د."الجديع" لـ"سبق": الدور المحوري للسعودية كان مفتاحًا للمنطقة في كشف خطورة "جماعة الإخوان المسلمين" الإرهابية والتصدي لها

كشف الكثير من التفاصيل الجديدة حول خفاياها وتعاونها مع العديد من أجهزة المخابرات
د."الجديع" لـ"سبق": الدور المحوري للسعودية كان مفتاحًا للمنطقة في كشف خطورة "جماعة الإخوان المسلمين" الإرهابية والتصدي لها

- خطاب ولي العهد كان مفصليًا في تحديات المنطقة

- الدور المحوري للسعودية كان مفتاحًا للمنطقة أن تدرك خطورة هذه الجماعة

- لا يمتلك الإخوان مفهومًا عن الوطن والخيانة الوطنية

- أجهزة مخابرات عرضت القيام بأعمال إرهابية في السعودية!

- تقتات جماعة الإخوان على العيش بين الشقوق والتصدّعات بين الدول

- في البنية الأساسية لجماعة الإخوان المسلمين أن ينظروا لأنفسهم على أنهم دولة

- "الإخوان المسلمون" الإرهابية يعملون بمفهوم على أنهم هم دولة داخل دولة

- تتظاهر الجماعة بالديموقراطية ومن ذلك دعمهم للمثليين

- في خضم الحرب الباردة لمع اسمهم في دوائر المخابرات الأمريكية والبريطانية والفرنسية

- تلقت الجماعة الدعم باسم جمعيات حقوقية ولكنها تحتفظ بأفكارها القديمة

- تهديد الصين باستنزافها عبر مجموعات إرهابية

- الأمن الفكري ضرورة حيوية

حوار - محمد عطيف: في حديثه لـ"سبق" يدخل د. عبدالله الجديع، المستشار في الأمن الفكري، في ثنايا العديد من القضايا المفصلية، كاشفاً العديد من الحقائق التي قلما التطرق لها حول وضع (جماعة الإخوان المسلمين) الإرهابية، مبرزاً علاقتهم بالإرهاب، وإلى أي درجة يتقاطع مع أجندات سياسية لدول كبرى. وهل لا يزال التهديد قائمًا لدول الخليج، مروراً بالحديث عن الأهمية الكبرى لخطاب ولي العهد الذي كان مفصلياً، وكيف أثر موقف السعودية الحاسم، على جماعة الإخوان ومن تفرّع عنهم؟ وصولاً لشرح كيف يكون خطاب الجماعات المختلفة متنقلاً ويختلف من مدة لأخرى، ومن ظرف لآخر، فقد يظهر بصورة الخطاب الديني المتطرف، لكنه قد يظهر أيضاً بصورة خطاب علماني، كاليسار الليبرالي المتطرف.

تفاصيل أكثر في ثنايا الحوار:

Q

بداية.. ما هي أبعاد خطر (جماعة الإخوان المسلمين) على المشهد محلياً وإقليمياً وعربيًا على وجه الخصوص؟

في البنية الأساسية لجماعة الإخوان المسلمين أن ينظروا لأنفسهم على أنهم دولة، ولا يجب أن نغفل عن بناء الجماعة الهرمي والظرف التاريخي الذي نشأ فيه، فلها مرشد يأخذ البيعة من أعضائها، بمعنى أنهم في ظل دولة ويعطون بيعتهم بالطاعة لمرشد جماعة الإخوان، وحين نشأت الجماعة كان النظام في مصر ملكيًا، فهم يبايعون ملكًا لهم، ولكنَّ البنا اختار أن يأخذ البيعة من أتباعه لنفسه، ثم اختلف النظام في مصر إلى جمهوري (1953)، وصار الإخوان يتحدثون عن الانتخابات ويتكلمون في أهمية الديموقراطية، ومع ذلك بقي نظامهم القديم في الجماعة قائمًا على البيعة والطاعة للمرشد في المنشط والمكره! وهذا يظهر أنهم لا يتغيرون داخليًا، وإن طالبوا بالتغيير في الدول!

حسن البنا وفيليب إبرلاند:

وقد تعاملت الجماعة كأنها دولة بمعزل عن الدولة التي نشأت فيها من أيامها الأولى، وتواصلوا مع سفارات الدول المختلفة، على سبيل المثال استقبل حسن البنا فيليب إيرلاند السكرتير الأول للسفارة الأمريكية في بيته، ولم يذهب البنا إلى السفارة بنفسه حتى لا يكشف أمره لأجهزة الدولة المصرية، وسجّل محمود عساف في مذكراته أنه كان حاضرًا في ذلك الاجتماع، وفيه استعد البنا للتعاون مع الأمريكيين، في تتبع نشاط الأحزاب اليسارية في مصر، ومعنى هذا أنه استعد لتقديم معلومات عن مواطنين مصريين لدولة أخرى رغم وجود الدولة المصرية إلا أنَّ البنا ضرب بها عرض الحائط، وهذا يظهر مفهوم البنا للوطنية والخيانة الوطنية، فقد أرادوا من أول يوم أن يتواصلوا مع السفارات، وأن يقيموا معها علاقات، فيجعلوا تحالفاتهم وخصوماتهم مستقلة عن الدولة، وهذا يعني أنَّهم دولة داخل دولة، لا وزن عندهم لمفاهيم مثل الوطن، والخيانة الوطنية، لذا لا غرابة أن رفضت الجماعة تسجيل نفسها حزبًا سياسيًا، هي الدولة بنظرها لنفسها، ولما كانت تخوض الانتخابات، وتحتاج إلى حزب كانوا ينشئون مسمى وهميًا مثل إنشائهم حزب (العدالة والتنمية) في مصر سنة (2011) لضرورة الدخول في الانتخابات، وإلا فالجميع يعرف أنَّ هذا الحزب ليس إلا جماعة الإخوان، لكنهم يرفضون أن يصنفوا أنفسهم على أنهم حزب سياسي حتى اللحظة، وعند دخولهم اللعبة السياسية ينشؤون حزبًا ثم يعلنون دعمه، بمثل هذه الطريقة يتعاملون مع العالم كأنه ساذج لا يعرفهم.

Q

حسناً.. هل يمكن تسليط الضوء على الأفكار الأساسية لجماعة الإخوان والطرق المعتمدة لدى الجماعة لوصولهم إلى السلطة؟

تطورت أفكار جماعة الإخوان، وتنوعت لتحقيق هدفهم بالوصول إلى السلطة، بأن يحلوا مكان الدول العربية، وفق يوتوبيا بشّرت بها أيدلوجيتهم، بأن يقيموا إمبراطورية حسن البنا الكبرى في زمنه، باعتباره الإمام المنتظر، تحت عنوان (الخلافة) بأخذ البيعة له من أنصاره واعتماد الدعوة له في كل موطن، وتأسيس نظام خاص مسلّح يأتمر بإمرته، كانوا يرون فيه إعادة إحياء للدولة العثمانية التي ألغيت سنة (1924) فحاولوا إيجاد الجماعة على الطريقة العثمانية، بأن يكون البنا هو الخليفة، وجيشه النظام الخاص، والباقون من أتباعه هم الشعب.ثم انهار هذا التصوّر بمقتله (1949)، فانتقلوا إلى تصوّر آخر بأن يقيموا دولة عن طريق الانقلاب العسكري كان هذا حاضرًا في (1952) ثم فشل هذا الخيار مع حل الجماعة في (1954) فرأوا انتهاج العنف والإرهاب وتشكيل جماعات مسلحة، وهذا ارتبط بإعادة النظام الخاص في الجماعة حتى إعدام سيد قطب (1966).

Q

سبق وأشرت إلى سعيهم إقامة ثورات شعبية.. هل يمكن التوسع في ذلك؟

نعم. إضافة إلى ذلك تنوعت الجماعات التي تفرعت عن التاريخ أعلاه والذي اعتبرته العديد من الجماعات المتطرفة تاريخ انطلاقتهم الحقيقية، وهو إعدام سيد قطب (1966) وسعت لاستهداف الدولة والمجتمع، وصار لهم تصور بأنَّ إقامة الدولة يكون بإعلان (الجهاد) عليها، يقيمونها في منطقة ثم تتوسع إلى باقي الدول، كان هذا التصور حاضرًا في ذهنهم مع أحداث سوريا (1976-1982)، وأفغانستان (1979-1989)، ثم رأوا بعدها أن يقيموا حكومات إخوانية في كل دولة عبر ثورات شعبية متأثرين بالنموذج الإيراني (1979) لاحقًا تطعّم هذا التصوّر بالمطالبة بالانتخابات، وأثر بهم في ذلك النموذج التركي مع تولي أردوغان الحكم (2001) فصار هذا النموذج حاضرًا بقوة في أذهانهم، أن يصلوا الحكم في مختلف الدول، ثم إقامة ما يشبه الاتحاد الأوروبي فيما بينها، وفي سبيل هذا كانت كل الخطوات مباحة عندهم، ولوَّحوا مرارًا للدول الكبرى أنهم على استعداد دائم لخدمة أجندتها مقابل احتوائهم ودعمهم.

Q

في ضوء هذا التصوّر الأخير، هل ترى بأنّهم أضحوا في خطابهم أقرب إلى اليسار الليبرالي؟

نعم! هذا صحيح، لكن يجب ألا نغفل عن أمر، وهو أنَّ الجماعة وإن طالبت الدول بالديموقراطية، والتغيير إلى مبلغ ابتلاعهم لخطابات اليسار الليبرالي، ومحاولة استرضاء الحركات النسوية، والمثليين، ونحو هذا إلا أنَّ الجماعة لا تتغير، فلا يزال المرشد العام لجماعة الإخوان مصريًا عبر تاريخ الجماعة، فرغم شعاراتهم المعلنة التي تتحدث عن الأمة، واتحاد عالمي يضم المسلمين وأنها سواء، إلا أنهم لم يروا ضرورة بأن ينتقل المرشد من بلد لآخر، عملوا دومًا وفق تصوراتهم القديمة، لكنهم تكتيكيًا يستعملون خطابًا جديدًا للوصول إلى السلطة، ومع تماهيهم في الخطاب الجديد صاروا أقرب إلى اليسار الليبرالي، إلى درجة أنَّ مثل الغنوشي لم يعد لديه مشكلة مع (المثلية) الجنسية في الحقوق القانونية، وقد ألمح سلمان العودة لهذا في 2016، ثم صرّح ابنه بهذا علنًا في لقاء شهير، وردد هذا محمد العوضي في محاضرة بعنوان (لا تظلموا المثليين). كما انفتح الإخوان في سبيل التخفي، والتقاطع مع الدول الأوروبية المختلفة على الدخول في الجمعيات الحقوقية، بحجة المجتمع المدني، وأضحت مسألة الدورات الحقوقية مكانًا لتخفيهم، أحيانًا كانت الولايات المتحدة تموّل مشروعًا لنشر المفاهيم الديموقراطية، ويكون القائمون على هذا المشروع شخصيات من الجماعة، يتكلمون عن احترام الآخر، وقبوله، ونحو هذا، ويحتفظون في الوقت نفسه بأفكارهم القديمة عن أحقية الجماعة وأن مخالفيها هم أعداء الله، والتعاطف مع الإرهابيين، هذه الجمعيات لارتباطاتها السياسية كانت تشكّل خطورة على الأمن القومي، فهي ليست مجرد جمعيات مدنية كما يدّعون، إنما كانت واجهة لنشاطهم.

Q

.. إذن من الواضح تهديدهم للأمن القومي.. كيف يمكن أن يفعلوا ذلك.. وما هي دلالات زيارات عبدالله عزام للولايات المتحدة في هذا المسار؟

يمكن أن يتضح هذا عبر تتبع تاريخ الجماعة، ففي خضم الحرب الباردة لمع اسمهم في دوائر المخابرات الأمريكية والبريطانية والفرنسية، وظهر أثر هذا في حرب أفغانستان، فكان عبدالله عزام يزور الولايات المتحدة، وتحوّل إليه الأموال منها، هذا الكلام في الثمانينات، وهو الذي كان يحرّض على الدول العربية ولكنه اعتبر التجمع في أفغانستان مفيدًا لجماعة الإخوان، إذ كان يرى أن يقيم ما أسماه بالقاعدة الصلبة لهم، أي تجمعًا عسكريًا فيها، تحت قيادة إخوانية، ثم ينطلق لاحقًا لإسقاط الدول العربية، من ذلك الاسم صيغ اسم (تنظيم القاعدة) لاحقًاً، مع أسامة بن لادن فكانت المسألة قضية وقت. أضف إلى ذلك أنه في ذلك التعاون كان الأمريكيون لا يعرفون متى سيسقط الاتحاد السوفيتي، فكانوا يريدون استنساخ التجربة الأفغانية في مختلف الأرجاء السوفيتية في آسيا الوسطى، لتوسيع رقعة استنزاف السوفييت، وكان الاتحاد السوفيتي قد عانى من مشكلات أخرى، مثل التسرب الذي حدث في مفاعل تشرنوبل في (1986) وهو الذي هدد الاتحاد وأوروبا معه واستنزف موارد الاتحاد لإخماده، والسيطرة عليه، وأضعف سمعته عالميًا، إذ كانت الفضيحة حين كُشف أن خللًا في بنية بقية المفاعلات الأخرى بما يهدد بتكرار الحادث، فكانوا مضطرين لإعادة هندسة باقي المفاعلات بما يتلافى الخلل الذي حدث في تشرنوبل، تشرنوبل اليوم في أوكرانيا منطقة الصراع، يمكن تصوّر أي نزعة انفصالية بعثها هذا التسرب في الأوكرانيين وهم يشعرون بتهديد الحياة في جميع البلاد نتيجة هذا الخلل، هذا وغيره من أسباب، كتردي الأوضاع اقتصادية، أدى إلى تفكك الاتحاد السوفييتي (1991) حينها جمّدت الولايات المتحدة الأمريكية مشاريعها في آسيا الوسطى، وأهملوا أفغانستان، حتى سطع نجم الإرهاب لاحقًا مع استهداف الأمريكيين في أكثر من موضع وزاد على ذلك بتهديد الدول العربية.

Q

في هذه الجزيئة تحديداً.. كيف كان تأثير صعود الصين كقوة اقتصادية؟

صحيح. لاحقًا ظهرت مشكلات الأمريكيين مع الصين، مع صعود الصين كقوة اقتصادية، هنا يحضرني شهادة أحد معتقلي غوانتانامو حين سجّل بأنّ عددًا من الصينيين المسلمين الذين اعتقلوا في أفغانستان كانوا يُعاملون بطريقة مختلفة عن باقي السجناء، فكان الأمريكيون يدخلون إليهم كتب عبدالله عزام، وسيد قطب في السجن، بل عُرض عليهم الدعم، وتأسيس جماعات مسلحة لهم، مقابل ضرب المصالح الصينية، حتى دار النقاش بين هؤلاء المعتقلين حول قبول هذا العرض، وهنا أيضاً يمكن مقارنة هذه الشهادة بنشاط جماعة الإخوان لتسليط الضوء على مظالم الإيغور والحديث عن استقلال (تركستان الشرقية) ورفعوا علم الانفصال عن الصين، هذه الموجة لو قدّر لها أن تستمر لشهدنا أفغانستان أخرى، تستنسخ ضد الصين، لكن جاءت أحداث كورونا، والحرب في أوكرانيا فشغلت العالم بها، وهذا يظهر خطورة الأمر، وهو أنَّ تلك التيارات قد يصبح تأثيرها ضخمًا متى تلاقت مع إرادة دولة كبرى، حين تتلقى الدعم اللازم، والتوجيه، وهي أثر لسُنّة خطها من قبل حسن البنا حين تواصل مع السفارة واستعد أن يتعامل معها منفردًا دون دولته. وبهذا يظهر أنَّ تلك الجمعيات الحقوقية حين يخترقها الإخوان، ويتلقون الدعم المالي من الأوروبيين أحيانًا، أو الأمريكيين، وهم يحسبون أنهم يعززون المفاهيم الديموقراطية بهذا، هم في الواقع يدعمون تيارًا من أشد التيارات في صميمه مائلًا للعنف، وتفريخ الإرهاب، وبخصوص الدول العربية، فإن الجماعة أظهرت مرارًا أنها ستتواصل وتتخابر مع كل دولة تقدر على الوصول إليها، مقابل أن تصل إلى السلطة، ولو أدى هذا إلى تدمير الدولة العربية نفسها التي ينشطون فيها، ولو أدى إلى تفكيكها.

Q

إذا سمحت يا دكتور دعنا نكون أكثر تحديداً في الإجابة على واحد من أهم الأسئلة: ما تأثير خطورة الجماعة على دول الخليج؟

إنَّ استعداد جماعة الإخوان لمد يدها لمن يعاونها هو بحد نفسه تهديد، وهي اليوم تشهد تضييقًا عليها في دول مثل السعودية، والإمارات، وتمد يدها لدول متنوعة أخرى، ويحضرني في هذا السياق شيء من التاريخ، ففي الثمانينات اندلعت أحداث عنف في سوريا، وكانت جماعة الإخوان قد أوجدت لها حاضنة في العراق، حين كان الخلاف على أشده بين حزب البعث في العراق، والحزب في سوريا، بهذا تشكلّت علاقة بين المخابرات العراقية وجماعة الإخوان في سوريا، لاحقًا مع احتلال الكويت، أرادت المخابرات العراقية استثمار علاقتها بجماعة الإخوان السوريين ضد الخليج، وتحدث ضابط المخابرات العراقي السابق سالم الجميلي عن هذا بقوله بأنّه كان مسؤولًا عن شعبة إخوان سوريا، مع جماعة عدنان عقلة، فأوصلوه إلى الاتصال بمجموعة من إخوان الأردن، الذين أوصلوه إلى حسن الترابي في السودان، الذي توسط له مع أسامة بن لادن لإيصال رسالة من المخابرات العراقية للقيام بأعمال ضد السعودية في حرب الخليج.

Q

هنا كيف تصف الحراك السعودي الحازم في التصدي للجماعة؟

امتداداً لما ذكرنا أعلاه يظهر خطورة الموقف، أنَّ يكون هناك جسم للجماعة، يمتد من جماعة إخوان سوريا يتواصلون مع إخوان الأردن، ثم يتصلون بإخوان السودان، حتى يتصلوا بإرهابي مسلح، ليعرضوا عليه الدعم في خدمة أجندة سياسية لطرف معيّن ضد السعودية، هناك ملفات كبيرة اليوم عالقة ويحدث عليها النقاش والتفاهم مع الدول المختلفة، حينها يمكن تصور الخطورة الأمنية لجماعة تقتات على العيش بين الشقوق، والتصدّعات بين الدول، وتعرض خدماتها التي تصل إلى شخصيات إرهابية تقدّم على مذبح خدماتهم السياسية لهذا الطرف أو ذاك. لكن مع ذلك لا ننسى الدور المفصلي الذي قامت به السعودية، وقد عبّر عنه سمو ولي العهد -حفظه الله- حين قال: بأننا لسنا مستعدين لدفع ثلاثين سنة أخرى في إعطاء فرصة لمن تأثر بهذه الجماعة، وقال سندمرهم فورًا. كان هذا الحدث مفصليًا في السعودية وخارجها.

Q

الموقف السعودي الحاسم بلا شك طال الجماعة ومن تفرّع عنهم؟

نعم. الأمر الذي اعتادت عليه الجماعة تدرج التوتر بينهم وبين الدول، بمعنى أنّهم مثلًا يُعرض عليهم شيء، ثم يرفضونه فيبدأ التصعيد تدريجيًا حدث هذا في مصر بعد (1952) حتى ألغيت كل الأحزاب إلا جماعة الإخوان في (1953). ثم تصاعد الخلاف مع الجماعة فحظرت سنة (1954)، وبعد ذلك عملت الجماعة داخل مصر، حتى أعيدت سجن العديد منهم في (1965) ثم عاد الانفتاح للجماعة وسمح لها بالطباعة والنشر والعمل في (1974)، وكان الأمر مختلفًا في السعودية، حين قالت كلمتها بأنها ستقضي عليهم فورًا. ويرجع هذا إلى أنَّ السعودية أدركت ما تحمله هذه الجماعة من تراث طويل يمتد إلى ما يقارب القرن من الزمن، تاريخ مليء بالكراهية، والتفريق، والجشع، والخيانة، لا يؤمن جانبهم أبدًا، ولا ولاء لهم لأي دولة عربية، وكانت الفطنة عالية عبّر عنها سمو ولي العهد -حفظه الله- حين تحدث عن اختراقهم التعليم، وهذا يعني أنَّ الدولة رأت بأنها لا تتبع الجسم التنظيمي فقط، بل التنظيري كذلك الذي يرسل الشباب عبر كلماته بحجة التعليم إلى هذا التوجه، الأمر شبيه بتعامل العالم مع النازية، هل يمكن أن تعطيها فرصة؟ أن تترك من يشرح العنصرية النازية للشباب وتعتقل فقط عناصر وحدات (إس إس) لجرائمهم ضد الإنسانية! إضافة إلى ذلك فهذا الدور المحوري للسعودية، بقيادتها الحكيمة، وحزم ولاة أمرها، كان مفتاحًا للمنطقة جميعًا أن تدرك خطورة هذه الجماعة، وضرورة الحزم في التعامل معها، وأنّه لا يمكن الاحتفاظ بالأمرين معًا الإبقاء على هذه الجماعة والتقدّم، لا يمكنك أن تسعى لتعليم جيّد، ما دمت تحتفظ بمن يدمّر المنظومة التعليمية، لا يمكنك أن توجه الشباب إلى التقدّم في الحياة، وتحتفظ بمن يحثهم على تدمير الحياة. ولعلي هنا أشير -كمثال قريب- لبعض الجهود الملموسة ما قامت به وزارة الشؤون الإسلامية في السعودية وتقوم به من خطاب معتدل، مكافح للتطرّف، والجميع يشاهد الحركة النشطة التي يقوم بها وزير الشؤون الإسلامية معالي الدكتور عبداللطيف آل الشيخ، وكان آخرها زيارته للمغرب في إطار محاربة الغلو، ونشر الرسالة الحقيقية للإسلام، هذه الجهود الكبيرة، لا بد أن تسجّل وتخرج للناس بصورة دورية عن طريق دراسات علمية جادّة في إطار الأمن الفكري.

Q

لعلنا نختم بتوضيح حول مفهوم الأمن الفكري.. هناك تداخلات حول ذلك ربما لعلك توضح الأمر؟

كما سبق أن ذكرتُ فإنَّ خطاب الجماعات المختلفة متنقل، يختلف من مدة لأخرى، ومن ظرف لآخر فقد يظهر بصورة الخطاب الديني متطرف، لكنه قد يظهر بصورة خطاب علماني كاليسار الليبرالي المتطرف، وهذا يدفع إلى دراسة كاملة لظاهرة الدعاية المضادة، ولو بقي الأمر مفتوحًا للارتجال لأمكن للدعاية المضادة أن تغير جلدها وحينها قد تفلت من التتبع الفكري والمواجهة اللازمة، هنا نتحدث عن الأمن الفكري الذي هو قريب من علم الجريمة، وهو علم مجمّع من عدة تخصصات، لكنه أوسع من جانب الجريمة، لأنه لا ينتظر وقوع جريمة معينة، بل يدرس المقدمات الفكرية التي تدعو إليها الجماعات المتطرفة، ويحللها ويكشف أنساقها ويواجهها على صعيد الفكر والتنظير، يدرس الجرائم لمعرفة أهميتها على صعيد الأيدلوجيا المعادية، بهذا يضحي مقلقًا للدعاية المضادة، كونه يكشف ما يختبئ خلفها من توجيه، وفق الجمهور المستهدف، وأحد جوانبه ما يسمى بأحافير الأيدولوجيات المتطرفة، نحن في هذا الجانب نبحث عن الطرق التي تتطور بها الأفكار المتطرفة، هناك انساق متعددة، وتأويلات داخل الأطروحات الفكرية المعادية، وهي تختلف من زمن لآخر، مثلًا نقول مرحلة السبعينات، الثمانينات، التسعينات، لكل عقد من هذه المراحل طابعه الفكري، هذا البحث يعطينا إمكانيات أكبر حتى في جانب التنبؤ المستقبلي للعديد من الجماعات، فما الذي يمكن أن تقوله في مرحلة ما، بناءً على سلسلة من المقدمات الفكرية والتاريخية لهذه التيارات، هذا جانب صغير لما يمكن العمل عليه في الأمن الفكري، إلى غير ذلك من فروعه المختلفة، فهو جانب ضروري وحيوي.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org