أكد أستاذ جيولوجيا المياه في جامعة الملك سعود الدكتور حسين الفيفي أن ما يثار من تحذيرات وصول المملكة لمرحلة العطش مبالغ فيه، موضحًا في حواره مع "سبق" أنه من الصعب تحديد كميات المياه الموجودة في الخزانات الأرضية بمناطق المملكة ولكنه يمكن تقديرها وفق بيانات علمية.
وشدد على أن عمليات حفر الآبار العشوائية لها مخاطر كثيرة، مبينًا أن من الحلول التي يمكن العمل عليها لتنمية موارد المياه العذبة في المملكة هي حصاد مياه الأمطار وتقليل الاعتماد على المياه الجوفية وتحديد أنواع من المزروعات لا تستهلك كميات كبيرة من المياه.
وأشار الفيفي إلى خطورة عدم الاستفادة من مياه السدود وتأثيرها في حدوث الزلازل والتلوث.
** شاعت في أوقات سابقة عمليات حفر الآبار العشوائية في مختلف مناطق المملكة.. هل كان لهذا تأثير جيولوجي ظاهر أو قد يظهر مستقبلاً؟
حفر الآبار بطريقة عشوائية غير مبنية على أسس علمية وفنية يؤدي إلى زيادة استنزاف المياه الجوفية من الطبقات الحاملة لها والضغط عليها بطريقة غير محسوبة النتائج، وفي حال زيادة الاستهلاك المائي الجائر من هذه الطبقات الحاملة للمياه فقد يؤدي ذلك إلى اختلال في تماسك الطبقات، وبالتالي قد يسبب هبوطًا لهذه الطبقات وحدوث انهيارات أرضية لها. ومن المشاكل المائية التي قد تحدث جراء الحفر العشوائي للآبار وخاصة الآبار المفتوحة على الطبقات الجوفية إلى زيادة المشاكل المائية والتلوث المائي فقد ينتج عن ذلك خلط بين الطبقات الحاملة للمياه مع بعضها البعض مما يسبب تداخلًا بين المياه جيدة الجودة مع المياه سيئة الجودة والعالية الملوحة، وكذلك قد يؤدي إلى تسرب المياه من الطبقات الغنية بالمياه إلى طبقات ناضبة أو خالية من المياه تمامًا، ومن أضرار حفر الآبار بطريقة عشوائية أنه قد يؤدي إلى تسرب السوائل من الصرف الصحي والصرف الزراعي، وكذلك النفايات الصناعية السائلة من سطح الأرض إلى طبقات المياه الجوفية مما يؤدي إلى تلوث المياه الجوفية.
** وماهي الحلول التي يمكن أن تتخذها الجهات المعنية لمعالجة شح المياه العذبة في المملكة إذا تجاوزنا تحلية المياه المالحة؟
لا تدخر حكومة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله أي دعم يؤدي إلى تضافر الجهود لإيجاد الحلول والبدائل لنقص المياه العذبة في المملكة العربية السعودية، وهناك الكثير من الحلول الممكنة لمواجهة شح المياه ومن ضمنها زيادة محطات التحلية وزيادة الإنتاجية من المياه المحلاة، كذلك حصاد مياه الأمطار وخاصة في المناطق التي تزيد فيها نسب هطول الأمطار وبناء السدود لاحتواء مياه الأمطار من الذهاب إلى البحر وعدم الاستفادة منها، يضاف إلى ذلك الاستثمار الزراعي الخارجي وخاصة في الدولة الغنية بالمياه مما يقلل من الاعتماد على المياه الجوفية في المملكة ويخفف الضغط عليها أيضًا تحديد نوعية المزروعات التي لا تحتاج إلى استهلاك كميات كبيرة من المياه وقد تكتفي بالقليل منها، بالإضافة إلى معالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها للري الزراعي.
وكذلك ترشيد استهلاك المياه المستخدمة في الأغراض المختلفة مثل الاستخدام المنزلي وغسيل السيارات والمسابح وغيرها وعمل التوعية بضرورة ترشيد استهلاك المياه وخاصة في الزراعة، استخدام طرق الري الحديثة المرشدة لاستهلاك المياه والابتعاد عن الطرق القديمة التي تتسبب في هدر المياه.
** هناك من يشير إلى وجود كميات كبيرة من المياه تحت رمال الربع الخالي ويصل عمرها لأكثر من 10 آلاف عام، فهل استخراج هذه المياه لاستخدامها ضرر صحي وبيئي أو يكون ذلك سبباً في حدوث الهزات الأرضية؟
بالإمكان معالجة المياه وإزالة التلوث الحاصل لها إذا كان هناك ملوثات واستخراج المياه من باطن الأرض لا يسبب هزات أرضية إلا في حال السحب الجائر للمياه الذي يؤثر على الطبقات الحاملة للمياه، وبالتالي يعمل على اختلال التوازن ومن ثم انهيار هذه الطبقات، ولهذا يجب استخدام الإدارة العلمية الصحيحة المبنية على الحسابات الدقيقة لكميات الضخ من مصادر المياه الجوفية حتى يتم الاستفادة منها بالطرق التي لا تسبب مشاكل بيئية وجيولوجية.
** تم خلال السنوات الأخيرة إنشاء عشرات السدود لأودية كبيرة وصغيرة، ولكن عددًا منها لم يستثمر بتنقية المياه أو بتصريف يتوافق مع احتياجات البيئة.. ما هي تأثيرات ذلك؟
بناء السدود له دور كبير في عملية حصاد مياه الأمطار، لكن إذا استمر حفظ المياه في بحيرات السدود ولم يتم تصريفها واستغلالها فإن هذه المياه ستتعرض للتبخر الشديد في ظل الأجواء المناخية السائدة ومن الممكن أن تصبح هذه المياه راكدة وتتعرض للملوثات القادمة من الوديان التي تعتبر رافدًا لتغذية بحيرة السد، وهذا يضاعف تراكيز هذه الملوثات، كما يمكن أن تصبح مرتعاً للحشرات الضارة ونمو النباتات مما يؤدي إلى مشاكل بيئية واجتماعية كبيرة.
بالإضافة أن بحيرة السد بما تحتويه من مياه وطمي تزيد من الثقل على الطبقات المتواجدة تحتها، وهذا قد يؤدي إلى زيادة في نشاط الصدوع وقد يتسبب في اختلال توازن الطبقات، وبالتالي حدوث هزات صناعية.
** كميات هطول الأمطار في المملكة قليلة وبدأت وزارة البيئة والمياه والزراعة مشروع استمطار السحاب بمرحلته الأولى.. ما هي توقعاتك لنتائج هذا المشروع وتأثيره على مشكلة المياه في المملكة؟
عملية استمطار السحب لها فوائد كثيرة ومنها زيادة كمية المياه، وبالتالي زيادة في الغطاء النباتي وتحسين الأجواء وإزالة العوالق في الغلاف الجوي المحيط وهي عبارة عن محاولة صناعية لزيادة كمية الهطول المطري، وجعل السحب تمطر في موقع ما.
وتعتمد هذه الطريقة على تلقيح السحب برش مواد معينة مثل يوديد الفضة وكلوريد الكالسيوم وكلوريد الصوديوم والثلج الجاف أو ثاني أكسيد الكربون الصلب. لكن هناك سلبيات للاستمطار لا بد من أخذها في الحسبان قبل عملية الاستمطار، حيث إنه يتم استخدام المواد الكيميائية في عملية الاستمطار والتي يمكن أن تلحق الضرر بالبيئة وخاصةً النباتات والحيوانات، بالرغم أن اليود الفضي المستخدم ليس له أضرار ظاهرة ومعروفة على الصحة إلى الآن، ولهذا تقوم الدراسات حاليًا حوله لمعرفة أضراره الحقيقية. أيضًا تقوم عملية الاستمطار على السحب التي يظهر أنها ستمطر ولكنها قد لا تمطر حقيقة، ولهذا فإن عملية الاستمطار قد لا تكون هي السبب فعليًا بحدوث الأمطار. كما يجب مراعاة أن عملية الاستمطار مكلفة اقتصاديًا، وعملية الاستمطار تقوم بتغيير المناخ المحلي ولكن لا يمكن التنبؤ بمدى التأثير على المناخ العالمي عامة، يضاف لذلك أنه لا يمكن القيام بإلغاء ظروف الطقس الصعبة أو تغيير مسار الرياح لنقل بخار الماء إلى منطقة معينة دون غيرها.
** كيف ترى التحذيرات من وصول المملكة لمرحلة العطش بعد سنوات قليلة؟
في اعتقادي أن هذا الكلام فيه الكثير من المبالغة، ولكن من الضروري إدارة مصادر المياه بطريقة صحيحة وجيدة في المملكة وإجراء الدراسات العلمية على المصادر المائية الحيوية لدينا لتقييم هذه المصادر وعمل الموازنات المائية المبنية على بيانات حديثة ومقارنة النتائج المتحصل عليها بما تم عمله في السابق وبناء قاعدة بيانات موثقة وصحيحة لمواردنا المائية، وكذلك مراقبة كميات الاستهلاك المائي وخاصة الزراعي والتركيز على الإرشاد الزراعي منها حتى نستطيع أن نحافظ على المصادر المائية من النضوب.
** ما هو تقييمك لجهود رصد الجفاف في المملكة من قبل الأرصاد، وما هي الأرقام والنسب الأخيرة للجفاف في المملكة؟
تعدُّ السعودية ضمن الأقاليم الجافة التي تتأثر من ارتفاع ظاهرة الجفاف وهي ظاهرة تحدث بسبب التغيرات المناخية العالمية، حيث تتعرض الأراضي خاصة الواقعة في المناطق القاحلة والجافة، والتي تعاني من قلة الأمطار، وارتفاع درجات الحرارة، وهذا يؤدي بطبيعة الحال إلى قلة الغطاء النباتي وتأثر اقتصادي واجتماعي وبيئي والجهود القائمة حاليًا جهود مشكورة من خلال المركز الوطني للأرصاد التابع لوزارة البيئة والمياه والزراعة لرصد الجفاف في المملكة، حيث يتم استخدام المؤشر القياسي للهطول (SPI) لرصد الجفاف وحالته باعتباره المؤشرالرئيسي للجفاف في الأرصاد الجوية الموصى به من المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO)، حيث يمكن ربط مؤشر SPI لمدة 12 شهراً بتدفقات مجاري المياه ومستويات الخزانات ومستويات المياه الجوفية، حيث يتضح من خلال بيانات المركز الوطني للأرصاد وجود حالات رطبة خفيفة إلى معتدلة في معظم أنحاء المملكة العربية السعودية. لكن بعض المناطق في شمال المملكة تعاني من ظروف رطبة شديدة حيث تظهر النتائج شدة الظروف الجافة والتي كانت في العقدين الماضيين، مع وجود حالات رطبة كانت في عام ٢٠١٩، لا يمثل مؤشر SPI ذو الـ ١٢شهرًا جفافًا ناتج عن القياسات الأرصادية ولكنه يمثل جفافًا هيدرولوجيًا.
**هل توجد عمليات حصر لعدد الخزانات الحاملة للمياه الجوفية في المملكة بشكل كامل وهل تم الوصول لرقم يحدد كميات المياه الجوفية خلال فترة زمنية محددة؟
الخزانات الحاملة للمياه الجوفية معروفة في المملكة وتنقسم إلى قسمين خزانات رئيسية وتشمل كلًا من الساق، الوجيد، تبوك الطويل، المنجورضرما، أم الرضمة، الوسيع، الدمام.
والقسم الثاني لطبقات الثانوية وتتمثل في كل من الخف، والجوف، والجله، ومرات، وأجزاء في الدرع العربي مثل البازلت، بالإضافة الىرواسب الوديان.
وبالنسبة لتحديد كميات المياه في هذه الطبقات فهو تقديري وليس حقيقيًا، ومن الصعب جداً وقد تصل لدرجة المستحيل تقدير كميات المياه في الطبقات الجوفية الحاملة للمياه لاعتمادها على نقطة مهمة، وهي عمل نماذج تحاكي واقع الطبيعة والتي يجب أن تحتوي على بيانات دقيقة جدًا، ولكن يمكن التقدير بما يتاح من بيانات مرصودة ومحسوبة.
** وفقًا لتقرير من وزارة البيئة شكلت المياه المحلاة 65% من إجمالي المياه الموزعة وشكلت المياه الجوفية 35% خلال،2019 وهو ما يعد انخفاضًا في استهلاك المياه الجوفية مقارنة بـ 2018، هل يعتبر هذا التغيير من الحلول الدائمة أم يعود لتوسع شبكة التحلية فقط؟
هذا فيما يخص المياه التي تصل إلى المنازل، وهذا الجزء يعتبر الأقل من المياه الجوفية التي تضاف لمياه التحلية وليس بالجزء المؤثر بقوة على المياه الجوفية ولكن ما يؤثر على المياه الجوفية هو الاستهلاك الزراعي، حيث تستهلك الزراعة من المياه الجوفية ما يعادل 85% مقارنة باستهلاك المياه الجوفية في الجوانب الأخرى والمياه الجوفية تسمى علمياً بالمياه غير المتجددة.
** نسبة استهلاك المياه العذبة من المياه الجوفية في المزارع عالية جدًا، ما الذي يمكن فعله للحد من الهدر المائي في المزارع مع الموازنة في الأمن الغذائي؟
يمكن عمل توعية إعلامية قوية على جميع وسائل الإعلام للمزارعين بترشيد استهلاك المياه المستخدمة زراعيًا وسن القوانين والأنظمة التي تحد من الهدر المائي وتطبيقها لهذا الغرض والتشديد على تطبيق الأنظمة في حال الحصول على رخص حفر الآبار مع وجود عدادات على هذه الآبار لمعرفة كميات السحب والتشديد على استبدال طرق الري القديمة والتي تقوم بهدر كميات كبيرة من المياه بطرق الري الحديثة الموفرة للمياه، وكذلك التركيز على نوعية المزروعات التي لا تستهلك كميات مياه كبيرة وممكن أن يكفيها اليسير منه. وعدم وتشجيع الاستثمار الزراعي الخارجي في الدول التي تحظى بكميات كبيرة من المياه.
** هناك تصريحات تتهم سد وادي بيش بمنطقة جازان بالتسبب في الهزات الأرضية.. هل سد بيش يعتبر سببًا رئيسًا للمخاطر الجيولوجية في المنطقة المحيطة به؟
المخاطر الجيولوجية كلمة كبيرة وإنشاء السدود ليست سببًا رئيسيًا في حدوث المخاطر الجيولوجية، ولكن يجب توخي الحذر والحيطة عند إنشاء السدود ومراعاة الخصائص الجيولوجية لموقع إنشاء السد بما في ذلك التراكيب الجيولوجية وطبيعة المنطقة المراد إنشاء السد فيها من ناحية طبيعة ونوعية الصخور والتراكيب الجيولوجية وعمل الدراسات الميدانية الجيولوجية والتأكد من مدى تحمل الصخور لإنشاء السد وكمية المياه التي سوف تحتجز في بحيرة السد لأن إنشاء سد في منطقة مختارة يزيد من الثقل على الصخور تحت بحيرة السد لوجود كميات من المياه والطمي في بحيرة السد، وهذا قد يسبب تخلخلًا لهذه الصخور وزيادة نشاط الصدوع مما قد يسبب هزات أرضية في منطقة السد، ولهذا لابد من تخفيف المياه في بحيرة السد بتصريفها والاستفادة منها، وكذلك إزالة الطمي منه.
**تعاني المناطق الجبلية جنوب السعودية وخصوصاً في منطقة جازان من شح المياه، ما هي الحلول التي تقترحها لحل هذه الأزمة نظرًا لبعد المياه الجوفية هناك؟
من الحلول التي يمكن استخدامها في المناطق الجبلية هو بناء الخزانات الكبيرة وإيصال مياه التحلية إليها عن طريق إنشاء الشبكات الأرضية لتوصيل المياه لهذه الخزانات، ومن هذه الخزانات يمكن توصيل المياه للمنازل عن طريق عمل شبكة تصل بين الخزانات المعمولة وبين المنازل.
**على ماذا يدل زيادة تدفق أو انخفاض تدفق المياه الكبريتية أو العيون الحارة كما يطلق عليها البعض؟
العيون الحارة عبارة عن نبع مائي حار(وتمسى محاليل حرمائية)، تحتوي على معادن وغازات مختلفة، ومن ضمنها كبريتيد الهيدروجين وثاني كبريتيد الهيدروجين، ولذلك سميت مياه كبريتية ولها عدة استخدامات وأيضًا عدة أضرار وهي تخرج من باطن الأرض عن طريق الصدوع الأرضية، وهذا يدل على أن الصهارة قريبة من الأماكن التي تخرج منها هذه المحاليل الحرمائية.