"المدرع" لـ"سبق": حاليًا "الشعوبيون" يعادون الدولة "السعودية الحديثة" لأنها امتدادٌ لـ"بني أمية" العربية

قال إن اهتمام الجهات الرسمية أبرز تاريخنا وإرثنا بعد أن كان مختطَفًا ويكتبه الآخرون بطريقتهم
الدكتور عبدالمجيد المدرع
الدكتور عبدالمجيد المدرع

- استنكروا عليَّ القول إن "أبا هريرة" من الباحة وأم المؤمنين "زينب بنت جحش" من القصيم و"زيد بن حارثة" من الجوف

- السعودية لم تظهر فجأة.. فتاريخ العرب والأحداث الكبرى والشعراء والفرسان والأسواق المشهورة حدثت على أراضيها

- قراءة التاريخ إحدى الأدوات التي تساعد على التنبؤ بالمستقبل.. وبعض الكتابات شوَّهت صورة العرب وافترت عليهم

- الحوار بين أصحاب الديانات من أجل التعايش والتفاهم ضروري للتواصل بين الشعوب

- عندما "أُبعد" العرب عن حكم الدولة العباسية وأصبحت بيد العجم انهار العالم الإسلامي

- لا يخلو مجتمع من عنصرية لكن بعض الشعوب لديها قابلية أكثر للاندماج مع الآخرين

- لا بد من قراءة تاريخ "ولاة" الأندلس والفتوحات التي وصلت إلى "باريس" لفهم خسارة معركة "بلاط الشهداء"

- كثيرًا من الأعمال السينمائية تُصوِّر العرب بلهجة ولباس وضيافة وعادات بعيدة عن واقعهم

حوار/ شقران الرشيدي- سبق- الرياض: يقول المتخصص في التاريخ واللغات والترجمة والدراسات الإنسانية، الدكتور عبدالمجيد بن محمد المدرع، إن البعض يظن أن السعودية ظهرت فجأة، وعددًا من مؤلفات تاريخ الأدب العربي تتجاهل الربط بين الشخصيات والمناطق والأحداث التاريخية التي حصلت في الأراضي السعودية.

ويؤكد في حواره مع "سبق" أن بعض الكتابات التاريخية قامت بتشويه صورة العرب، والكذب عليهم افتراءً، وأن قراءة التاريخ إحدى الأدوات التي تساعد على التنبؤ بالمستقبل.

ويوضح أن "الشعوبية" حركة تقوم على تحقير العرب ومعاداتهم والتأيلب عليهم، وقد نجحوا في ذلك.

ويتناول الحوار عددًا من المحاور التاريخية، فإلى التفاصيل:

العنصرية

Q

عشت ودرست في إسبانيا فترة طويلة، فهل ترى أن الأوروبيين بشكل عام، والإسبان خصوصًا، يمارسون "العنصرية" ضد الآخرين أم هم متسامحون بطبيعتهم؟

A

لا يخلو مجتمع من عنصرية، ولا يمكن وصف مجتمع كامل بعنصري، لكن بعض الشعوب لديها قابلية أكثر للاندماج مع الآخرين أكثر من غيرها، ومن ضمنهم الإسبان؛ فلم أر منهم إلا كل خير في التعامل، ولم أواجه أي موقف عنصري طيلة هذه السنوات. وقد ظهر ما يسمى بالحوار بين أصحاب الديانات من أجل التعايش والتفاهم، لكن من الضروري التركيز على التواصل الثقافي أو الحضاري، أي أن تتعرف الشعوب على بعضها بشكل أكبر.

لا يفهم التاريخ بشكل صحيح إلا بفهم ماضيه وحضاراته القديمة والأديان التي قامت فيه
Q

ذكرتَ أن لك تجربة استمرت 3 سنوات في قراءة التاريخ الإسلامي، والأوروبي، والتاريخ القديم والحديث، وكُتب السيرة النبوية.. وغيرها، فبماذا خرجت من تلك التجربة؟

A

لفهم التاريخ بشكل صحيح يجب أن نعرف التواريخ الموازية له. فحتى أستطيع فهم تاريخ الأندلس بشكل دقيق كان من الضروري معرفة تاريخ أوروبا في الفترات نفسها التي أقرأ عنها في تاريخ الأندلس. فمثلاً لو قرأنا عن تاريخ الولاة في الأندلس، وتمدُّد الفتوحات الإسلامية في فرنسا، ووصولهم حتى باريس، وخسارتهم في معركة "بلاط الشهداء"، يمكن لي فهم سبب خسارة المسلمين بشكل أدق عند قراءة تاريخ الدول الأوروبية آنذاك. كما أنه لا يمكن فهم التاريخ إلا بفهم ماضيه القديم، وحضاراته القديمة، والأديان التي قامت فيه؛ لهذا لما كنت أقرأ مثلاً عن تاريخ الحروب الصليبية في المشرق، وأقرأ عن الحروب الصليبية في الأندلس، وكنت أقرأ في الوقت نفسه عن تاريخ أوروبا وتاريخ الأديان في أوروبا.. وهذا كان يقدم لي صورة واضحة كاملة للأحداث. ولا يكفي أن أقرأ من كتب المصادر، بل كانت المراجع أساسية، وكذلك التنويع فيها؛ فلا يكفي أن تقرأ من كتابات المسلمين، بل كان من الضروري القراءة من كتابات المؤرخين الغربيين.

المواطن السعودي

Q

حاليًا تهتم السعودية بالتاريخ، والثقافة، والفنون المتنوعة، والانفتاح على العالم.. ما أبرز انعكاسات ذلك على المواطن السعودي؟

A

من المهم أن نعرف تاريخنا السعودي الحديث، الذي يبدأ بتأسيس الدولة السعودية عام ١٧٢٧م على يد الإمام محمد بن سعود، ثم نعرف التاريخ القديم للسعودية، وهو تاريخ البلاد منذ العصر الحجري مرورًا بالحضارات القديمة، والعصر النبوي حتى نصل إلى الدولة السعودية. المواطن السعودي اليوم أصبح أكثر معرفة واعتزازًا بتاريخه؛ وهذا الأمر بدا واضحًا وجليًّا من خلال اهتمام الجهات المعنية بإبراز تاريخنا وإرثنا الثقافي. وتاريخنا السعودي القديم اختُطف منا؛ فأصبح يكتبه الآخرون بطريقتهم.

الربط التاريخي

Q

لك محاولة في الربط التاريخي بين مناطق السعودية وشخصيات عاشت فيها من الصحابة والتابعين، ومن العصر الجاهلي وما بعد الإسلام. فما أبرز تلك الشخصيات وتأثيرها؟

A

نعم، البعض يظن أننا بدأنا فجأة، وظهرنا فجأة. كما أن من تحدث عن تاريخ العرب القديم كان يتحدث عن أسماء بدون ربطها بالمناطق.. فنجد مؤلفات تاريخ الأدب العربي مثلاً تتجاهل هذا الربط؛ والسبب يعود أحيانًا لجهلهم بهذا الربط، وأحيانًا يأتي تجاهلهم عمدًا أو قصورًا. فهؤلاء الشعراء والفرسان، وكذلك الأحداث الكبرى، مثل أيام العرب، وأحداث مثل داحس والغبراء، وحرب البسوس.. هي أحداث حصلت في الأراضي السعودية؛ فمن الضروري ربط هذه الشخصيات بمناطقها. فأبو هريرة -رضي الله عنه- من قبيلة دوس في منطقة الباحة، وليس كما يظن كثيرون أنه من اليمن، وكان أميرًا على هجر، وهي اليوم في الأحساء زمن عمر بن الخطاب. وأم المؤمنين زينب بنت جحش من قبيلة بني أسد في القصيم، وانتقل والدها إلى مكة. وزيد بن حارثة من منطقة الجوف، وتم اختطافه في طفولته، وعاش في مكة. بل نرى جهلاً كبيرًا، وتجاهلاً أحيانًا بأسواق العرب، وتراثهم الثقافي والعمراني، وارتباطه بهذه المناطق. وهذا التجاهل لم يكن فقط في الكتابات، بل حتى في الأعمال السينمائية.

وقد تعرضت لردود فعل غريبة عندما ربطت بعض هذه الشخصيات بمناطق السعودية مستنكرين عليَّ ربطهم بأسماء المناطق الحديثة. وهنا تكمن المشكلة عندما يظن بعض أبناء السعودية أن هذه المناطق هي أسماء حديثة، بل إنها أسماء قديمة، تمتد للعصر الجاهلي.

الشعوبية

Q

غردت بأن "الشعوبية" المعادية لدولة بني أمية تعود اليوم لمعاداة الدولة السعودية الحديثة؛ لأنها تراها امتدادًا لها كدولة عربية إسلامية أصيلة. فهل العداء على العرب ليس وليد اليوم بل هو متجذر عند بعض الجهات المعادية؟

A

المملكة العربية السعودية دولة إسلامية، تقوم على أساس هويتها الدينية والثقافية؛ فالسعودية قامت على الإسلام، وعلى الثقافة العربية، وهو ما قامت عليه الدولة الأموية؛ فالدولة الأموية كان عمادها الإسلام والعرب، ومن بعدها قامت الدولة العباسية على الإسلام، لكنها لم تقم على العرب الذين هم عماد الإسلام؛ فضعفت الدولة الإسلامية، وأصبحت دولة إسلامية بيد العجم من المسلمين؛ فأدى ذلك لانهيار العالم الإسلامي، وانتهى دور العرب منذ سقوط الدولة الأموية، ولم يقم للعرب قائمة إلا من خلال الدولة الأموية في الأندلس والدولة السعودية. ومن حارب الأمويين قديمًا هم الشعوبيون. والشعوبية هي حركة ثقافية اجتماعية، تقوم على تحقير العرب ومعاداتهم، والتأليب عليهم.. وقد نجحوا بحشد الناس على العرب آنذاك، وتم تشويه صورتهم.. وهذا الأمر انعكس حتى على الكتابات التاريخية التي قامت بتشويه صورة العرب، والكذب عليهم افتراءً. وقد سلَّم البعض بصحة هذه الأحداث؛ فافتروا على تاريخ الأمويين، ثم قام المؤرخون بالتسليم بكثير من الروايات، وأصبحت مثل الحقيقة عند الناس.

فعاد الشعوبيون اليوم بشكل قوي مع ظهور دولة عربية إسلامية؛ فأصبح شغلهم الشاغل هو عداء السعودية، وأصبح كثير من العرب شعوبيين من حيث لا يعلمون؛ لذا نستطيع فهم جزء كبير من معاداة بعض الناس اليوم للمملكة بفهم الحركة الشعوبية. ويجب علينا دراسة هذه الحركة التي يمكن تسميتها اليوم بالحركة الشعوبية الحديثة؛ لأنها تطورت عن الشعوبية الأولى.

دراسة التاريخ

Q

هل دراسة التاريخ تُمكِّن صاحبها من التنبؤ بمستقبل الأمة، والتمييز بين الشخصيات التاريخية، ودراسة إنجازاتها وتأثيرها على عصرها، وفي حاضر ما بعدها؟

A

قراءة التاريخ لا تكفي، بل قراءة التاريخ هي إحدى الأدوات التي تساعد على التنبؤ بالمستقبل، بل يجب فهم الجوانب الاقتصادية، والدينية، والاجتماعية.. ففهم التاريخ والجوانب الأخرى، التاريخية من جهة، ومن ناحية الحاضر من الجهة الأخرى، يساعد كثيرًا على التنبؤ بشكل دقيق.. لكن للتاريخ سننه؛ فالتاريخ له دورات، كما للاقتصاد دوراته.

مدائن صالح

Q

تعتبر مدائن صالح بمنزلة الموقع الأكثر شهرة، وتضم العديد من الأماكن التاريخية، فكيف يمكن تسليط الضوء عليها أكثر وإبرازها عالميًّا؟

A

لا يكفي ربط الآثار دون التطرق للجوانب الأخرى لإبرازها. مدائن صالح "الحجر" هو المسمى التاريخي لها؛ لأنها تقع في وادي الحجر، وبجانبه العلا التي تقع في وادي القرى. فيجب أن نقوم بإبراز الجانب الأثري كما هو حاصل اليوم، ونقوم كذلك بإبراز الجانب التاريخي، والأدبي، والاجتماعي للمنطقة. فمثلاً وادي القرى، الذي تقع به اليوم مدينة العلا، كانت فيه قصص "جميل وبثينة"، وفي هذا الوادي قال جميل:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة

بوادي القرى إني إذًا لسعيد

وهذا الوادي كانت فيه قبيلة بني عذرة، وقد عرفوا برقة مشاعرهم، ونُبل أخلاقهم؛ فظهر فيهم اسم الحب العذري نسبة لهذه القبيلة. وهذه المنطقة ارتبطت بأحداث مرتبطة بالسيرة النبوية، ومرَّ النبي ﷺ بوادي القرى ووادي الحجر.

اليسار العالمي يتدخل في "أوكرانيا" بكل ثقله لأنها مسألة وجود
Q

ما ردك على من يقول إننا نعيش حاليًا صراع حضارات، وإن الاختلافات بدأت تظهر بشكل "صدامي" نظرًا لسعي كل حضارة إلى فرض ذاتها وثقافتها على الأخرى؟

A

الأسباب تداخلت؛ فهي أسباب تاريخية واقتصادية، وأيضًا صراع تيارات عالمية.. لكن اليسار العالمي يتدخل بكل ثقله؛ لأنه يرى -على سبيل المثال- أن المسألة في أوكرانيا بالنسبة له مسألة وجود؛ فخسارتهم هنا أظنها هي نهاية قوة اليسار العالمي.

الدراما

Q

إلى أي مدى يمكن أن تخدم الدراما التاريخ الإسلامي والعربي، وتُقدِّمه بشكل مُشرِّف للمشاهد العالمي؟ وهل المشكلة في عدم وجود النصوص المناسبة أم عدم اهتمام شركات الإنتاج بذلك؟

A

المشكلة الكبرى هي في عدم وجود الكُتاب السينمائيين؛ فالكاتب التاريخي يصعب عليه كتابة السيناريو والحوار، والمتخصص في السيناريو والحوار يصعب عليه كتابة نص تاريخي بدون وجود أخطاء؛ لذا فالحل الأمثل هو قيام الكاتب التاريخي بتقديم مادته كما هي "مادة تاريخية خام"، تُقدَّم لكاتب السيناريو والحوار الذي يستخدم هذه المادة ليستطيع كتابة هذا العمل بشكل دقيق وصحيح. ويندر وجود من يجمع بين المهمة التاريخية والسيناريو والحوار. وشركات الإنتاج غالبًا لا تنتج نصًّا، بل تبحث عن نص موجود مكتوب، تقوم بتحويله لعمل. والفارق هنا هو تبني شركات الإنتاج الكبيرة أو الجهات المسؤولة الكتابة لإنتاج عمل من هذا القبيل. والعمل السينمائي أو الدرامي أو حتى البرامج هي أفضل وسيلة اليوم لإيصال التاريخ والإرث، لكن هذا لا يكفي بدون وجود إنتاج، وإخراج، وتمثيل يوازي جودة الكتابة؛ لأن كثيرًا من البرامج قد تكتب وتنتج بشكل جيد، لكن المخرج أو الفريق الفني للبرنامج ضعيفٌ في استيعاب هذا العمل، أو لا يؤمن به. فوجود برنامج أو عمل درامي مرتبط بمنطقتنا أو تاريخنا سيكون ضعيفًا مع وجود فريق فني أو ممثل لا يؤمن بهذا العمل أو يجهله. وهذا نراه كثيرًا في الأعمال التاريخية التي صورت العرب بلهجة محددة ولباس بطريقة واحدة بعيدة عن الواقع، أو جهلهم بعادات العرب وطريقة حديثهم أو ضيافتهم وغيرها من التفاصيل الأخرى.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org