• معدل الوصول للدرجة والنصف سنويًّا يدمّر ٧٠٪ من الشعب المرجانية حول العالم.
• يجب التحرك لتحويل أنظمة الطاقة نحو مصادر متجددة بالسرعة المطلوبة لتحقيق الاحترار العالمي.
• العشر سنوات الحالية حاسمة للحد من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية بنسبة 50٪ بحلول 2030.
• الوضع الحالي يؤكد تجاوز الآثار الحدود المسموح بها للعديد من الأنظمة البشرية والطبيعية.
• المملكة أكثر الداعمين لمبادرات تقليل الانبعاثات المؤدية للاحتباس الحراري ورؤية 2030 خير شاهد.
أجري الحوار/ محمد حضاض
حركت الأمطار الغزيرة التي هطلت خلال الأيام الماضية على بعض دول الخليج الكثير من التساؤلات عن أسباب هذا الهطول غير المسبوق وما صاحبها من خسائر مادية كبيرة بسبب السيول والفيضانات الناتجة عنها خاصة، وماتلاها من أمطار غزيرة على الرياض والقصيم في فصل الصيف، وتحديدًا في شهر يوليو، والذي يعرف عنه شح الأمطار وقلتها إلى درجة تكاد تكون معدومة فيه؛ لأنه من أشد شهور العام جفافًا.
"سبق" التقت خبير التغير المناخي البروفيسور منصور المزروعي أستاذ التغير المناخي بجامعة الملك عبدالعزيز وعضو مجلس الشورى، والذي يحمل سجلًّا علميًّا حافلًا؛ حيث قام بنشر ما يقارب 200 بحث علمي متخصص في الأرصاد في مجلات علمية مرموقة على مستوى العالم، وطرحنا عليه العديد من التساؤلات للتعرف على أسباب هذه الظواهر الجوية الغير معتادة في مثل هذه الأوقات.
** هل تشرح لنا عن أسباب ما حدث من فيضانات تاريخية في الجزء الأوسط والشرقي والجنوبي من الجزيرة العربية؟
اسمح لي في البداية أن أقوم بالتعريف بشكل مختصر بمصطلح أصبح يتكرر على مسامعنا بشكل كبير؛ وهو مصطلح الاحترار العالمي أو الاحتباس الحراري، والذي يعني ازدياد درجة الحرارة السطحية المتوسطة في العالم بسبب زيادة كمية غاز ثاني أكسيد الكربون، وغاز الميثان، وبعض الغازات الأخرى في الجو، والتي يطلق عليها: الغازات الدفيئة.
وتشير التقديرات إلى أن الاحترار العالمي وصل حاليًّا إلى 1.2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي. وفي حالة عدم وجود جهود للتصدي للتغير المناخي، قد يصل الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2035 فوق مستوى ما قبل الصناعة، واتفق العلماء وصناع السياسات منذ فترة طويلة على أن الاحترار العالمي سيشكل أخطارًا كبيرة متصاعدة على حياة الإنسان في العالم، وقد استخدمت الحكومات هذا الرقم كمبدأ تنظيمي.
وعلى المستوى الحالي من الاحترار بدأنا نشهد ونلمس الآثار الخطيرة للتغير المناخي. وتتجاوز هذه الآثار الحدود المسموح بها للعديد من الأنظمة البشرية والطبيعية، وتشكّل تحديًا للبنى التحتية الحالية.
إن ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق مرتبط بموجات الحر الشديدة في جميع أنحاء العالم، وزيادة تواتر وشدة الأعاصير المدارية، وحصول الفيضانات غير المسبوقة، وتلف المحاصيل وحرائق الغابات وما إلى ذلك، وكلها ليست سوى مظاهر قليلة للاحترار العالمي، والتي سوف تزداد سوءًا عند ازدياد معدل الاحترار العالمي.
وبالتالي يمكن للمرء أن يتخيل مدى سوء الوضع في العالم في ظل ارتفاع متوسط الحرارة بمقدار 2 درجة مئوية حاليًّا.
** هل تشرح لنا خطورة زيادة الحرارة بمعدل ٢ درجة سنويًّا؟
في أوائل التسعينيات بدأت الحكومات في الاجتماع لمناقشة طرق التصدي للتغير المناخي، واستنادًا إلى الدراسات والأبحاث المعمقة، أجمع صناع القرار على مستوى العالم خلال هذه الاجتماعات على أن زيادة درجة الحرارة 2 درجة مئوية أو 1.5 درجة مئوية بشكل أعلى من متوسط درجة الحرارة العالمية؛ هو حد أقصى يمكن للناس الاتفاق عليه لوضع السياسات واتخاذ القرارات للحيلولة دون ارتفاع الحرارة بأكثر من هذا الحد.
وتمثل الزيادة الإضافية البالغة 0.5 درجة مئوية "2 درجة مئوية - 1.5 درجة مئوية" في المتوسط العالمي للحرارة الفرق بين التأثيرات التي تحصل عند الحد الأعلى للتقلب الطبيعي الحالي ونظام مناخي جديد، لا سيما في المناطق المدارية.
على سبيل المثال: سيؤدي الارتفاع بمقدار 1.5 درجة مئوية إلى تدمير ما لا يقل عن 70٪ من الشعاب المرجانية، ولكن عند الزيادة بمقدار 2 درجة مئوية سيتم فقدان أكثر من 99٪ من المرجان؛ والذي من شأنه أن يدمر موائل الأسماك التي تعتمد على الشعاب المرجانية في غذائها وسبل عيشها، على الرغم من أن 2 درجة مئوية أصبح الحد الأقصى للحرارة التي تمت مناقشتها بشكل واسع في التسعينيات الميلادية، إلا أنه لم يتم إقرار ذلك رسميًّا في الاتفاقيات، حتى جاءت اتفاقية كانكون "في المكسيك" في عام 2010 التي نصت على أن 1.5 درجة هي الحد الأقصى لمعدل ارتفاع درجة الحرارة الذي يجب الحفاظ عليه.
ومع ذلك وحتى في تلك الاتفاقية، لم تكن هناك فكرة واضحة عما يتطلبه الأمر لتحقيق هذا الهدف.
** كيف ستكون 2 درجة مئوية أسوأ من 1.5 مئوية؟
يتم استخدام كل من 1.5 درجة مئوية و2 درجة مئوية كإطار متفق عليه لتحديد أهداف الانبعاثات اليوم، وقد حددت الاتفاقيات الحالية للعمل المناخي الدولي العالم في خطر في حال تجاوز أي من الهدفين. إن هدف الوصول إلى 1.5 درجة مئوية كزيادة في معدل الاحترار العالمي هو هدف مرغوب أكثر؛ لأنه يقلل من خطر نتائج تغير المناخ في معظم أنحاء العالم، ومع الزيادة التي تصل إلى 2 درجة مئوية ستكون أخطار موجات الحرارة الشديدة والجفاف والإجهاد المائي والطقس المتطرف أشدّ بكثير بالنسبة لمعظم دول العالم من الزيادة بمعدل 1.5 درجة مئوية.
** بحكم مشاركتك في الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ.. ماهي مرئياتكم؟
شاركت في الفريق كمؤلف رئيسي للباب العاشر، لتقرير التقييم السادس AR6 للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ IPCC، وتؤكد التقارير الأخيرة للفريق على أهمية الحد من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية مقارنة بـ2 درجة مئوية. ومن خلال العديد من الدراسات والتحاليل والمتابعة الوثيقة، فقد ألقت تقارير الفريق الحكومي الدولي الضوء على ما يلي:
● على الصعيد العالمي ستصبح الأحداث والظواهر المناخية المرتبطة بزيادة درجات الحرارة القصوى بمقدار 1.5 درجة مئوية أكثر حدوثًا بمقدار 4.1 مرات مقارنة بفترة ما قبل الثورة الصناعية، في حين أن معدل تكرار هذه الظواهر سيكون بمقدار 5.6 مرات في حال ارتفعت الحرارة بمقدار 2 درجة مئوية.
● سيزداد هطول الأمطار الغزيرة فوق المناطق الرطبة بنسبة 10.5٪ في حال زيادة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية، و14% في حال زيادة الحرارة بمقدار 2 درجة مئوية، مقارنة بفترة ما قبل الثورة الصناعية.
● عند الزيادة بمقدار 1.5 درجة مئوية، سيكون الجفاف الزراعي والبيئي في المناطق الجافة ضعف ما كان عليه في فترة ما قبل الثورة الصناعية. أما بزيادة الحرارة إلى 2 درجة مئوية فسيكون الجفاف أعلى 2.4 مرة مقارنة بفترة ما قبل الثورة الصناعية.
● عند زيادة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية من الاحتباس الحراري، ستزداد موجات الحرارة، وستزداد مدة المواسم الدافئة وتقصر مدة المواسم الباردة.
● عند الزيادة بمقدار 2 درجة مئوية من الاحتباس الحراري، تصل درجات الحرارة القصوى في كثير من الأحيان إلى مرحلة حرجة لقطاعي الصحة والزراعة، والتي قد تتسبب في انهيارها.
كما نعلم أيضًا أن تغير المناخ الذي يتسبب فيه الإنسان يعبث بدورة المياه، وأنماط هطول الأمطار، ومسارات العواصف، وحتى ملوحة مياه المحيطات.
وبناء على ما سبق فإن هذه الارتفاعات تؤثر بشكل سلبي كذلك على الأنظمة البيئية والحيوانية، والغطاء النباتي والحشرات، والجليد القطبي، والشعاب المرجانية، وفشل المحاصيل، وغيرها الكثير من الأنظمة.
وخلاصة الأمر أن التأثيرات التي يتأثر بها العالم عند الارتفاع بمقدار 2 درجة مئوية ستكون أعلى بكثير من 1.5 درجة مئوية؛ وبالتالي فإن الحفاظ على الاحترار إلى 1.5 درجة مئوية سيكون في غاية الأهمية، خاصة بالنسبة للبلدان الضعيفة والنامية.
** هل يستحق الأمر بذل المزيد من الجهود؟
بالتأكيد ندرك جيدًا أن البلدان النامية ليست مسؤولة خلال السنوات الماضية عن الاحترار العالمي، إلا أن معظم هذه البلدان تتحمل العبء الأكبر للتأثيرات المتعلقة بالتغيرات المناخية؛ حيث إن سكان هذه البلدان أكثر عرضة وأقلّ قدرة على مواجهة الآثار المناخية، وخاصة الأحداث المناخية المتطرفة مثل الفيضانات وموجات الحر، وذلك حتى في المستوى الحالي للاحتباس الحراري.
وبالنسبة لتلك البلدان فإن ارتفاع مستوى الاحترار ولو بشكل بسيط يشكل عبئًا وخطرًا كبيرًا عليها. يوضح تقرير الفريق العامل الثالث التابع للفريق الحكومي الدولي المعنيّ بتغير المناخ بأننا حاليًّا لا نسير على المسار الصحيح للحد من الانبعاثات للوصول بالاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية. وتعتبر العشر سنوات الحالية حاسمة للغاية للحد من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية بنسبة 50٪ تقريبًا بحلول عام 2030.
ويجب أن يبذل الجميع جهودًا جماعية للانتقال نحو مصادر الطاقة المتجددة والطاقة النظيفة. ويوضح الفريق العامل الثالث التابع للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ أن التحول إلى مصادر الطاقة النظيفة يأتي بالعديد من المنافع المشتركة؛ فعلى سبيل المثال يؤدي تقليل الانبعاثات إلى هواء نظيف، وبالتالي تحسين صحة الإنسان وتقليل النفقات المتعلقة بالصحة. وبالمثل، تخلق الطاقة المتجددة وظائف جديدة وإضافية مقارنة بأنظمة الطاقة التقليدية القائمة على الوقود الأحفوري.
وأود أن أؤكد هنا أنه يجب على البلدان المتقدمة أن تلعب دورًا رائدًا في السعي إلى تحويل أنظمة الطاقة نحو مصادر الطاقة المتجددة بالسرعة المطلوبة لتحقيق الاحترار العالمي بمقدار 1.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن. وإلى جانب هذا الأمر يجب عليها أيضًا أن تقدم الدعم المالي والتكنولوجي ودعم بناء القدرات للبلدان النامية من أجل ضمان بذل جهد جماعي للحفاظ على الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية.
** هل لهذه التغيرات المناخية تأثير على الواقع؟
تعرضت الإمارات هذا الأسبوع خلال ساعات قليلة لأمطار غزيرة غير مسبوقة وصلت للمرة الأولى إلى أكثر من 250 ملم، تسبّبت بخسائر فادحة في بعض المناطق، وتحديدًا في إمارة الفجيرة، وتأثرت إمارة رأس الخيمة ومدينة خورفكان أيضًا. كما شملت الأمطار الغزيرة المناطق المنخفضة في أم القيوين والشارقة وعجمان، بينما سجلت سلطنة عمان كميات أمطار غزيرة جدًّا بلغت أكثر من 300 ملم.
ومن الواضح أن الظواهر المناخية المتطرفة أصبحت تكرر بشكل أكبر من السابق وذات تأثيرات أشدّ من السابق على شبه الجزيرة العربية في الآونة الأخيرة، وتحديدًا خلال العقد الماضي، وقد يكون ذلك مرتبطًا بتغير المناخ. وستكون مثل هذه الأحداث أشد خطورة على مناحي الحياة المختلفة إذا فشلنا في بذل جهد جماعي للحفاظ على الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية أو 2 درجة مئوية بحد أقصى. أما على الصعيد العالمي فقد تم تسجيل ارتفاعات قياسية في العديد من المناطق على مستوى العالم تجاوزت 50 درجة؛ حيث تم تسجيل 54 درجة في الأحواز في 26 يونيو 2017م، أما في كندا وفي عام 2021م تم تسجيل 49.6 درجة مئوية في ليتون؛ مما يؤكد على أن العالم أجمعه يتأثر بهذه التغيرات وليست خاصة بمنطقة معينة دون أخرى، ونظرًا للحرارة المرتفعة فقد تكررت حوادث حرائق الغابات، وقد تكون بعض الحرائق مفتعلة، ولكن الكثير منها حصل بشكل طبيعي نظرًا لارتفاع درجة الحرارة.
من الملاحظ في معظم الحرائق تركزها في دول البحر المتوسط التي حصلت بالتزامن مع تحذير العلماء والمختصين بعلوم الطقس والمناخ وتغيراته بأن ارتفاع درجات الحرارة سوف يتركز على هذه المناطق، مع التنويه إلى أن هذه المناطق هي الأكثر جفافًا نظرًا لانخفاض معدلات نزل الأمطار عن الأعوام السابقة، وما تم ذكره أعلاه هو جزء بسيط من آثار التغير المناخي.
وبالمناسبة أودّ أن أشيد بجهود هواة ومتابعي الطقس ودورهم الفعال في نقل وتوثيق هذه الظواهر من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، والتي شكلت للمختصين مرجعًا مرئيًّا مهمًّا يمكنهم من خلاله معاينة التأثيرات الناجمة عن التغيرات المناخية.
** كيف ترى دور المملكة في التصدي لتأثيرات التغير المناخي؟
الدور السعودي الرسمي واضح في التصدي لتأثيرات التغيرات المناخية والجهود المبذولة للحد من الاحتباس الحراري العالمي من خلال الوزارات المعنية ومجلس الشورى والجامعات السعودية؛ ومنها جامعة الملك عبد العزيز من خلال إنشاء مركز التميز لأبحاث التغير المناخي.
وتعد المملكة في مقدمة الدول المشاركة في المحافل الدولية التي تعنى بالمناخ وتغيراته، وتعد من أكثر الدول الداعمة للمبادرات المتعلقة بتقليل الانبعاثات المؤدية للاحتباس الحراري، ولا أدلّ على ذلك من رؤية المملكة 2030 التي حرصت بشكل كبير على الاهتمام بالبيئة والمناخ في كثير من محاورها، سواء على المستوى المحلي أو المستوى الإقليمي، والتي بدأت المملكة فعليًّا بالعمل فيها بشكل فعلي؛ ومن ضمنها:
- مبادرة تأسيس المركز الإقليمي للتغير المناخي التابع للمركز الوطني للأرصاد.
- تعيين الوزير عادل بن أحمد الجبير مبعوثًا لشؤون المناخ، بالإضافة إلى عمله، يعكس حرص حكومة خادم الحرمين الشريفين في قضايا البيئة، ليس محليًّا بل على مستوى العالم، وهو الأمر الذي بلورته مبادرتا السعودية الخضراء اللتان تهدفان إلى زراعة 12 مليون شجرة في المملكة، ومبادرة الشرق الأوسط الأخضر التي أطلقها سمو ولي العهد.
** هذه المبادرات هل تتطلب تكاتف الدول الشقيقة والمجاورة؟
مواجهة هذه التغيرات لا يمكن أن تكون بشكل فردي، بل بتعاضد عالمي، ومن هذا المكان أدعو مجلس التعاون الخليجي للتشاور والتباحث بجدية تامة لإيجاد حلول عملية عاجلة مبنية على خطط طويلة المدى للحد من هذه التغيرات والانتقال للطاقة المتجددة والنظيفة والعمل على إيجاد الحلول لمواجهة تأثيرات التغيرات المناخية الحالية، والتي ستتكرر لاحقًا بشكل مفاجئ وفي أوقات غير متوقعة على شكل أمطار غزيرة وسيول وموجات حرارة وغيرها من الظواهر المناخية الأخرى. كما أدعو لتثقيف المجتمع حيال الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية، خاصة في أوساط النشء؛ لتخرج لنا أجيال على وعي ودراية تامة بالخطر المحدق بالعالم في حال استمرت هذه التأثيرات، كما أدعو الجامعات والمراكز البحثية للتركيز على التخصصات العلمية وعمل الأبحاث والدراسات المعمقة التي تدعم جهود التصدي للتغيرات المناخية.
** ما هي أكثر المناطق المتوقع ضررها؟ وما هو مستوى التأثير؟
يختلف تأثير هذه التغيرات المناخية على كل منطقة بحسب نوع التأثير وشدته، إلا أن أبرز المناطق التي ستتأثر بهذه التغيرات هي المناطق الجنوبية الغربية؛ حيث تزداد عليها معدلات الأمطار بشكل ملفت، والتي قد تكون ذات أثر سلبي من ناحية حدوث الفيضانات المتكررة وعدم استيعاب السدود لكميات المياه الهاطلة؛ مما قد يؤدي للعديد من الخسائر البشرية والاقتصادية والاجتماعية لا سمح الله، بينما وضع الخطط الاستراتيجية المناسبة قد يحول هذه التأثيرات إلى فرص إيجابية تنعكس إيجابيًّا على مناحي الحياة المختلفة، أما بخصوص المناطق الشمالية فستتأثر سلبًا بشكل أكبر؛ حيث إن فرص هطول الأمطار عليها قد تتضاءل مع ارتفاع درجات الحرارة؛ مما سيؤثر سلبًا على الأمن المائي المتمثل في ندرة المياه الصالحة للشرب وعلى الأمن الغذائي المتمثل في وجود العديد من المشاريع الزراعية والحيوانية التي تعتمد على توفر المياه وملاءمة طقس هذه المناطق لهذه المشاريع.
أما بخصوص المناطق الساحلية الغربية، خاصة الوسطى منها، فيمثل فيها فصل الصيف تحديًا كبيرًا، خاصة في ظل الارتفاع المستمر لدرجة الحرارة؛ حيث تصل فيه الحرارة إلى مستوى يمثل خطرًا حقيقيًّا على ساكني هذه المناطق وعلى مناحي الحياة الأخرى فيها.
** ماذا عن القطاعات المتوقع تأثرها؟
أكثر القطاعات تأثرًا بهذه التغيرات على مستوى المملكة هي: الموارد المائية، والصحة، والطاقة، والزراعة، والسياحة، والنقل، والبنية التحتية، والحج والعمرة، والطيران المدني؛ والذي سيختلف مستوى التأثير من قطاع إلى آخر حسب نوع التأثير، وللقيام بتقدير تأثيرات هذه التغيرات فإننا بحاجة إلى مزيد من البحث باستخدام نماذج المحاكاة والتوقعات بتغير المناخ بالاستعانة بسيناريوهات متعددة بما في ذلك معلومات بيانات تصغير النطاق عالية الدقة.
** ما هي الأطر الزمنية المتوقعة لتلك المخاطر؟
من المحتمل أن تبدأ المخاطر الجدية نظرًا للتغيرات المناخية الحاصلة ابتداء من 2050، رغم أننا نشعر حاليًّا بهذه التغيرات إلا أن منحنى الخطر الفعلي لن يبدأ قبل 2050 والله أعلم، والذي قد يكون غير قابل للمواجهة في حال لم يتم اتخاذ الإجراءات المناسبة ووضع الخطط الاستراتيجية لمواجهة هذه المخاطر. إن أهم تأثير يجعلنا على معرفة بوقوع هذه المخاطر بشكل فعلي يتمثّل بارتفاع درجات الحرارة ووصولها لأعلى معدل لها بشكل دائم نتيجة لهذه التقلبات؛ حيث سيكون عدد الأيام الحارة ذات حرارة 50 درجة مئوية فما فوق متكررًا بشكل أعلى من المعدل الحالي.
** ما هي الفرص الممكن استغلالها لتخفيف آثار التغير المناخي؟
للتخفيف من تأثيرات التغير المناخي فإن أهم مرحلة هي فهم التغير المناخي بشكل صحيح واستخدام المعلومات الصحيحة قدر الإمكان؛ لذلك يلزم إجراء دراسات علمية عميقة لفهم الوضع المناخي الحالي وعمل التوقعات المستقبلية المحتملة بناءً على أحدث النماذج المناخية، مع تصغير النطاق بدقة عالية للحصول على معلومات تفصيلية دقيقة على المستوى المحلي، وبناء على هذه الدراسات يتم وضع الخطط الاستراتيجية المناسبة لمواجهة التأثيرات المختلفة ورسم السياسات والخطط للحد من تأثيرها، واغتنام الفرص الممكنة التي يمكنها تحويل هذه التأثيرات إلى فرص يمكن الاستفادة منها.
** ما هي متطلبات إجراء دراسات متعمقة أشمل وأكثر دقة عن الموضوع، إن دعت الحاجة؟ وكم تستغرق من الوقت؟
نحتاج من خلال المراكز البحثية المتخصصة إلى إجراء دراسات متعمقة وأكثر شمولًا ودقة حول هذا الموضوع، والتي تتطلب موارد بشرية متخصصة ومؤهلة، مع الاستعانة بالخبرات العالمية في هذا المجال الذي يعد من المجالات النادرة على مستوى العالم، بالإضافة إلى وجود بنية تحتية رقمية تتمثل في الحوسبة عالية الأداء ومجموعات البيانات المناخية ذات الجودة والموثوقية العالية.
وقد يستغرق الأمر من خمس إلى عشر سنوات، ويعتمد ذلك على توافر جميع الموارد وقدرة قائد الفريق.
والفريق العامل يحتاج لتطوير النماذج المناخية العالمية والإقليمية لمحاكاة التوقعات المناخية المستقبلية على المملكة خاصة والمنطقة بشكل عام، في ظل سيناريوهات التغير المناخي المحتملة. وسيساعد ذلك في تقييم قضايا المناخ المتعلقة بالمملكة بشكل أكثر دقة، وضمان مشاركة المملكة في المفاوضات الدولية.
** ما هي السياسات والإجراءات الموصى بها لمواجهة آثار التغير المناخي على المملكة والحد من الأخطار المستقبلية؟
لكي تحافظ المملكة على الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية مع تفاقم التغيرات المناخية والآثار المترتبة عليها؛ توجد العديد من التوصيات المقترحة يمكن تلخيصها كالتالي:
أولًا: نظام الإنذار المبكر:
قد تؤدي التغيرات في أنماط درجات الحرارة وهطول الأمطار إلى حدوث فيضانات مفاجئة. أيضًا، نظرًا للتغيرات المحتملة في بيئة الحمل الحراري على طول البحر الأحمر والحزام الساحلي المجاور للمملكة قد تصبح أكثر عرضة لمثل هذه الأحداث.
الأداة الأكثر فائدة لتكملة التدابير الاحترازية للتعامل مع الكوارث الطبيعية هي نظام إنذار مبكر دقيق وفي الوقت المناسب. يجب على الدولة تطوير شبكة شاملة لنظام الإنذار المبكر تتكون من: شبكة رادار واسعة، ومحطات أرصاد جوية، ومحطات جوية علوية، ومحطات بحرية في البحر الأحمر ومنطقة الخليج العربي. يجب أن يكون هذا مدعومًا بشكل جيد من خلال أنظمة التنبؤ بالطقس القائمة على الأقمار الصناعية، ونظام التنبؤ للمجموعات للتنبؤات الكمية لهطول الأمطار لمدة 1-5 أيام بواسطة نموذج وشبكات ذات مقياس متوسط مع أنظمة مماثلة في بلدان أخرى. سيكون توظيف أنظمة الذكاء الاصطناعي "AI" أكثر فائدة.
ثانيًا: السدود وأنظمة الصرف الصحي:
إجراء ضروري للاستفادة من المزيد من توقُّعات هطول الأمطار من 2021-2070 في المناطق الشرقية والجنوبية الشرقية، وبدرجة أقل الجنوب الغربي بما في ذلك الحزام الساحلي للبحر الأحمر، هو بناء سدود لاحتجاز المياه وتغذية المياه الجوفية والبنية التحتية الوقائية مثل القنوات والقنوات من أجل تسهيل الصرف الكافي والحفاظ على المياه وإعادة تغذية المياه الجوفية؛ مما يؤدي إلى تحسين جودة المياه الجوفية أيضًا.
لمواجهة خطر ارتفاع مستوى سطح البحر، لا سيما على طول ساحل البحر الأحمر في المملكة العربية السعودية؛ يلزم إجراء بحث مخصص في البداية لوضع الأساس للعمل المركّز على التنمية الساحلية المستدامة.
ثالثًا: الزراعة:
من المتوقّع هطول أمطار غزيرة في الجنوب الشرقي والجنوب الغربي يستدعي التخطيط لتخصيص وتخصيص مناطق لتطوير الأراضي الزراعية الجديدة. لتحسين الإنتاج الزراعي، يجب أن تكون هذه المناطق مجهزة بالبنية التحتية اللازمة لإدارة واستخدام الموارد المائية بكفاءة.
في الشمال تشمل التدابير المحددة الموصى بها للمحاصيل للتعامل مع مناخ أكثر جفافًا تطوير أنواع أكثر من المحاصيل القادرة على الصمود، وزيادة زراعة المحاصيل الأقل استهلاكًا للمياه. يجب تحسين إدارة المياه في نفس الوقت من خلال العمل للحفاظ على المسطحات المائية ونشر أفضل التقنيات والأساليب المتاحة لزيادة كفاءة إعادة تغذية المياه الجوفية، وتجميع مياه الأمطار، واستخدام المياه وإعادة استخدامها.
رابعًا: حماية الفئات الضعيفة من السكان:
قد يؤدي تغير المناخ إلى جعل العديد من المناطق غير صالحة للسكن أو أقل دعمًا لسبل العيش التقليدية؛ مما يؤدي إلى الهجرة إلى المناطق الحضرية. الأطفال والنساء وكبار السن معرضون بشكل خاص لأحداث الهجرة هذه، ويجب وضع تدابير لضمان رفاهيتهم واستدامة سبل عيشهم.
نظرًا لأن درجة الحرارة قد ترتفع بأكثر من 1.6 درجة مئوية بحلول عام 2050 وحتى تتجاوز 2.5 درجة مئوية في الجنوب و3.0 درجات مئوية في المناطق الشمالية بحلول عام 2070، وترتفع 4-5 درجات مئوية في نهاية القرن الحادي والعشرين؛ يلزم إجراء دراسة شاملة حول كيفية القيام بذلك. تطوير قدرة المجتمع على الصمود ضد الكوارث المناخية. تشمل التدابير التكيفية ابتكار أدوات وتقنيات للتعامل مع عواقب تغير المناخ، وترتيب نطاقات بديلة لكسب العيش، وتمكين الناس، وخاصة النساء والأطفال وكبار السن، من خلال المعرفة بآثار تغير المناخ، وتزويدهم بالتدريب على البقاء كجزء من التخطيط للتأهب للكوارث.
للبدء، يجب أن تكون المدارس مجهزة بإجراءات ومرافق داعمة للتعامل مع موجات الحرارة والعواصف الترابية، بما في ذلك الموظفون المدربون للتعامل مع الربو ومشاكل الجهاز التنفسي. علاوة على ذلك يجب على جميع الإدارات الحكومية أن تأخذ تقلبية المناخ وتغيره في الحسبان عند التخطيط على المدى الطويل.
إن الأولوية العالية والتوقعات طويلة الأجل أمران حيويان في التخطيط الوطني وتنفيذ السياسة الاستراتيجية لتقليل تأثير تغير المناخ على الفئات الضعيفة.
خامسًا: سلامة الحجاج:
يمكن أن تهدد الظروف المناخية المتطرفة أنشطة الحج / العمرة بشكل خطير، لا سيما بالنظر إلى أنه في السنوات القليلة المقبلة سيتم أداء الحج خلال موسم الصيف الحارق. سيؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى حدوث عواصف ترابية وزيادة المخاطر الصحية مثل حروق الشمس وضربة الشمس والجفاف، لا سيما بين كبار السن الذين يشكلون غالبية الحجاج الدوليين. كما يشكل احتمال حدوث المزيد من موجات البرد خلال فصول الشتاء تهديدًا خطيرًا للحجاج.
في حين تبذل الحكومة بالفعل قصارى جهدها لضمان أعلى احتياطات السلامة الممكنة والمرافق للحجاج، لا يزال هناك خطر حدوث حالات شاذة غير متوقعة في شكل موجات حرارة شديدة أو فيضانات مفاجئة في تلال مكة.
يجب أن يؤخذ ذلك في الاعتبار عند التخطيط طويل المدى لتطوير البنية التحتية في مكة المكرمة.
بالنسبة للحج خلال موسم الصيف في السنوات القليلة المقبلة، يلزم بذل جهود مكثفة لحماية الحجاج "خاصة كبار السن من المناطق الأكثر اعتدالًا" ضد موجات الحر وضربة الشمس وحروق الشمس والربو ومشاكل الجهاز التنفسي.
سادسًا: ارتفاع الطلب على الكهرباء:
هناك بالفعل طلب متزايد باستمرار على إمدادات الطاقة في المملكة العربية السعودية مع الزيادة السريعة في عدد السكان والتحضر والتصنيع. قد يؤدي ارتفاع درجة الحرارة وزيادة وتيرة موجات الحرارة إلى تفاقم الوضع. إن زيادة وتيرة درجة الحرارة القصوى 50 درجة مئوية أو 30 درجة مئوية وتقليل وتيرة درجة الحرارة الدنيا ≤ 5 درجة مئوية أو 20 درجة مئوية في نهاية القرن الحادي والعشرين؛ هي رسالة قوية يجب مراعاتها لتوليد الكهرباء في المملكة.
بينما من المتوقع أن تولد مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة 54 جيجاواط من الكهرباء الإضافية بحلول عام 2032، 80% منها ستأتي من الشمس، لا تزال هناك حاجة لتطوير ثقافة قوية لترشيد استخدام الكهرباء بين السكان. وتشمل التدابير في هذا الصدد إلزام قطاع البناء والإسكان والقطاعات الصناعية والعامة لنشر التقنيات الأكثر فعالية لتحسين كفاءة الطاقة، والترويج الجاد لتكنولوجيا "البناء الأخضر" التي تعزّز العزل الحراري وتدمج الاستدامة في تصميم المباني.