في هذا العصر الذي تسوده التكتلات والتحالفات الكبيرة، وتسعى فيه شتى الدول التي تجمعها قواسم مشتركة إلى إيجاد مظلة تأتلف تحتها؛ لتحمي مصالحها، وتعزز التعاون والاستقرار فيما بينها، تنحرف دول أخرى عن هذا النهج الذي تفرضه تحديات العصر، وتسعى إلى شق الصف، وخلق كيانات هزيلة. ومن هذه الدول ماليزيا وتركيا وإندونيسيا وباكستان وقطر، التي قررت عقد "قمة إسلامية مصغرة" خارج إطار منظمة التعاون الإسلامي دون مراعاة لانعكاسات هذه "القمة" على تماسك المنظمة، وقوة تمثيلها لوجهة نظر المسلمين في العالم؛ إذ تضم 57 دولة إسلامية، وتعد ثاني أكبر منظمة في العالم بعد الأمم المتحدة.
ويصعب تفهم أهداف تلك "القمة الإسلامية المصغرة" التي تعقد في ماليزيا اليوم (الأربعاء)، وتستمر أربعة أيام، بعيدًا عن الآثار السلبية التي ستضعف قوة منظمة التعاون الإسلامي؛ لأن هذه "القمة" تقدم نفسها كمظلة بديلة للمنظمة في بحث القضايا التي تهم الدول الإسلامية، منها القضية الفلسطينية. ولا يمكن إنكار مثل هذا الهدف في ظل الارتباط الواضح بين اسم ذلك الاجتماع الخماسي، وهو "القمة الإسلامية المصغرة"، وقمم منظمة التعاون الإسلامي التي تحظى بتلك الصفة في اجتماعاتها من تمثيل الدول الأعضاء فيها لأغلبية المسلمين في العالم.
وقد اعترف رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد بشكل غير مباشر بتجاوز تلك القمة لمنظمة التعاون الإسلامي، والسعي إلى إيجاد مظلة بديلة عنها، وقال: "إن هذه الدول الخمس تشكل نواة لبداية تعاون إسلامي أوسع، يشمل مجالات عدة، تواجه العالم الإسلامي، مثل التنمية الاقتصادية والدفاع والحفاظ على السيادة وقيم الثقافة والحرية والعدالة، إضافة إلى مواكبة التكنولوجيا الحديثة".
فطبقًا لما ذكره مهاتير محمد، فهذه القمة الخماسية "بداية" لتشكيل تعاون إسلامي أوسع؛ ما يعني توافُر النية لاستقطاب دول أخرى إليها، وتوسيع دائرة تمثيلها؛ والنتيجة مع هذا المسعى لن تكون إلا إضعاف منظمة التعاون الإسلامي، وتفتيت وحدتها؛ فكيف يكون شق الصف وتفتيت وحدة المسلمين عملاً للنهوض بقضاياهم؟
ومما يؤكد هدف هذه الدول الخمس في تجاوز منظمة التعاون الإسلامي اهتمامها بالقضايا نفسها المدرجة على جداول أعمال قمم المنظمة في دوراتها الأخيرة؛ ما يعني أن قمة ماليزيا لم تأتِ بجديد على صعيد المضمون السياسي للعمل الجماعي الإسلامي، وكان يجدر بها بدلاً من ذلك أن تسعى إلى خروج قمة المنظمة المقبلة بمواقف ناجعة من تلك القضايا، أو تقدم مقترحات تصب في إصلاح هيكل المنظمة، بما ينعكس بالإيجاب على أدائها في حل هذه القضايا والتغلب عليها.
ورغم الحملة السياسية والإعلامية التي سبقت الدعوة إلى تلك القمة من قِبل ماليزيا بات من الواضح أن بعض الدول المدعوة إلى القمة فطنت إلى تأثيرها السلبي على العمل الإسلامي؛ فخفضت تمثيلها. وتجلى ذلك في تراجع الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو عن الحضور، وإلغاء رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان مشاركته، في إقرار استباقي بأن قمة ماليزيا لن يكتب لها النجاح في أن تكون منبرًا بديلاً أو صوتًا بديلاً عن منظمة التعاون الإسلامي التي تصف نفسها بأنها "الصوت الجماعي للعالم الإسلامي"، ولن تحظى بأي تجاوب من جانب مسلمي العالم.