال محاولات جادة لخفض الأزمات، وخفض التصعيد في المنطقة، سواء أزمات سياسية، أو اقتصادية، أو عسكرية.

ومنطقة الشرق الأوسط -في الحقيقة- تعاني تلك التأثيرات، خاصة التفاوت الاقتصادي الذي يمنح بعض دول الشرق الأوسط -ومنها دول الخليج- القدرة أكثر من غيرها على مواجهة الأزمات، والظروف الاقتصادية الطارئة، بطرق أكثر مرونة وانسيابية، بينما هناك دول شرق أوسطية تشعر بالقلق والخوف الدائم من إمكانية عودة التوترات المجتمعية والاقتصادية للمنطقة، ويتحول ذلك في بعض الأحيان إلى حذر، يصل إلى درجة عدم الثقة بالمشروعات التنموية الإقليمية. ويندرج تحت هذا المسار التفسير المباشر حول فشل المشروعات الإقليمية التطويرية التي قادتها بعض الدول في المنطقة خلال النصف الثاني من القرن الماضي.

ومن وجهة نظري، فإن الطبيعة السياسية والاقتصادية لدول الشرق الأوسط ضاعفت من دور المنطقة في تمرير أفكار مختلفة للعالم، ولكن المقلق أن مساهمة منطقة الشرق الأوسط في تمرير الأزمات أكثر من غيرها، ومع ذلك ساهمت المنطقة -بالرغم من أزماتها- في لعب دور بارز في مسارات النظام العالمي وتشكيلاته. وتقول المؤشرات السياسية القائمة اليوم إن النظام العالمي الجديد لا يمكن صياغته إلا فوق طاولة الشرق الأوسط.

والحقيقة المطلقة هي أن الأزمات التي يعانيها الشرق الأوسط قد تستمر فترات قادمة، خاصة أن المشكلات الأساسية وأسبابها لم تعالَج بعد بشكل مباشر، على الرغم من التداول الدبلوماسي الدولي لهذه المشكلات.

ومن هذه النقطة سوف أنتقل إلى الجزء الآخر من السؤال عن الدور السعودي في المنطقة والعالم.. فليس هناك شك بأن الدور السعودي إقليميًّا وعالميًّا نافذٌ ومؤثر؛ فالسعودية هي الدولة الأكثر تفردًا بقدرتها على الانفتاح السياسي على جميع القوى الدولية والإقليمية، كما أنها الدولة القادرة على احتواء الخلافات، وتفعيل العمل المشترك، سواء العربي أو الإسلامي.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org