عبدالحميد السلمان "مثقف البسطاء".. يحكي لـ"سبق" سر جلساته الأدبية في "سوق الزل" والمصاحف النادرة التي بيعت بـ900 ريال

"مؤرخ" يقضي وقته في التجول بالسوق القديم والاختلاط بالناس ومشاهدة المزادات وقراءة الوثائق
عبدالحميد السلمان "مثقف البسطاء".. يحكي لـ"سبق" سر جلساته الأدبية في "سوق الزل" والمصاحف النادرة التي بيعت بـ900 ريال

- الأربعاء من كل أسبوع موعد جلستي في "السوق"، يحضرها المثقفون وتجذب "الخواجات" من نيوزيلندا وبريطانيا وأمريكا والبرازيل.

- أسستُ مكتبتي الخاصة منذ أكثر من 50 عامًا وتحتوي الآن 30 ألف عنوان ومئات الوثائق التاريخية.

- عملت مع الشيخ بن باز في دار الإفتاء ومع الشيخ حمد الجاسر في بعض الاهتمامات الأدبية والثقافية.

- أنا من مواليد شارع الظهيرة أول شارع "مزفلت" في الرياض ووالدي أول معلم في المعهد العلمي بالرياض.

- "التذكارية" أقدم مدرسة نظامية بالرياض سُمّيت بذلك بمناسبة عودة الملك عبدالعزيز من زيارته لمصر عام 1946م.

- لا أخرج من المنزل إلا بعد أن أستأذن والدتي فإن أذنت لي خرجت وإن لم تأذن أظل في البيت.

- ساحة الصفاة بالرياض تسمى "ساحة القصاص" وبها أُسّس "حراج بن قاسم" أقدم حراج في المملكة منذ ما يزيد على 100 عام.

أجرى الحوار/ شقران الرشيدي- الرياض: عبدالحميد السلمان أو كما يطلَق عليه الشيخ عبدالحميد "مثقف البسطاء"، مواطن يهوى التاريخ والأدب والشعر، وهَب وقته وجهده للأدب والفكر. مؤرخ ومؤسس وقف "الكلمة الطيبة" العالمي، يرى نفسه مجرد واحد من الناس لا أكثر، ويجد ذاته في القراءة والكتابة. "أبو محمد" يعيش يومه مع البسطاء، لا يحمل جهاز جوال، ولا يلبس ساعة في يده، ويقرأ كل الصحف المحلية والمجلات بشكل منتظم. وباختصار هو رجل يعيش كليًّا مع التاريخ والكتب والثقافة والناس.

في حديثه مع "سبق" جمع العمق إلى البساطة، وابتعد عن التكلف؛ حيث جلس في مكانه المفضل داخل "سوق الزل" بالرياض القديمة بدون غترة، وبلحية يملؤها البياض، وابتسامة مريحة؛ دار معه الحوار التالي:

محب للأدب والتاريخ

Q

** يطلق عليك البعض لقب المثقف، وآخرون يرونك الأديب، والمؤرخ، فكيف ترى أنت نفسك؟

أنا عبدالحميد بن عبدالعزيز السلمان، إنسان محب للأدب والتاريخ، من مواليد شارع الظهيرة، وهو أول شارع "مزفلت" في الرياض، درست في المدرسة العزيزية الابتدائية، التي تقع على امتداد هذا الشارع، وتعد ثالث مدرسة أنشئت في الرياض بعد المدرسة التذكارية والمحمدية، وسبب تسمية "التذكارية" هو مناسبة عودة الملك عبدالعزيز المؤسس -طيب الله ثراه- للرياض قادمًا من زيارته لمصر عام 1946م، وتعد المدرسة التذكارية أقدم مدرسة نظامية في العاصمة؛ حيث الْتحق بها مئات الطلاب وخرّجت الكثير ممن تولوا مناصب قيادية في الدولة آنذاك؛ ثم أسست المدرسة المحمدية، نسبة إلى الأمير محمد بن عبدالرحمن، شقيق الملك عبدالعزيز، والذي كان وليًّا للعهد في حينه، ثم تنازل عن ولاية العهد لابن أخيه الملك سعود بن عبدالعزيز، الذي أصبح ملكًا فيما بعد. درست المتوسطة والثانوية في المعهد العلمي القريب من هذه المنطقة في "دخنة"، ثم درست في كلية الشريعة التي تقع في شارع الوزير في موقعها القديم التابع لجامعة الإمام. ومنذ الصف الثالث الابتدائي اكتشفت حبي للكتب، بقراءة قصص الأنبياء، ومقدمة ابن خلدون، ورياض الصالحين، والزير سالم وغيرها، وبدأت في تكوين مكتبتي الخاصة منذ أكثر من 50 عامًا، وتحتوي الآن أكثر من 30 ألف عنوان، ومئات الوثائق التاريخية.. والدي هو العلامة الشيخ عبدالعزيز السلمان، رحمه الله، من علماء الأمة. وقد عملت مع الشيخ بن باز في دار الإفتاء، ومع العلامة الشيخ حمد الجاسر في بعض الاهتمامات الأدبية والثقافية.

التردد الدائم

Q

** يتساءل الكثيرون عن سر تواجدك الدائم في منطقة الديرة في الرياض القديمة، وفي سوق الزل تحديدًا؛ فما هو سبب ذلك؟

أجيء إلى "سوق الزل"، وساحة العدل، ومنطقة الديرة كل يوم، وأبقى إلى أن يغلق السوق الساعة العاشرة مساءً، أقضي وقتي في التجول، والاختلاط بالناس، والاطلاع على الجديد، ومشاهدة المزادات والقراءة إن سمح لي الوقت. وهذا السوق أعرفه منذ ما يقارب الـ50 عامًا؛ حيث كنت أتردد عليه بصحبة والدي الشيخ عبدالعزيز بن محمد السلمان، الذي يُعد أول معلم في المعهد العلمي بالرياض، وفي المعاهد العلمية في المملكة، وأيضًا قد سَبَق تأسيسَ هذا السوق، حراجُ بن قاسم الشهير الذي يقع في ساحة الصفاة أو ساحة العدل، أو إن شئت فسمها ساحة القصاص، التي شهدت فيها أيضًا عددًا كبيرًا من تنفيذ القصاص. هذه الساحة كانت تحتضن أول حراج أسس في المملكة ربما منذ ما يزيد على 100 عام، وهو حراج بن قاسم الشهير، وأدركته وأنا صغير دون العاشرة، ثم أنشئ هذا الحراج واسمه "سوق الزل"؛ لأن في البداية كل التجار كانوا يبيعون الزل وهم معروفون، والآن يبيعون الدلال والعقل، والغتر والطواقي، والصور والوثائق والعملات القديمة وغيرها.

لا دكان ولا بسطة

Q

** هل لك مكان تجلس به أو محل تجاري في السوق؟

في الحقيقة لا يوجد لي لا مكان ولا دكان ولا بسطة؛ لكني أزور هذه المنطقة "منطقة الديرة"، كل أسبوع 3 مرات؛ الاثنين والأربعاء والجمعة، وفي يوم الأربعاء تحديدًا عندي جلسة أدبية صرفة في إحدى المقاهي القريبة من هنا، تبدأ من بعد صلاة المغرب وحتى أذان العشاء، ودخلت الآن عامها الـ30 تقريبًا، سميتها صالون الشيخ عبدالحميد بن عبدالعزيز السلمان الأدبي الإسلامي الأول في الرياض، ويحضرها العديد من المهتمين بالأدب والشعر من داخل وخارج المملكة، ويتفاوت الحضور بين الكثير والقليل. وتجذب الكثير من "الخواجات" والأجانب الذين يرتادون السوق من جميع الجنسيات، وقابلت منهم الكثير من نيوزلندا، وبريطانيا، وأمريكا، والبرازيل وهلما جرا، وأنا أرحب بأي جنسية تحضر وتناقش.

البر بالوالدين

Q

** تداولت مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو ذكرت فيه برك بوالدتك وعدم خروجك من المنزل إلا بعد أن تستأذنها؛ ما مدى صحة ذلك؟

نعم، أنا لا أخرج من المنزل إلا بعد أن أستأذن والدتي فإن أذنت له خرجت، وإن لم تأذن لم أخرج وأظل في البيت، وكنت أفعل ذلك مع والدي أيضًا، رحمه الله، فحينما يوفق العبد منذ صغره للبر بوالديه وينشأ على ذلك؛ يستمر في أخلاقه الحسنة وإن شابت لحيته وبلغ من العمر ما بلغ.

مواقف

Q

** من خلال ترددك اليومي في "سوق الزل"؛ ما هي المواقف التي حدثك أمامك ولا تنساها؟

اليوم بيع عدد من المصاحف المخطوطة النادرة، وأكبرها مصحف بيع بـ900 ريال، وهناك مصاحف بيعت على 290 ريالًا، و400 ريال و800 ريال، وكلها نادرة وقديمة مخطوطة باليد، ولا يقل عمرها عن 200 إلى 300 عام، وأنا أعرف المخطوطات الحقيقية، ويقال إنه قد وجد صندوق قديم به 50 ألف ريال مخبأة بطريقة خفية. كذلك بعد شهر رمضان الماضي بأسبوعين بيعت 3 "غضارات" نادرة بحجم فنجان القهوة الكبير اشتراها أحد سماسرة السوق بمبلغ 3000 ريال للواحدة، وهو من كبار المهتمين بالتراث، وأعاد بيعها بمبالغ كبيرة عبر "النت" عن طريق مواقع إلكترونية مشهورة إلى مشترين من مختلف دول العالم.

ولا شك أن في السوق ربحًا وفيرًا، وما يؤسف له أن هناك بعض الملاحظات التي تعتري السوق، كعدم وجود كراسٍ للمتسوقين، وعدم تمدد ساعات الدوام في السوق إلى الساعة الـ2 ليلًا لأن الزمن تغير، والناس أصبحت تسهر، أما أن يقفل السوق في تمام الساعة الـ10 مساء فهذا غير مقبول. ولقد سافرتُ لعدة دول كمصر وغيرها ورأيت أن مثل هذه الأسواق تعمل طوال الليل؛ فلماذا لا نعمل هذا خاصة ونحن نشجع حاليًا السياحة والفعاليات الترفيهية المتنوعة.

كما آمل منع التسول الكثير في السوق من بعض الجنسيات العربية وغيرها التي تُحرج المتسوقين والمترددين على السوق، وأتمنى من أعضاء مكافحة التسول أن يكونوا متواجدين في السوق ليكفونا شر هؤلاء المتسولين فلا نعلم أين تذهب أموال التسول التي يحصلون عليها، والدولة -وفقها الله- لم تقصر؛ لكنني لا أرى لهذه المكافحة أثرًا في السوق. كذلك التستر في السوق منتشر، والكثير من المحلات مفاتيحها بيد الوافدين العرب، وأستطيع أن أقول إن 90% من الباعة غير سعوديين، وهذا أمر يؤسف له، أتمنى أن أرى ابن بلدي والمواطن السعودي هو من يدير ويبيع في السوق. أتمنى إنشاء مقاهٍ ومطاعم شعبية تُعنى بالأكل السعودي، وهناك أيضًا مبالغة في الأسعار فبعض السندويشات والقهوة والشاي تباع هنا بـ20 ريالًا للسياح وغيرهم، والنظافة تحتاج إلى مراقبة. وأسعار التحف والأثريات تباع للسياح بشكل مبالغ فيه، ويدخلون الصناعة السورية وغيرها في البشوت والمشالح على أنها صناعة وطنية سعودية. وأتمنى تخصيص أكشاك صغيرة لبيع الصحف والمجلات الورقية.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org