** ذكرى اليوم الوطني مناسبة وطنية غالية، نقرأ فيها ما تحقق من منجزات حضارية في المجالات كافة، وعلى مختلف الأصعدة.. نقرأ في تفاصيل منجزنا الوطني هذا التحوُّل الحضاري الكبير والنقلات التنموية الهائلة حتى غدت مملكتنا الحبيبة معها في مصاف الدول المتقدمة بعد أن وحّد صفها وجمع شتاتها ولَمّ شمل أهلها تحت راية التوحيد الملك الراحل عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه.
** فقد هيّأ الله لموطن الحرمين الشريفين الملك المؤسس الذي جاهد لتوحيد هذا الكيان مترامي الأطراف في ملحمة فريدة، قلّ أن يشهد لها التاريخ مثيلاً؛ إذ كانت النظرة الثاقبة، وصفاء النية، وسمو الهدف، حاضرة في خطوات تأسيس البلاد على شرع الله القويم.
** فسرعان ما عمَّ الأمن، وانتشر الرخاء، وبدأ البناء بما كان متاحًا من الإمكانيات، وأخذ الملك المؤسس على عاتقه منذ الوهلة الأولى خدمة الحرمين الشريفين، وتسهيل سُبل الوصول إليهما، ورعاية وحماية قاصديهما، وكان الهم الأول له -رحمه الله- تحقيق الأمن، وإقامة العدل وفتح دور التعليم؛ لتستقيم بذلك أحوال المجتمع، وكذلك تأمين طرقات الحجيج القادمين من كل صوب؛ ليؤدوا مناسكهم في أجواء آمنة.
** لذا لم يكن حدث توحيد البلاد محليًّا وحسب، بل تجاوز المحلية إلى العالمية والأقطار كافة التي نعم أهلها بالوصول إلى ديار الحرمين الشريفين، وأدركوا حجم التحوُّل من مجتمع مضطرب متناحر، تعصف به القبلية، وتكبله انتماءات العشائرية، إلى مجتمع متآلف يعمه الأمن، ويلفه الرخاء. وبعد أن توطدت أركان الدولة، وبدأت حياة الاستقرار، وظهرت الخيرات باكتشاف البترول، انطلقت عجلة التنمية، وقفز الوطن قفزات هائلة، شهدتها القطاعات كافة، وانطلقت الخطط الخمسية للنهوض به مركِّزة على عدد من الجوانب التعليمية والصحية والاجتماعية والاقتصادية.
** وسار أبناء الملك المؤسس على خطاه في تحكيم شرع الله القويم الذي اتخذته السعودية دستورًا لها منذ لحظة قيامها.. واليوم ونحن في الذكرى التاسعة والثمانين نرقب بعين الإكبار ما تحقق من منجزات فريدة إذا قيست بالامتداد المكاني لوطن في حجم قارة، وفي فترة تعد قصيرة بالامتداد الزماني، نقف اليوم لننظر في تفاصيل المنجز، ونستشرف المستقبل برؤية هي رؤية وطن؛ إذ تأتي رؤية 2030 بنقلة تنموية حضارية كبيرة، يخطو بها الوطن خطوات ثابتة مدروسة نحو مستقبل مشرق، بتوجيه مباشر من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، ومتابعة حثيثة من سمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله-.
** وفي هذه المناسبة نقف ونسأل أنفسنا: ماذا قدَّمنا نحن في المقابل؟ الوطن وطن خير وعطاء، لم يبخل على مواطنيه، والقيادة سخّرت الإمكانيات كافة، وبذلت الغالي والنفيس في سبيل أمن واستقرار وبناء الوطن، وخدمة المواطن.
** المواطن يجب أن يقوم بواجبه نحو وطنه؛ فالحديث عن الوطن حديث عن الوجود، عن الذات، عن الهوية، عن المأوى، عن الهواء الذي نتنفسه، والأمن الذي نعيشه؛ لذا فإن الاحتفائية يجب أن يؤكدها اعتراف بالفضل، وأداء لواجب الوطنية الحقة.. ومن أوجب واجباتها المحافظة على ما تحقق، والعمل على استكمال ما بدأه الآباء من بناء وتضحية وصدق انتماء. أقول هذا لأن الاحتفال يتجاوز مظاهر الفرح، وإن كانت مطلوبة ومبررة، لكنها لا تكفي وحدها، بل علينا نحن المواطنين أن نستعيد مكابدة الأجيال السابقة، ومعاناتها الحياتية قبل لَمّ الشتات، ونقارن ذلك بما ننعم به من رغد العيش بفضل الله ثم القيادة الرشيدة {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}.
** علينا أن نقف صفًّا واحدًا خلف قيادتنا في كل ما تتخذه وتقرره للحفاظ على أمن وطننا وحماية مكتسباته، وأن نكون حصنًا منيعًا ضد دعوات الضلالة ومحاولات التشويش؛ لتبقى مملكتنا حصنًا منيعًا - كما هي دائمًا - في وجه كل محاولات الحقد والتضليل.
دام الوطن عزيزًا، مهابًا، آمنًا، مستقرًّا تحت ظل قيادته الرشيدة.. وأيامكم كلها وطن.